كيف يعمل الإعلام الجديد على "شيطنة" المجتمع؟

كيف يعمل الإعلام الجديد على "شيطنة" المجتمع؟
الرابط المختصر

منذ شهر حزيران من العام الجاري 2016، أي منذ ثلاثة أشهر شهدت  التعبيرات التي ينتجها المجتمع الأردني في الفضاء العام  تغيرا واضحا، واتسمت هذه التحولات الصادمة بحضور مكثف لخطاب الكراهية وتعبيراته الإقصائية التي تؤسس للاستقطاب والانقسام الاجتماعي؛ وتصاعدت تعبيرات الكراهية غير المألوفة في الفضاء العام الأردني من خلال الإعلام الرقمي وتحديدا في  شبكات التواصل الاجتماعي؛ وعبر سلسة من الأحداث، تنامى خطاب الكراهية في مجتمع لم يألفه سابقا ووصل ذروته  في ارتكاب أول جريمة اغتيال قاد إليها هذا الخطاب من خلال هذه الوسائل.

إن تصاعد خطابات الكراهية والتحريض يهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع الأردني، ويعمل على خلق الاستقطابات الحادة على خلفيات ثقافية – دينية تقف خلفها مواقف ومصالح سياسية أحيانا، إلى جانب أن هذه الظاهرة تهدد حرية التعبير في الأردن، وقد تدفع إلى إجراءات وتشريعات تحد من حرية الإعلام؛ الأمر الذي يحتاج إلى منظور جديد في معالجتها، وإن اخطر ما يمكن أن يحدث هو التطبيع مع هذه الظاهرة.

تنامي مفاجئ وصادم للكراهية

عبر المجتمع الأردني بسلامة أحداث التحولات العربية “الربيع العربي”، وكل ما تضمنته من تسويق سياسي هائل انطوى على أكبر موجة كراهية شهدتها المجتمعات العربية المعاصرة، وبقيت تعبيرات الحراك الشعبي الأردني تدور في فضاء التعبيرات السياسية الاقتصادية – المطلبية والاحتجاجية.

 

بدأ مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” منذ نهاية عام 2014، رصد مظاهر خطاب الكراهية والتحريض في وسائل الإعلام الأردنية حيث أصدر خمسة تقارير في هذا الشأن، نتائج هذه التقارير جاءت متفائلة، إذ أشارت إلى أن هذا الخطاب محدود ولا يكاد يذكر، وينحصر في وسائل التواصل الاجتماعي وفي تعبيرات محددة، وكانت التغطيات الإعلامية لشؤون اللاجئين السوريين في الأردن هي المجال الأساسي لهذه الظواهر، ولكن سريعاً أخذ هذا الخطاب يتنامى. وهو الأمر الذي ذهبت إليه دراسة أخرى صدرت عن مرصد الإعلام في الشرق الاوسط وشمال افريقيا والهيئة الاردنية للثقافة الديمقراطية 2015 ، والتي توصلت إلى أن ﺧﻄﺎب اﻟﻜﺮاھﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﯿﻮﻣﯿﺔ اﻷردﻧﯿﺔ ﻻ ﯾﺰال ﻓﻲ ﺣﺪوده اﻟﺪﻧﯿﺎ، وهو الأدنى بين وسائل الإعلام العربية.

 

وخلال فترة 20 شهراً منذ بدء الرصد، وصل خطاب الكراهية مراحل خطيرة في إثارة الصراعات وتصنيع المواقف والتأثير على الرأي العام، وقدم مؤشرات واضحة في قضايا تمس الأبعاد الثقافية والدينية في المجتمع الأردني سواء في التعبيرات المرتبطة بالقيم الثقافية أوالسياسية، أو الأبعاد الدينية والطائفية المباشرة، والتي وصلت إلى ذروتها في تداعيات اغتيال الكاتب ناهض حتر التي تُعَد أول جريمة خطاب كراهية ترتكب بتحريض الإعلام الرقمي وعلى خلفيات دينية – ثقافية.

 

حدث ذلك خلال ثلاثة أشهر تقريبا في ظاهرة تنامت بسرعة وما تزال تتنامى، بينما تكاد تنحصر في الفضاء الافتراضي على وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) وتطبيقات ومنصات الإعلام الرقمي والاجتماعي والمواقع الإخبارية الإلكترونية.

