مفارقات نون النسوة في مجلس النواب الأردني
صفقت ناشطات في الدفاع عن حقوق المرأة طويلاً للإنجاز التاريخي الذي حققته نساء الاردن خلال انتخابات مجلس النواب السابع عشر التي جرت في 23 كانون الثاني/ يناير 2013، حين تمكَّنت يومها من حجز ثلاثة مقاعد تنافسياً تحت قبة المجلس. بهذا الإنجاز، سجلت النساء حضوراً غير مسبوق في تاريخ المجالس النيابية في المملكة الذكورية، حين بلغن الرقم ثمانية عشر، الرقم الذي أتمه وصول خمس عشرة سيدة الى المجلس عبر نظام الكوتا النسائية، تطبيقاً لقانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2012.
قيمة الانجاز
يا لقيمة الانجاز، وهنّ المرفوضات للآن كممثلات للشعب واللاتي تتضاءل فرصهن امام سطوة الرجل على العملية الانتخابية نتيجة للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع الاردني الذي لا يزال موسوماً بالذكورية والمنحاز للقيم العشائرية المُعْلية من قيمة الرجل. يا لقيمة الانجاز، وهو الذي يأتي بعد تسعة وثلاثين عاماً على منح المرأة الاردنية حق الترشح والانتخاب لمجلس النواب، الذي اقر في العام 1974 وبقي حبراً على ورق حتى عودة الحياة النيابية الى الاردن في العام 1989. ويا لقيمة الانجاز، الذي جاء بعد أربعة وعشرين عاماً من ممارسة المرأة لحقها بالترشح والانتخاب لمجلس النواب في ظل تكرار النتائج الفاشلة أو المتواضعة.
تساؤلات في فضاء الانجاز
ولكن يا لتواضع الانجاز، ويا لسذاجة التصفيق، فثمانية عشر مقعداً بنون النسوة شكلت 12 في المئة من عدد مقاعد مجلس النواب السابع عشر والبالغ 150 مقعداً، بينما شكلت النساء 52 في المئة من نسبة الناخبين.
هل يحسن التصفيق للغالبية الناخبة التي لم توصل سوى ثلاث من بنات جنسها الى المجلس الذي تنافست للوصول اليه 217 مرشحة، توزعن على 129 مرشحة على الدوائر المحلية فازت منهن اثنتان تنافساً- و88 مرشحة على القوائم الوطنية فازت منهن واحدة ترأست القائمة -بينما تكفل القانون بإيصال خمس عشرة منهن الى المجلس بغض النظر عن عدد الاصوات اللاتي حصلن عليها ؟
وهل من المنصف مواصلة تحميل البنية العشائرية للمجتمع الاردني المسؤولية عن عرقلة وصول المرأة الى البرلمان عبر التنافس؟ هل من المنصف ذلك امام الاحصائيات الرسمية التي اعلنها الائتلاف الوطني لدعم المرأة بالبرلمان والتي كشفت ان النسبة الاكبر من المترشحات للانتخابات سُجلت في البادية، التي هي الحصن الاقوى للعشائرية في الاردن بنسبة بلغت 27.7 في المئة من عدد المترشحين من كلا الجنسين.
نسبة تضاءلت رويداً رويداً كلما اقتربت من معاقل الحركة النسوية ليحتل المركز الاقوى للعمل النسوي في العاصمة عمّان المرتبة قبل الاخيرة بنسبة بلغت 11.4 في المئة من عدد المترشحين من كلا الجنسين.
مفارقة العشيرة
من المفارقات الغريبة، ان الحضور القوى للنساء كمرشحات في مناطق النفوذ العشائري، لا يعني حصولهن على دعم العشيرة ، حيث يسبق الانتخابات النيابية انتخابات عشائرية داخليه تفرز فيها العشائر مرشحيها للانتخابات النيابية، وهي انتخابات تُحرم المرأة من المشاركة فيها سواء بالترشيح او الانتخاب.
ما يعني حرمانها من حقها في الاختيار اضافة الى إلحاقها بقرار الرجل عند الاقتراع. وهي مفارقة يصعب تبريرها.
تعود ظاهرة الانتخابات التمهيدية التي تخوضها العشائر لتسمية مرشحيها للانتخابات النيابية الى العام 1993 عندما ظهر قانون انتخابات الصوت الواحد الذي حرم العشيرة من الفوز بأكثر من مقعد في مناطق تواجدها، فوجدت العشيرة نفسها امام خيار التوحد في مواجهة العشائر الاخرى التي تقع في الدائرة الانتخابية نفسها او تشرذم الاصوات في حال خوض اكثر من مرشح الانتخابات، وبالتالي الخسارة امام العشائر المنافسة.
