معلمون في القطاع الخاص: تدريس بالسخرة عابر للمدارس
ليس من قبيل الصدفة أن تتشابه قصتا المعلمتين إسراء وعلا في واقع عمل يصل حد السخرة في مدرستين خاصتين تُطبقان "شكلا" أنظمة عمل نظامية وتخالف شروط العمل اللائق "ضمنا".
ولأن الأجور المتدنية هي الانتهاك الأكثر شيوعا بين العاملين في مدارس القطاع الخاص، فقد كانت مجمل شكاوى المعلمين التي وصلنا لها تدور في فلك "رواتب متدنية لا تصل للحد المنصوص عليه بقانون العمل" و"مخالفات لعقود العمل".
عددٌ من المعلمين الذين يمثلون عشرة مدارس خاصة في العاصمة وخارجها، أكدوا لنا بأن رواتبهم ما دون الحد الأدنى للأجور فيما أخذت المعلمتين إسراء وعلا عاتقا على نفسهما بالحديث عن أوضاعهما، لكنهن تحفظتا على أسماء المدارس اللاتي يدرّسن فيها.
ويشكل المعلمون أكبر قطاع مهني في الأردن، بعدد إجمالي يصل إلى أكثر من 100 ألف معلم؛ تشكل الإناث ثلثيهم بنسبة 66.4%، ومنهم 30% يعملون في القطاع الخاص.
ويتوزع العاملون في القطاع الخاص على 2800 مدرسة، مقابل 3600 مدرسة حكومية، فيما يصل عدد المعلمين في الخاص إلى 30 ألف معلم ومعلمة، وفق نقابة المعلمين.
عمل حد السخرة
راتب إسراء، وهي معلمة لغة عربية بمدرسة خاصة في الزرقاء، لا يخالف الحد الأدنى للأجور المعمول به حاليا وهو 190 دينارا فقط، وإنما لم يتجاوز الحد الأدنى للأجور الذي كان مطبقا حتى العام 2011 الذي كان 150 دينارا.
تواجه إسراء، التي دفعتها الظروف الاقتصادية لقبول عمل لا يضمن لها شروط العمل اللائق، انتهاكا شائعا مُمارسا من قبل إدارة مدرستها، وهو إجبارها على توقيع عقد عمل بمبلغ 190 دينارا، فيما تتقاضى فعليا 100 دينار شهريا، بما يُعد تحايلاً على قانون العمل.
معلمو الخاص غير معترّف بهم!
ويعطي عدم اعتراف وزارة التربية والتعليم بالعاملين في القطاع الخاص كمعلمين، ضوءا أخضر لبعض المدارس الخاصة بعدم تطبيق شروط العمل اللائق، وهو ما عبرّت عنه المعلمة إسراء في عدة زيارات لها لنقابة المعلمين، مطالبة إياهم بأخذ خطوة عملية حيال الاعتراف بهم رسميا.
ويلفت مسؤول ملف التعليم الخاص السابق بنقابة المعلمين في محافظة مادبا نايف جبر، إلى أن عدم الاعتراف "يحرمهم من حق ملاحقة قضاياهم لدى وزارتي التربية والعمل التي تعتبر الجهة الرسمية الوحيدة التي تتعامل معهم كعاملين في مؤسسات خاصة.
إنتهاكات عابرة للمدارس
عُلا معلمة رياضيات في مدرسة خاصة بعمان، قد تكون محظوظة مقارنة مع إسراء، فقد قامت إدارة مدرستها بشمولها وزملائها مؤخرا بمظلة الضمان الاجتماعي بعد سنة كاملة من توظفيها.
إلا أن الإدارة قامت، على حد قولها، باقتطاع نصف الاشتراك من راتبها بشكل يخالف المادة 59 من قانون الضمان الاجتماعي لسنة 2014 التي تقضي باقتطاع ثلث قيمة الضمان من العامل، وثلثيه من المؤسسة التي يعمل بها.
ولا تقوم المدرسة التي تعمل بها عُلا بشمول كافة المعلمين العاملين بمظلة الضمان، فقد قامت بتمييز المعلمين حسب حاجتها لهم، وأبلغتهم انها ستقوم بوقف الضمان في فترة العطلة الصيفية (ثلاثة شهور)، في حين ستستمر بدفع رواتبهم على أكثر من دفعة.
غياب الرقابة وقاعدة البيانات.. والانتهاكات بالجملة
151 شكوى تقدم بها معلمون من عدة مدارس خاصة داخل عمان وفي مختلف المحافظات، من أصل 304 شكاوى تعاملت معها دائرة التفتيش في وزارة العمل طوال عام 2014، الإشكالية التي واجهناها تظهر في عدم تصنيف الوزارة لشكل الانتهاكات المتعلقة بقطاع التعليم لتبدو الشكاوى مبُهمة في محتواها.