 

رصد “أكيد” خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة مجموعة من القضايا التي ساهمت في تنامي الكراهية وتفاقم بروز التعبيرات الدالة عليها وأبرزها:

·  توقيف الأكاديمي والداعية الإسلامي الدكتور أمجد قورشة  في 14 حزيران / 2016على خلفية منشورات على الشبكات الاجتماعية (اليوتيوب)، وصفت بأنها تدعو إلى التطرف، حيث صحب هذه الحادثة نقاشات واسعة على الشبكات ذاتها انطوت على أنماط مختلفة من الكراهية والتحريض المتبادل.

·  وفاة عازف الجيتار الأردني الشاب شادي أبو جابرفي حادث سير. وفي هذه القضية، لاحظ الرصد أن جانباً من النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي، انصب بشكل إيجابي على خسارة موهبة أردنية شابة في مجال الفن والموسيقى، ولكن في المقابل فقد أثارت فئات أخرى نقاشاً دار حول جواز الترحم على الشاب بسبب ديانته (المسيحية)، وهو ما كان الشرارة التي أشعلت خطاب كراهية واضح.

·   قضية الكاتب ناهض حتر على خلفية مشاركته منشورا على الفيسبوك اعتبر أنه يحمل إساءة للذات الإلهية، ما دفع إلى توقيفه ثم خروجه من السجن وانتهت باغتياله، وما صاحب هذه القضية طوال نحو 25 يوما منذ 12 /اب إلى 24 / ايلول / 2016 من تعبئة للكراهية وتجييش ضده شخصيا على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية الإخبارية والإذاعات.

· خبر عن قيام مجموعة طلال أبو غزاله بتحريم الجلباب على الموظفات. الذي أوضحت المجموعة موقفها منه، ولكن في الأثناء كانت ماكنة الكراهية قد تحركت.

·  خبر عن إعلان يشترط الديانة المسيحية لإشغال وظيفة مترجم يتقن اللغة الكورية، وهو ما تبين أنه لم يكن دقيقاً وخاصة لجهة نَسْبه إلى السفارة الكورية.

·         قضية تعديلات المناهج الدراسية وما تبعها من نقاشات انطوت على تراشق بالكراهية، وبرز فيه استهداف الكاتبة زليخة ابو ريشة على خلفية مقال نشرته في صحيفة ” الغد ” اليومية.

· العنف الذي رافق مباراة في كرة القدم بين فريقي الوحدات والرمثا في إحدى البطولات المحلية مطلع الشهر ايلول 2016 .

· الخطاب التحريضي الذي شهدته بعض الحملات الانتخابية في انتخابات المجلس النيابي الثامن عشر .

·   قضية الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي زين كرزون.

 

وعلى الرغم من صعوبة رصد المحتوى الإعلامي الذي يدعو للكراهية، وفق التعريفات العلمية، على مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا على المواقع الإخبارية، فقد رصد “أكيد ” نحو 311 مادة تحتوي على محتوى كراهية وتحريض على 26 موقعا الكترونيا مسجلا رسميا، في قضية الكاتب ناهض حتر منذ حادثة نشر الرسم الكاريكاتوري إلى تاريخ 25 / أيلول / 2016  تشتمل الكراهية والكراهية المضادة، وانطوت على مختلف أنماط التعبيرات التي تندرج تحت خطاب الكراهية مثل التحريض والتصنيف والوصم والتنميط والذم والقدح والشتم والتشهير والتمييز.

 

وفي قضية تداعيات وفاة الشاب شادي أبو جابر  فقد قام “اكيد” سابقا وفي 4/ اب / 2016 بتتبع 22 (بوست) نشرت من قبل 19 حسابا خلال الفترة من 29 تموز إلى 3 آب وشهدت نحو 7800 تعليقا، كانت معظم هذه التفاعلات الالكترونية وبنسبة في حدود 90% إيجابية، وتترحم على الفقيد وتتفق مع القيم الإنسانية والوطنية المشتركة. ولكن سرعان ما تم حرف النقاش في الموجة الثانية من قبل أقلية من الناشطين الأمر الذي دفع بهجوم معاكس من التعليقات.