وكان ان حرصت العشيرة على ايصال احد رجالها الى مجلس النواب، فحرمت نساءها من المشاركة في الانتخابات العشائرية. غير ان المرأة ظهرت كمرشحة للانتخابات بشكل مستقل من دون سند عشائري، بعد ان خصص لها قانون الانتخابات كوتا اعتباراً من العام 2003. وقال رجال العشيرة لو نجحت احدى نساء العشيرة بمقعد على نظام الكوتا فهو زيادة في الخير.
رحلة نون النسوة نيابياً
عادت الحياة النيابية الى الاردن العام 1989، وللنساء الحق في خوضها ترشيحا وانتخابا، فكان ذلك بأن خاضت 12 سيدة الانتخابات، لم تنجح أيٌّ منهن. وكذلك كانت النتيجة في الانتخابات التالية التي جرت العام 1993. اخفقن تنافساً، بينما دخلت سيدة واحدة هي توجان فيصل المجلس عن حصة الكوتا المخصصة للشركس.
تكرر الفشل في الانتخابات التي جرت العام 1997 عندما ترشحت سبع عشرة سيدة ولم تنجح أيٌّ منهن. وكذلك في الانتخابات التي جرت العام 2001، حيث لا سيدات في مجلس النواب. وفي الانتخابات التي جرت العام 2003، حُلت عقدة تمثيل السيدات في مجلس النواب عبر إقرار كوتا لهن بحكم القانون بواقع ستة مقاعد من اصل 80 مقعدا، وهو عدد المجلس في حينه، فدخلن ملتزمات بحصة الكوتا فقط وفشلن بالتنافس. وفي الانتخابات التي تلتها والتي جرت العام 2007 ، رفع عدد مقاعد مجلس النواب الى 110 ورُفعت حصة كوتا السيدات فيه الى 10 مقاعد، وحدث خلالها اول انجاز تنافسي عندما فازت اللواء المتقاعد من الجيش فلك الجمعاني بمقعد خارج حصة الكوتا، لتتواجد في المجلس 11 سيدة. الانجاز الفردي الذي تكرر في الانتخابات التالية التي جرت العام 2010 ، والتي اصبح فيها عدد مجلس النواب 120 مقعداً، ورُفعت حصة كوتا السيدات الى 12 مقعداً، فدخلته 13 سيدة بعد ان فازت ريم بدران بمقعد خارج الكوتا.
حطت الرحلة الشاقة في الانتخابات الاخيرة والتي رُفع فيها عدد مقاعد مجلس النواب الى 150 مقعداً ورُفعت حصة الكوتا النسائية الى 15 مقعداً، ليأتي الانجاز غير المسبوق بدخول ثلاث سيدات المجلس عبر التنافس، ليبلغ اجمالي عددهن 18 سيدة.
يا لها من رحلة شاقة، ويا لطول الرحلة التي تنتظر السيدات في الاردن ليتناسب حضورهن في مجلس النواب ونسبتهن كناخبات.
قبل التصفيق
تصفيق الناشطات للانجاز التاريخي، سيكون اكثر منطقية عندما تحقق الواصلات الى مجلس النواب جزءا من حلم الاردنيات بالإدماج، وهنّ اللاتي لا يمثلن سوى بـ 10 في المئة من المناصب القيادية، حسب دراسة متخصصة. وتظهر دراسة أعدها فريق من المختصين الاردنيين العام 2011 بعنوان «تدقيق واقع إدماج النوع الاجتماعي»، ان أعلى نسبة تمثيل للنساء في القطاعات كانت وزارة التربية والتعليم وبلغت 58 في المئة، فيما كانت النسبة الاقل في قطاع التشريع والرقابة وبلغت 7.6 في المئة. تباينت النسب في القطاعات الاخرى دون ان تتجاوز في المتوسط العام الـ 18 في المئة.
والتصفيق سيكون مبرراً لو انجزت الواصلات الى المجلس تعديل القوانين التي تطالب الاردنيات بتعديلها بهدف انصافهن وإزالة التمييز، والتي عجزت مجالس نواب سابقة عن تعديلها.
أمام الواصلات مطلب بتعديل نصوص دستورية إضافة الى قانون الجنسية الاردني بهدف تمكين النساء الاردنيات من حق منح الجنسية الاردنية لأبنائهن، المطلب الذي تدافع عنه ناشطات في ائتلاف «أمي أردنية وجنسيتها حق لي»، وهو مطلب يحتاج تعديله الى تبنيه من قبل مجلس النواب، الامر الذي لم يحدث بعد عامين من المطالبة. وأمامهن مطلب قديم رفضته مجالس نيابية سابقة، وهو تعديل قانون العقوبات الاردني لنزع المعاملة التفضيلية التي ينالها مرتكبو «جرائم الشرف» التي تذهب ضحيتها عشرون أردنية سنوياً، وتطالب الناشطات بإلغاء الاسباب المخفِّفة من القانون والتي بسببها يفلت الجناة من العقاب الرادع... ساعتها يكون التصفيق مستحقاً.