ويوضح مساعد مدير التفتيش في الوزارة فؤاد أبو جابر، بأن عدم تصنيف شكاوى قطاع التعليم الخاص وعدم تبويبها وفقا لأشكال الانتهاك، لا يعني أنها قليلة
يمتلك قسم المعلومات في وزارة العمل قاعدة بيانات مركزية تستقبل كافة الانتهاكات والشكاوى التي تتعلق بالعمل والعمال، إلا أنها "غير مجّهزة بآلية لفرز البيانات وفقا للقطاعات"، الأمر الذي يجعل أعداد الشكاوى التي حصلنا عليها غير تفصيلية، بحسب أبو جابر.
ورغم عدم تصنيف تلك الشكاوى، إلا أنها تتوزع بالشكل العام ما بين: "رواتب دون الحد الأدنى للأجور"، تليها "عدم الالتزام بشروط عقد العمل، وفسخ العقد قبل تاريخ انتهاءه"، ثم "عدم اشراك في الضمان الاجتماعي"، و"تجنب دفع الأجور أثناء العطلة الصيفية"، وأخيرا "عدم منح المعلمين الإجازات السنوية والمرضية وإجازات الأمومة للمعلمات".
من جهتها، استقبلت وزارة التربية والتعليم 10 شكاوى فقط خلال العام الماضي، تعلقّت جميعها بـ"عدم التزام أصحاب المدارس بالعقود المبرمة مع المعلمين".
مدير مديرية التعليم الخاص فريد الخطيب يدرك أن عدد الشكاوى الواردة للوزارة لا تمثل الواقع الحقيقي، وذلك لأن معلمي القطاع الخاص يخضعون لوزارة العمل التي تستقبل شكاواهم.
ويشير الخطيب إلى أن الوزارة سجلت خلال جولاتها "غير المنتظمة إنذار مدرسة واحدة فقط العام الماضي، نتيجة الانتهاكات المستمرة ضد المعلمين فيها، لافتا إلى أن الإجراءات العقابية قد تصل إلى الإغلاق وسحب الرخصة، "إلا أنه لم يتم إغلاق أي من تلك المدارس المخالفة".
فيما تفتقر نقابة المعلمين وهي الجهة المدنية الوحيدة التي تتعامل مع حقوق منتسبيها، لقاعدة بيانات مفصلة حيال الانتهاكات التي تردها ليظهر لنا نقص في حجم ونوعية البيانات.
وتعزو لجنة التعليم الخاص داخل النقابة ذلك إلى حداثة نشأتها، فيما تؤكد عبير خريس مديرة اللجنة أنهم يتلقون آلاف الشكاوى بشكل دائم من قبل معلمين في القطاع الخاص.
ويعطي غياب الرقابة عن العديد من مدارس القطاع الخاص، لكثير من إدارتها، المساحة لارتكاب انتهاكات، وتحديدا في المدارس الاساسية ورياض الاطفال والحضانات، وفق المعلم نايف جبر.
وهذا ما تؤكده رئيسة لجنة التعليم الخاص في نقابة المعلمين عبير الأخرس، وتقول أن ما نسبته 80% من المدارس الخاصة البعيدة عن العاصمة "تنتهك حقوق المعلمين لديها خاصة الإناث منهم".
وتشير الأخرس إلى لجوئهم لحل عدد من القضايا بشكل ودي قبل وصولها إلى وزارة العمل، "لضمان الأمان الوظيفي للمعلم"، لتبدو نسبة المتعرضين للانتهاك أكبر بكثير مما تسجله النقابة.
دراسة صدرت عن منظمة العمل الدولية في العام 2009 لفتت إلى أن أكثر الانتهاكات التي يتعرض لها المعلمون تقع بين الإناث، ولفتت إلى فارق الأجور بين الذكور والإناث في قطاع التعليم الخاص بنسبة (42%) لصالح الذكور.
نقابة المدارس الخاصة وتقليل الانتهاكات!
نقابة أصحاب المدارس الخاصة "قللّت" من حجم الانتهاكات التي تقع بحق المعلمين، ويعتبر رئيس النقابة منذر الصوراني قطاع المدارس الخاصة كغيره من القطاعات الأخرى "لا يخلو من التجاوزات، غير أن المسؤولية تقع على عاتق الجهات الرقابية، بعدم قدرتها على ضبط المخالفين"، كما يقول.
وتتفق وجهة نظر الصوراني مع نتائج رقمية من مسوحات العمالة والبطالة التي تجريها دائرة الإحصاءات العامة والتي أظهرت أن .27% من الأردنيين يتقاضون أجورا تقل عن 200 دينار شهريا في مختلف قطاعات العمل.
