مسيحيو الموصل: رحلة من التهجير.. وبحث عن برّ الأمان

مسيحيو الموصل: رحلة من التهجير.. وبحث عن برّ الأمان
الرابط المختصر

- 430 مهجرا وصلوا المملكة.. وتوقع ارتفاع العدد...

"مهجّر جريح".. تعريف اختاره أحد مسيحيي الموصل المهجرين إلى الأردن لنفسه، مختزلا الحالة التي يعيشها بعد الظروف التي عانوا منها في مدينتهم شمال العراق، ليغادروها محاولين الحفاظ على حياتهم في مكان يشعرون فيه بالأمان.

عدد من المهجرين المقيمين في كنيسة اللاتين بمنطقة ماركا يصفون لـ"عمان نت" المأساة التي مروا بها منذ تهجيرهم من الموصل وصولا إلى أراضي المملكة.

نوال، أمّ لأربع بنات وشابين، تفرقت عنهم باستثناء ابن واحد وابنة ترافقها مع أطفالها في الكنيسة، تعبر من خلال لهجتها العراقية عن حنينها لمنزلها في الموصل، والذي قطنه أجدادها على مر السنين، وتقول وهي تنظر إلى حقائب حاجياتها التي استطاعت الخروج بها من منزلها: "هذا كل ما تبقى لي من الموصل".

وتضيف نوال بصوت متقطع "الله على الظالم لكن ربنا هو من كتب علينا ذلك، واحنا راضيين"، إلا أنها لا تجد إجابة لأطفال ما زالوا يلعبون رغم المعاناة التي مروا بها على أدراج الكنيسة متسائلين عن سبب وجودهم هنا!

ليس الأطفال وحدهم من يحاولون تجاوز مأساتهم باللعب في الكنيسة، فأحجار النرد ترمى على "الطاولة" وسط تحد بالفوز بين خمسينيين رفضا التعريف بنفسيهما، معللين ذلك بأن الأسماء لم تعد ذات أهمية وسط الحالة التي يعيشونها فـ"الوصف والمشاهدة أقوى".

ويؤكدان وهما لا يفارقان أحجار "الطاولة" أن مستقبلهم بات مجهولا ولا يعلمان حتى الآن إلى أين سيذهبون، مشددين على عدم رغبتهم بالعودة إلى الموصل في أي حال من الأحوال، بعد المشاهدات الدموية والقتل المستمر الذي عاشوه منذ قرابة الشهرين.

ويرويان كيف قام تنظيم "الدولة الاسلامية" المعروف بـ"داعش" بتمييز منازلهم بحرف "ن"، أي "نصرانى"، مطالبا الأهالي بدفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو ترك منازلهم، فاختارا الرحيل.

وفي طريقهم، تعرض لهم مسلحو "الدولة الإسلامية" وسلبوهم أموالهم وممتلكاتهم فلم يتبق لهما إلا ثيابهما التي على أجسادهما، بعدما تعرضوا لإطلاق النار ومحاولات القتل.

ويلفت باسل وهو أحد المهجرين والذي يقضي ساعات الظهيرة في باحة الكنيسة، إلى أن السلام والأمان اللذين يشعر بهما، يخففان مما مر على ناظريه في العراق من المشاهد الدامية.

ويؤكد باسل أن العراق قاسى وعانى على مر الزمن قبل قدوم "داعش"، إلا أن العلامة الفارقة التي سجلها تنظيم "الدولة الإسلامية" إضافة للقتل والنهب والسلب تتمثل بما وصفه بـ"قتل الأديان"، حيث دمروا الأضرحة والمعالم الدينية الموجودة منذ آلاف السنين، على حد تعبيره.

ويضيف باللهجة العراقية التي طالما اتسمت بطابعها الحزين "شغلة ما يشيلها العقل.. قتلوا رجالنا وباقوا النساء والأطفال.. أخذوا مالنا حتى الموبايلات واللي قدر الله من عنده خلصه وطلع برا العراق"...

من جانبه، يوضح رئيس جمعية الكاريتاس الأردنية وائل سليمان بأن الجمعية تواصل استقبال المهجرين البالغ عددهم حاليا 430 شخصا موزعين على عدد من الكنائس، فيما لجأ البعض الآخر إلى أقاربهم وأصدقائهم في الأردن.

ويشير سليمان إلى أنه تم التنسيق مع كنيسة اربيل التي يتواجد فيها نحو 150 ألف مهجر، حيث تبنت الجمعية استقبال 1000 شخص.

أما هجرتهم إلى دول أخرى فهو أمر غير محسوم حتى الآن ويعود إلى الجهات المعنية بالقرار، فيما تتكفل الجمعية بكافة احتياجاتهم من المأكل والمشرب والعلاج، بحسب سليمان الذي أكد قدرة الجمعية على تغطية كامل هذه الاحتياجات، إلا انها في ذات الوقت لا تغلق الباب في وجه أي شخص أو جهة تود تقديم المساعدة.

وبدأ عدد من مسيحيي الموصل ومنطقة سهل نينوى ممن تعرضو للتهجير القسري بالتوافد إلى الأردن منذ نحو أسبوعين، ومن المتوقع استمرار توافدهم خلال الأسابيع المقبلة ليصل عددهم 1000 مهجر.