 

الإعلام الجديد “يشيطن” المجتمع

 

يبدو أن التحولات التي شهدتها التعبيرات التي  أنتجها المجتمع الأردني خلال هذه الفترة المحدودة ترتبط بشكل مباشر وغير مباشر بأداء وسائل الإعلام وتحديدا الرقمية، وما تتيحه هذه الوسائل من إمكانيات هائلة للتوظيف الساسي والأيديولوجي، ما يقود إلى ازدياد حدة النقاشات على هذه الصفحات كلما وقع حدث ما؛ وتصنيفه وربطه بسياق ذي صلة بمحددات الكراهية والتحريض، حتى بات هذا الخطاب ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني والسلم الأهلي، وتهدد مجتمع التسامح الذي حافظ عليه الناس عقودا طويلة، لتتغذى من خطاب إقصائي يبث الفوضى ويقوض قيم التسامح والتعددية والعيش المشترك.

 

كيف يعمل هذا الخطاب على شيطنة المجتمع؟ وهل بالفعل ما تم تداوله يعكس واقع المجتمع؟ وهل  ينطوي المجتمع تناقضات وصراعات حول القيم والمبادئ كما يبدو في الواقع الافتراضي؟ وما  دور وسائل الإعلام في الدفع بهذه التحولات؟

إن مرصد “أكيد ” وفي إطار رصده وتحليله لهذه الظاهرة يحاول تتبع الظواهر المرتبطة بأداء وسائل الإعلام، وفي إطار ثلاث حلقات هي: الوسيلة والرسالة والجمهور. أما الأمور المرتبطة بتحولات المجتمع فهي خارج إطار عمل المرصد واختصاصه، وفي هذا الإطار تم رصد الظواهر التالية:

·  استمرار ظاهرة الأقلية الصارخة التي تتحول إلى أقلية قائدة ذات تأثير قوي، وحينما يصل الخطاب إلى ذروته، تتراجع قوة خطاب هذه الأقلية، حيث يتسع نطاق المشاركة وحجم وأعداد الفاعلين، وهذه الأقلية ترتبط بمعظم الأحداث ذات الصلة بخطاب كراهية بعدد قليل من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بعض المواقع الإخبارية التي تبنت مواقف محددة حيال الحدث. وهي التي تقود إلى خلق ظاهرة الاتجاه السائد في الرأي العام، وقد ذهب الرصد إلى تمثل هذه الظاهرة في معظم قضايا خطاب الكراهية في الاشهر القليلة الماضية.

·   ظاهرة الخوف من الاتجاه السائد، لقد تنبهت الباحثة الالمانية اليزبيث نويل- نيومان منذ منتصف السبعينيات إلى ظاهرة في علاقة الجمهور بوسائل الإعلام وأطلقت عليها “دوامة الصمت”. الافتراض الرئيسي فحواه “أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، فإن معظم الأفراد سوف يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه هذه الوسائل، “أما” الأفراد المعارضين فإنهم يتخذون موقف الصمت، إما خوفا من العزلة الاجتماعية، أو تجنبا للاضطهاد والصراعات الاجتماعية، بالتالي إذا كانوا مؤمنين بآراء مخالفة لما تقدمه وسائل الإعلام فإنهم يكبتون تلك الآراء ويميلون إلى عدم التعبير عنها”.

لقد برزت ظاهرة الخوف من الاتجاه السائد في بعض قضايا خطاب الكراهية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة وتحديدا في قضية الكاتب ناهض حتر، وفي قضية تعديل المناهج ، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن اقلية من نوع آخر لم تكن معروفة حينما صاغت نومان نظريتها في السبعينيات هي “الأقلية الصارخة”، التي باستطاعتها أن تصنع الرأي العام على وسائل الإعلام الرقمي والاجتماعي، وعلى الرغم من بعض الأبحاث تذهب إلى اتجاهات أخرى حينما طبقت هذه النظرية على الإعلام الاجتماعي الجديد، ولكن أبحاثا أخرى ذهبت إلى وسائل الإعلام الاجتماعي قد تخضع إلى توجيه منظم وغير منظم يعمل على جعل الأقلية أغلبية.

 

التأطير نحو التحريض والكراهية: يعد التأطير أحد الأساليب الأكثر تعقيدا وتركيبا في الدعاية السياسية والثقافية، واتسمت خطابات الكراهية والتحريض في الأشهر الثلاثة الأخيرة بحضور معظم هذه الأطر التي عادة تعمل على نقل الاتجاه إلى اتجاه عام وسائد ويعمل على زيادة مستوى القلق في المجتمع ويدفعه من خلال قوة الإيحاء إلى تحويل الاتجاه إلى سلوك.

