ما شكل الضغوط التي تحدث عنها الملك بملف القدس؟
"لن أغير موقفي ما حييت بالنسبة للقدس، فموقف الهاشميين من القدس واضح، ولا أحد يستطيع أن يضغط على الأردن في هذا الموضوع"، بهذه العبارات وجه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من مدينة الزرقاء، رسائل داخلية وخارجية، بخصوص موقف الأردن من صفقة القرن، كاشفا عن ضغوط دولية على الأردن.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الملك الأردني عن ضغوط على الأردن؛ بسبب موقفه من القدس المحتلة، فقد قال العام الماضي أمام طلبة من الجامعة الأردنية، إن الوضع الاقتصادي والضغط الذي يُمارس على الأردن ناجمان عن مواقفه السياسية، ولا سيما موقف المملكة من القدس المحتلة.
لكن خطاب الملك من مدينة الزرقاء جاء مختلفا هذه المرة، إذ حمل نبرة أشد حدة، وأكثر وضوحا لحجم الضغوط التي تمارس على الأردن، مع تأكيده على وقوف الشعب معه، وخاطب الملك مواطنين، قائلا: "هناك ضغط على الأردن؟ نعم هناك ضغوط على الأردن، وهناك ضغوط عليّ من الخارج. نعم صحيح، هناك ضغوط تمارس عليّ، لكن بالنسبة لي القدس خط أحمر، وأنا أعلم جيدا أن شعبي معي، والذين يريدون التأثير علينا لن ينجحوا".
رسائل داخلية وخارجية
من جهته، قال المحلل السياسي، مالك العثامنة، إنه يعتقد بأن اختيار الملك لمدينة الزرقاء جاء كونها بوتقة تجمع الأردنيين من كافة المنابت، وخصوصا المكون الفلسطيني، إذ أرسل الملك رسائل خارجية إلى مسوقي الحلول الجوفاء في الإقليم، إلى جانب رسالة تطمين إلى الداخل الأردني بخصوص تمسك الهاشميين بالوصاية على القدس.
وقال العثامنة، : "لم يتلق الملك رسائل في زيارته لواشنطن بقدر ما هو أرسل رسائل إليهم، وأعتقد أنه لم يعد أمام الأردن إلا حل واحد بعد انتهاء حل الدولتين، إذ يجب العودة إلى قرارات ما قبل مدريد وأوسلو".
ويعد الهاشميون الوصاية على القدس خطا أحمر، لاعتبارات دينية تاريخية، حيث ترتكز الوصاية الهاشمية على جوانب دينية وقانونية.
والملك يحظى بـ"شرعية دينية"، بسبب أنه "هاشمي من أحفاد الرسول عليه السلام"، بينما كانت القدس والضفة الغربية تابعتين للمملكة الأردنية الهاشمية في عام 1967، ثم جاء قرار فك الارتباط القانوني والإداري، لكن بقيت القدس والمقدسات تابعة قانونيا للمملكة، ومنصوص على ذلك في المادة التاسعة من اتفاقية السلام.
الأردن ترك وحيدا
من جانبه، قال أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس، عبدالله كنعان، ، إن "الأردن ترك وحيدا في مواجهة العدوان الإسرائيلي على المقدسات".
وبحسب كنعان، فإن "الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في عدوانها أمام صمت باقي الدول الأخرى والمجتمع الدولي، ما شجع الأخيرة على أن تتمادى أكثر فأكثر، والسعي لتقسيم مكاني وزماني للمسجد الأقصى، ليبقى الأردن دون دعم عربي وإسلامي بمعنى الكلمة".
وحول الضغوطات على الأردن، شدد كنعان، على أن "الوصاية الهاشمية ورثها الملك عبد الله الثاني من الأجداد، ولا يمكن أن يتنازل عن شبر واحد من القدس، وكانت رسالة الملك الأخيرة واضحة لإسرائيل: لا تحاولي ومن معك، حتى لو دفعتم المليارات بأن نتنازل عن حقوقنا وسيادتنا وعقيدتنا".
ولا يتوجس الأردن من إسرائيل فقط، إذ دخلت دول عربية على خط التطبيع وتسويق صفقة القرن، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية مؤخرا.
وذكرت صحيفة هآرتس في مقال للصحفي تسفي بارئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، أن صفقة القرن ستشمل مشاركة المغرب والسعودية في إدارة مواقع مثل جبل الهيكل، أو الحرم القدسي الشريف، والسيادة الإسرائيلية عليها، والمشاركة الفلسطينية في الحفاظ عليها.
والأمر يضع الأردن تحت ضغوط مزدوجة من بينها ضغوط عربية لدول كانت داعمة أساسية لموازنة الدولة الأردنية مثل السعودية، في وقت شدد فيه سفير المملكة العربية السعودية لدى عمان خالد بن فيصل بن تركي، على موقف بلاده "الداعم للوصاية الهاشمية للأردن على المقدسات في مدينة القدس المحتلة".
وقال السفير الاثنين الماضي، إن "موقف بلاده ثابت من القضية الفلسطينية، وأن القدس هي عاصمة فلسطين الأبدية، وأن الرياض تؤكد وتدعم الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
شكل الضغوط الأمريكية المحتملة
وقال المحلل سياسي مختص بشؤون الشرق الأوسط، ارون مغيد، والكاتب في "فورن بوليسي"، لـ"عربي21"، إن "البيت الأبيض يكافح لإيجاد حلفاء عرب يدعمون خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ووجود أي علامات دعم من الملك عبد الله ستكون مهمة لإضفاء الشرعية على الاقتراح الأمريكي".
ويعتقد مغيد أنه "من المحتمل أن تكون إدارة ترامب ضغطت على الملك عبد الله، خصوصا في ظل معارضة الفلسطينيين الساحقة لمبادرة مستشار الرئيس غاريد كوشنر، يقول إن الضغوط اقتصادية، نظرا لأن اعتماد المملكة الهاشمية بشكل كبير على المساعدات السنوية الأمريكية التي تبلغ حوالي 1.5 مليار دولار لمنع حدوث انهيار مالي في ظل ارتفاع مديونية الأردن إلى 95 في المئة من الناتج المحلي".
وبحسب المحلل، فإن أمريكا "لعبت أيضا دورا رئيسا في تعزيز أمن الأردن على حدوده الشمالية مع سوريا، وقد يكون لتحول السياسة الأمريكية آثار أمنية هائلة على الأردن".
وشدد على أنه "لا يمكن لأي قدر من المساعدات الأمريكية إصلاح صورة الملك عبد الله في نظر الأردنيين في حال تخليه عن القدس".
وتلتزم الحكومة الأردنية تاريخيا بتأكيدها على أن "حل الدولتين" هو الحل الأفضل للقضية الفلسطينية، إلا أنها تجد نفسها بموقف سياسي صعب بعد دفن حل الدولتين، ومحاولة تسوية القضية الفلسطينية دون حل لمشكلة القدس المحتلة، وملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات الذين تستضيف الاردن القسم الأكبر منهم.
وبحسب المحلل، فإنه من المحتمل أن تلجأ المملكة الى ورقة الضغط الشعبي من خلال مناقشات نيابية الأسبوع المقبل لصفقة الغاز مع إسرائيل، و إطلاق العنان للمسيرات الشعبية المناصرة للقدس المحتلة.