ويقر الصوراني بارتكاب عدة مدارس انتهاكات بحق العاملين لديها، إلا أنه لفت إلى ضرورة التنبه إلى ما أسماه بانتهاك آخر يكمن بـ"العقاب الجماعي بباقي المدارس الملتزمة بالأنظمة والقوانين"، مطالبا الجهات المعنية بمراقبة المدارس وتصويب اوضاعها، إضافة إلى "تجاوزات بعض أولياء الأمور الذين يتخلفون عن دفع أقساط أبنائهم الفصلية الأمر الذي يؤثر سلبا على المدارس والتزامها بدفع رواتب العاملين فيها".
انتهاكات لقانون الضمان الاجتماعي
مؤسسة الضمان الاجتماعي تدرك أن ثمة "تَهرُباً" من قبل بعض أصحاب المدارس الخاصة من شمول معلميها بمظلة الضمان. وتتنوع الانتهاكات المتعلقة بمظلة الضمان كما يعدد لنا مدير مركزها الإعلامي موسى الصبيحي، ما بين "عدم شمول العاملين كلياً بالضمان، أو شمولهم خلافا لفترات عملهم الحقيقية"، تليها "اشتراكات بأجور غير الحقيقية".
فضلا عن ذلك فهناك مخالفات كما يسوق لنا الصبيحي بأمثلة: "كاقتطاع نسبة اشتراك الضمان من رواتبهم وعدم توريدها لهم"، إضافة إلى "لجوء بعض المدارس الخاصة إلى تحميل المعلم نسبة الاشتراك بالضمان كاملة" كما تساهم حالات التهرب هذه في حرمان المعلمات العاملات في المدارس الخاصة من الاستفادة من بدل إجازة الأمومة الذي يمنح من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي.
"ابتدعت بعض المدارس حيلا وأساليب جديدة الغاية منها خرق القانون تتمثل بوقف الضمان الاجتماعي للمعلمين اثناء العطلة الصيفية واثناء عطلة ما بين الفصلين، الأمر الذي يؤثر على اشتراكات المعلمين في الضمان"، يقول الصبيحي.
ومن منظور حقوقي، تحث المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الدول على توفير فرص عمل متساوية بين مواطنيها وضمن ظروف عمل تكفل السلامة والصحة والتحديد المعقول لساعات العمل، والإجازات الدورية مدفوعة الأجر، والمكافأة عن أيام العطل الرسمية.
الناشط الحقوقي أحمد عوض، يذّكر بأن القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية التي صادق الاردن عليها "تنص على عدم جواز وقوع أي انتهاك ضد العاملين محددةّ معايير العمل اللائق التي يجب ان يتمتع بها العاملون في مختلف القطاعات.
وكان تقرير صدر عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في تشرين أول 2010 حول واقع المعلمين في القطاع الخاص، لفتا فيه إلى أن إنتهاكات من "غياب الاستقرار الوظيفي" إلى "مهام غير تربوية وتعليمية توكل لهم" فضلا عن عدم وجود ضمان اجتماعي أو قطع الأجور خلال الإجازات الرسمية. (إضغط هنا للاطلاع على التقرير)
العقد الموحد الحل.. وتعديلات قانونية:
مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم طلبت رسميا من جميع المدارس الخاصة تزويدها بصورة عن العقد الموحد بين المدرسة والمعلم مؤخرا، لضمان حقوق المعلمين والذي ستبدأ إلزاميته العام الجاري.
ويشترط العقد الموحد، تحويل رواتب المعلمين إلى البنوك، لإثبات اجمالي الراتب ونسبة اقتطاع اشتراك الضمان الاجتماعي.
كما تعطي المادة الخامسة عشرة من نظام المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية، والذي لا يزال في الغرفة التشريعية، الحق لوزير التربية بتشكيل لجنة لتسوية النزاعات بين المعلم والمؤسسة التعليمية الخاصة.
فيما نصت المادة السادسة منه على أن يقل الراتب الذي يتقاضاه عن الحد الأدنى لمثيله في المؤسسات التعليمية الحكومية، كما "ويستحق المعلم المعين بعقد زيادة سنوية لا تقل عن الزيادة الممنوحة لمثيله في المؤسسات التعليمية الحكومية"، وفقا للنظام.
وإلى أن تصبح القوانين الضامنة لحقوق العاملين في قطاع المدارس "فاعلة"، يبقى التعويل على دور الجهات ذات العلاقة في تطبيق رقابة فاعلة على الأرض وعلى وعي معلمين بأن الصمت لن يسهم إلا في زيادة الإنتهاك بحقهم.
** هذه المادة أعدت باشراف مشروع تعزيز الحوار العام حول قضايا حقوق الانسان من خلال الاعلام