 

لقد رصد “أكيد” تطور خطاب الكراهية على وسائل الإعلام وتحديدا الإعلام الاجتماعي والإعلام الرقمي التي تبعت توقيف الكاتب ناهض حتر حتى وقوع جريمة الاغتيال، ونظرا لصدور قرار منع النشر على اعتبار أن القضية أصبحت منظورة أمام القضاء، فإن معالجتنا هنا ستراعي ذلك ولن تنشر الروابط الدالة.

 

لاحظ المرصد وجود صنفين من التغطيات الخاصة بهذه القضية خلال مرحلتي تطورها (السجن ثم الاغتيال). فقد لاحظ المرصد أن تغطيات المواقع الألكترونية المرخصة كانت أكثر حذرا وحساسية مع المرحلة الثانية بعد الاغتيال، وتوقفت عن نقل ما يدور في التواصل الاجتماعي باعتبارها مصادر أخبار وتقارير، بينما في المرحلة الأولى نشر في المواقع الكثير من المواد التي صنفت ضمن خطاب الكراهية.

 

1

وبالطبع لا يقصد بخطاب الكراهية تلك المواد التي تناولت بالنقد بما فيه النقد الجارح الموجه للكاتب نفسه، فهذا قد يندرج في خانة القدح والذم، لكن خطاب الكراهية تجلى في تصنيف الكاتب ومواقفه والتعامل معه ومعها باعتبارهما مجموعة أو هوية تارة دينية وتارة سياسية/ ثقافية. مثل التركيز على ديانته المسيحية أو مواقفه العلمانية بعد إعادة تعريفها كهوية لفئة معينة. مع ملاحظة وجود شكل من التكامل بين الهجوم الشخصي والتصنيف.

 

وأبرز هذه الأطر كما تم رصدها في قضية الكاتب ناهض حتر في المواقع الإخبارية وعددها 26 موقعا:

أ – إطار التصنيف والوصم، ولقد برز هذا الإطار مع بدايات تغطية الحدث، والذي بدأ بالوصف من خلال مجموعة من الأوصاف التي تحولت إلى تصنيف من قبل طرفي النقاش ثم أخذ هذا الإطار يميل إلى تحويل الوصف والتصنيف إلى وصم، وسيطر هذا الإطار على أغلب التغطيات إذ شملت أكثر 69 % من المواد المرصودة.

 

ب- إطار الشتم والسباب: لقد انتشر إطار الشتم والسباب على منشورات وسائل الإعلام الاجتماعي أكثر من المحتوى المنشور على المواقع الإخبارية حيث وصلت إلى نحو 18 % من المواد التي شملت سبابا مباشرا أو غير مباشر.

 

ج- إطار التحريض والايحاء: استخدم إطار التحريض بمستويات متعددة  في نحو 40 % من المواد التي تناولت قضية ناهض حتر واستخدمت التغطيات المحرضة، حيث استخدمت العديد من الأساليب المباشرة وغير المباشرة، منها الانتقائية والوصف والدعوة المباشرة إلى التحريض.

 

2

د- إطار تصعيد الصراع: في المجمل مالت  معظم التغطية نحو تصعيد الصراع بشكل مباشر وغير مباشر بنحو 80 % من المحتوى الذي رصد خلال هذه الفترة، ويعود ذلك إلى طبيعة موضوع التغطية واتجاهات الوسائل.

 

 

·         المركب الثقافي – السياسي: أظهرت خطابات التحريض والكراهية المرصودة خلال هذه الفترة حضور مركب ( ثقافي – سياسي ) بشكل مهيمن في الجمع بين الموقف الديني الثقافي والموقف السياسي المصلحي .

 

أمثلة أخرى

 

وقد شهدت التغطيات الإعلامية خلال الشهور الثلاثة الماضية قضايا أخرى تخللها خطاب كراهية غير القضايا الكبيرة التي وصمت بالطابع الديني المباشر، منها ما نُشر خلال الحملات الدعائية الانتخابية، حيث شهدت التغطيات بعض التصنيفات ذات الطبيعة الفئوية أو الثقافية. فعلى سبيل المثال، بينما كانت الدائرة الانتخابية الثالثة في عمان تشهد نقاشاً عالياً وحاداً (لكنه طبيعي ويحصل في كل الحملات الانتخابية) بين قائمتين هما “الإصلاح/ الإسلاميين” و”معاً/ الدولة المدنية”، ذهبت نقاشات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام إلى تصنيف الفريقين إلى جماعات توصم كل منها بأوصاف تتضمن إساءات وتنميط سلبي، وتحولت المفردات والمفاهيم المستخدمة في النقاش، مثل علمانية وليبرالية وإسلامية وغيرها، إلى توصيفات تطال السلوك الاجتماعي والجوانب الأخلاقية للفئة المستهدفة.

