مصادر مجهولة في أعمدة "الرأي" مرآة للموقف الرسمي

مصادر مجهولة في أعمدة "الرأي" مرآة للموقف الرسمي
الرابط المختصر

لم تعد الحملات الإعلامية التي تشنها الحكومة للتأثير على “الرأي العام” في قضية ما سرية، فاللقاءات بين المسؤولين الرسميين والكتاب الصحفيين باتت علنية ويشير لها بعض الكتاب صراحة في مقالاتهم. وقد يعد ذلك تطورا يدخل في باب الشفافية في العلاقة مع الجمهور.

 

لكنها شفافية منقوصة عندما تبقى هوية المسؤول، أو على الأقل الجهة الرسمية التي يمثلها، مجهولة في مقالة مبنية على أقواله أو “تسريباته”. قد يكون عدم ذكر اسم المصدر منشأه أن الكاتب ملتزم أخلاقيا تجاه مصدره الذي اشترط ذلك مسبقا. لكن ماذا لو لم يتضمن المقال أي “تسريب” أو معلومة سرية، بل كان فقط تكرارا لتصريحات مسؤولين آخرين معرّفين بأسمائهم؟

 

وإن جاءت المقالة بمعلومة أو تسريب جديد وحصري، خص به “المسؤول” كاتب المقالة، فهل يبرر ذلك تبنى المقالة لوجهة نظر المسؤول وعدم معارضتها وموازنتها برأي آخر، أو مناقشتها وتحليلها ووضعها في سياق أوسع، أو حتى التساؤل والتشكيك بمضمونها؟

 

في كلا الحالين تقتصر وظيفة المقالة على تكرار الرسالة التي تريد الحكومة توصيلها للجمهور ولكن على لسان كاتب المقالة. وإذا كان قد عرف عن الكاتب استقلاليته عن الحكومة يمتد تأثير الرسالة إلى خارج دائرة الموالين ليصل إلى فئات فقدت ثقتها وتأثّرها بالحكومة وبإعلامها.
 

قد يفسر ذلك نقل الجهات الحكومية لحملاتها الإعلامية من صحيفة لأخرى وضم كتاب صحفيين جدد لها، وحتى وصول الحكومة إلى وسائل إعلام المعارضة وكتابها لنقل رسائلها والتأثير على جمهورها.

 

وقد يفسر أيضا التحول الذي تشهده صحيفة الغد باتجاه التماهي مع الموقف الحكومي فيما يتعلق بالمعارضة الإسلامية، وتراجع الحملات الإعلامية التي واظبت صحيفة الرأي الحكومية على إطلاقها ضد حركة الأخوان المسلمين.

 

وفي ذات المقالات نجد تبريرات كتاب لتبنيهم المواقف الحكومية تجاه الإسلاميين، وآخرها اعتقال نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين زكي بني ارشيد. فتدعم المقالات جهات رسمية (دبلوماسية) تحاول كبح اندفاع جهات أخرى (أمنية) تميل إلى حظر الجماعة في حين يتعرض الأردن لضغوط خارجية من دول الخليج للتعامل مع الحركة كإرهابية.

 

اعتقال بني ارشيد نموذجا

 

عشية نشر خبر اعتقال زكي بني ارشيد بتهمة “تعكير صفو العلاقات مع الإمارات وتعريض الأردنيين للخطر” على خلفية ما كتبه على صفحته على “فيسبوك”، نشرت صحيفة الغد ثلاثة مقالات انتقدت بني ارشيد وما كتبه واستعرضت مبررات مختلفة لتقديمه للمحاكمة وإدانته، في حين ما يزال التحقيق جاريا أمام المدعي العام، وأوصلت الرسالة الرسمية إلى جماعة الاخوان وجمهورهم.

 

يعنون الكاتب محمد أبو رمان مقالته في صحيفة “الغد” بسؤال “لماذا تم توقيف بني ارشيد!” لكنه لا يجيب بنفسه بل ينقل، من دون تعليق أو إضافة، “قراءة” مصدرين مجهولين، الأول “سياسي مخضرم” والثاني “مسؤول مطلع”. ويلخص للنتيجة بأن “أمام صانع القرار ثلاثة سيناريوهات: حظر الجماعة؛ الحوار معها وصولاً إلى صفقة؛ الإبقاء على الوضع الراهن (حالة الجمود) والرهان على الأزمة الداخلية في الجماعة. وكان القرار بالخيار الثالث، الذي يوازن الاعتبارات الإقليمية والمحلية في حسبة “مطبخ القرار”.

 

ومن دون أن يشير صراحة إلى مصادره، يكرر الكاتب فهد الخيطان في صحيفة “الغد”، ما ورد في مقالات أخرى عن “انطباع لدى بعض قيادات الإخوان المسلمين بأن امتناع الدولة عن تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، ينطلق من موقع ضعف لا قوة، ولذلك لم يجدوا سببا لتعديل خطابهم”.
ويكرر الخيطان تحذيرات أو تهديدات كتاب آخرين، من أن “أجهزة الدولة المعنية هي الآن في طور جمع أوراق القضية، تمهيدا لجعل الاتهام مدعوما بالأدلة القاطعة هذه المرة. بعدها، تصبح الطريق مفتوحة لوضع الجماعة على قائمة الإرهاب”.

 

مقالة أيمن الصفدي في صحيفة “الغد” كانت الأكثر مباشرة في إدانة بني ارشيد، حين وصف اعتقاله بأنه “جاء تعاملا مع فردٍ ارتكب فعلا فجّا تجاوز في ضرره حدود المقبول، وانحدر في لغته الشتائمية إلى قاعٍ لا ينتمي إلى القول السياسي العام وتقاليد العمل الحزبي”…”بالمقابل، انطلق قرار ملاحقة بني ارشيد قضائيا من اعتبارات قانونية وتقويمات موضوعية مرتبطة بمصالح الأردن الوطنية”.

 

واتهم الصفدي “الجماعة” ككل بأنها خارجة عن القانون لأنها “تمارس العمل السياسي رغم أنها مرخصة جمعية”. في المقابل “بقي رد الحكومة على تصعيد “الإخوان” في حدود المعتاد سياسيا.
كما لم تخض الدولة معهم معركة كسر عظم رغم تغيّرات إقليمية دفعت باتجاه هذا المنحى”.

 

في “الرأي” كان الكاتب ورئيس مجلس إدارة الصحيفة، سميح المعايطة، وحده من علق على اعتقال بني ارشيد. وساد على المقالة أسلوب صحيفة الرأي عند تناول أي شأن يتعلق بالاخوان المسلمين، وهو عبارة عن هجوم حاد واتهامات بالتصعيد والمسؤولية الكاملة عن “الأزمة” بين الحركة والحكومة، لأن الأخيرة “تتعامل بهدوء وحكمة لكن مع حزم في التعامل مع بعض التجاوزات”، و”لم تقم باي استغلال لها وكل ما يجري تفاعل اخواني داخلي بين تيارات ومجموعات”. وتنتهي المقالة بتهديد مباشر بأن “لكل أمر ثمن، ولكل صبر حدود”.

 

تناول أعمدة الرأي لاعتقال نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين مثال واحد لظاهرة تشكل التحالفات السياسية – الإعلامية بين المسؤولين الرسميين وكتاب الصحف، التي تتحول إلى سياسات تحريرية غير مكتوبة وإنما متفق عليها ضمنيا بين كادر الصحيفة الذي تم اختياره في الأصل على أساس تقاربهم الفكري مع توجهات الصحيفة.

 

أضف تعليقك