 

وفي الأثناء، وكمثال آخر، تخلل الجدالَ الذي أثير حول المناهج المدرسية وتعديلها، وهو في الأصل يفترض أن يكون جدالا مشروعا وصحيا، إلى خطاب يحوّل أطراف النقاش إلى”جماعات” لا تختلف حول المناهج فقط، بل تختلف في الدين والعادات والتقاليد، وتبادل الفريقان شتائم جماعية، كالانحلال الأخلاقي والأسري من جهة أو التخلف والجهل والإنغلاق من الجهة المقابلة.

وفي أمثلة أخرى، انتشرت موجات من خطاب الكراهية حول قضايا تخص بعض الشخصيات مثل الدكتور أمجد قورشة الذي أوقف في السجن، وحول الكاتبة زليخة أبو ريشة التي كتبت في قضايا خلافية، وانقسم المؤيدون والمعارضون إلى فرق تتبادل الأوصاف الجماعية.

 

ضجيج الكراهية المنظم

 

تتيح وسائل التواصل الاجتماعي نشر مواد على شكل خليط من الأفكار في الحالة الواحدة، وخاصة من خلال تقنية الوسوم “الهاشتاغ”، إذ يربط واضع الهاشتاغ بين عدد من الكلمات المختارة بعناية، وتربطك كل كلمة بشبكة من المواضيع، وفي العادة يسعى الناشطون أو الكيانات المهتمة إلى ايجاد هذه الوسوم ومتابعتها حتى تصبح مثل كرة الثلج .

 

وعلى سبيل المثال تم رصد ابرز 15 هاشتاغ ساهمت في تأجيج خطابات الكراهية خلال الفترة من شهر حزيران إلى نهاية ايلول وهي :

#زليخة_ابو_ريشة

#أمجد_قورشة

#شادي_ابو_جابر

#ناهق_حتر

#ناهض_حتر

#بتول_حداد

#نعم_لمحاكمة_حتر

#متى_يتحرك_المصلون_والحجاج_والمعتمرون_والصائمون

#إن_لم_يتحركوا_الآن؟!!

#ابحث_مع_الشرطة  فار من وجه العدالة

#ناهق_حتر

#أنا_وحداتي_مقاطع_للمدرجات

#إلاالله سبحانه وتعإلى عما تصفون يا حتر وامثالك مدّعي احترام و تقبل فكر الآخر!

#العلمانيةوأيتامها

#حتر يمثل العلمانيين واليساريين الملحدين

#ناهض_حتر ضحية التطرف الديني

 

تستخدم في التغريدات  كلمات تحريضية على نحو: #زليخة_ابو_ريشة تهاجم احد شعائر #المسلمين كاتبة في #جريدة_الغد #علمانية #ظلامية #عنصرية #عرب #الاردن #رويا

 

أو التغريدات التالية: #شادي_ابو_جابر توفى! اترحم او لا؟كان بعزف بلاش اترحم! #سعيد_العمرو استشهد في #القدس! مش سامع الا سؤال عن #زين_كرزون  #فلسطين #الاردن #اصحوا

 

إن الجمل (أعلاه) هي خليط من الكلمات التي توضع بشكل استفزازي إلى جانب بعضها البعض، وتترك المتصفح السريع لخياله.

وقد لوحظ على سبيل المثال أنه -حتى- الانتماءات السياسية تحولت في النقاش المفتوح على التواصل الاجتماعي، إلى هويات ذات بعد ثقافي، واليوم تكاد مفاهيم مثل الليبرالي او العلماني والإسلامي واليساري تتحول من عناوين سياسية مشروعة تحمل دلالات التنوع الإيجابي، إلى هويات متصارعة أخلاقيا واجتماعياً وثقافياً.

 

وقد خدمت آليات النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي كحواضن مناسبة جماعية تستخدم الرموز والإشارات والشعارات للتمييز وتضع الشروط أمام الآخرين وتصنفهم.

 

وهناك ملاحظة بارزة في العلاقة بين المواقع الإخبارية الإلكترونية المسجلة والمرخصة وبين التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع، ومنذ أن تقرر أن يشمل قانون المطبوعات في مواده وأحكامه، كافة التعليقات التي يكتبها القراء في الأماكن المخصصة لذلك واعتبرها القانون جزءا من مسؤولية الموقع، لجأت المواقع إلى إلغاء زاوية التعليقات على الموقع نفسه أو تقليص الاعتناء بها، ونقل النقاش إلى صفحات التواصل عبر مشاركة المادة ذاتها من الموقع إلى الصفحة الخاصة بالموقع والتي تحمل اسمه.

 

واليوم حتى مع ملاحظة أن كثيرا من المواقع الالكترونية أخذت تتحفظ او تراعي حساسية بعض القضايا، إلا أن الصفحات الخاصة بها على التواصل الاجتماعي فتحت على أقصاها، حيث يتحرر الموقع من مسؤوليته على رقابة التعليقات، وقد انتقل الجمهور إلى هناك بخطاب يمارسه بحرية مطلقة.

 

خطاب الكراهية في الاطار القانوني الأردني

 

يعد مفهوم “خطاب الكراهية” جديداً نسبياً، ولهذا فهو لغاية هذه اللحظة لم يعرّف بشكل واضح وموحد، وفي الأردن لم يستخدم المفهوم مباشرة في نصوص قانونية، إلا أن مجموعة من الوثائق الدولية ذات العلاقة صادق عليها الأردن رسميا والتزم بها، كالإعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال العنصرية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

 

لم يستخدم التشريع الأردني كلمة الكراهية، لكن هناك العديد من القوانين التي تضمنت معانيها ودلالاتها، كقانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات، وهناك إشارات لجريمة التحرض على التطرف والفتنة الطائفية، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية والتحريض على النزاع والتفرقة بين الطوائف والأعراق وإهانة الشعور الديني..

 

غير أنه لا توجد نصوص تأخذ بالاعتبار المتغيرات الجديدة، وبقيت التشريعات تعالج مسألة الكراهية في سياق العلاقات الفردية، بينما أخذ خطاب الكراهية ينمو باعتباره قائماً بين جماعات تصنف بعضها البعض في تراتبات، وتحاسب الأفراد على انتماءاتهم، بل أخذت تخلق هويات جديدة للآخرين مبنية على عناصر ثقافية فرعية أو مصنوعة أحياناً.

 

خلاصة المؤشرات عامة

 

يكتفي المرصد هنا بنشر بعض المؤشرات العامة التي تدل على سرعة وحجم التحولات التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي  فيما يتصل بصناعة وترويج الكراهية:

اولا: تنامي حجم المنشورات المحرضة والانتقائية على شبكات التواصل الاجتماعي التي تجاوزت أحيانا  ظاهرة “الاقلية الصارخة” ودخلت في سياق الحملات المنظمة.

 

ثانيا: دخلت وسائل الإعلام الرقمي وبعض المواقع الالكترونية على خط التحريض ونشر الكراهية، التي قلبت المعادلة التقليدية واخذت تغذي موادها التحريضية من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي .

 

 

30

ثالثا: ازدياد التراكم الكمي لحجم التحريض الحاد الذي تحول كيفيا إلى أداة لخلق الاستقطاب والانقسام الاجتماعي على الهويات الدينية والمواقف الثقافية والسياسية.

 

رابعا: ضعف الرقابة واستخدام القانون في مواجهة الاستقطاب ونشر الكراهية، وسط حالة من التفعيل الانتقائي في تطبيق القانون.

 

خامسا: قاد تفاقم ضخ الإعلام الاجتماعي والرقمي للكراهية والاستقطاب إلى  تحول التحريض إلى مواقف واتجاهات ترجمت في سلوك اجرامي أي في فعل على الأرض.

 

سادسا : ان استمرار تراكم خطابات الكراهية تقود إلى شيطنة المجتمع وبناء وقائع قد لا تتفق مع واقع المجتمع الأردني، وما يتمتع به من تعددية وعيش مشترك وما قد يلحق ضرر لا يعوض بالتراث الروحي  الغني لمكونات المجتمع وبأنماط الحياة الثقافية السائدة.

 

أضف تعليقك