كفيفة تُدخل الخيط في الإبرة لتصنع تحفا تسر الناظرين

كفيفة تُدخل الخيط في الإبرة لتصنع تحفا تسر الناظرين
الرابط المختصر

ادخلت الكفيفة حنان عبدالمنان (41 عاما) الخيط في الابرة مستعينة بشفتيها ولسانها، وبمهارة يعجز عنها الكثير من المبصرين، ثم استأنفت عملها على السلة القديمة التي لم تلبث ان تحولت بين يديها الى تحفة فنية.

في بيتها المتواضع في احد احياء الزرقاء حيث تقيم مع ابنها ووالدها المسن، تمضي حنان معظم وقتها في صنع قطع فنية من الادوات المنزلية العتيقة، وبحرفية يخال المرء معها للوهلة الاولى انها مبصرة.

لكن الحقيقة لا تلبث أن تتبدى مع مشهد يديها وهما تعملان على لف ولصق الخيش حول السلال، فيما هي تشيح بوجهها الى ناحية بعيدة في الغرفة.

فقدت هذه المرأة بصرها في مرحلة مبكرة من عمرها، وهو ما حال دون اتمامها تعليمها وبالتالي امكان حصولها على وظيفة، لكنها لم تستسلم لليأس، فاتجهت الى تعلم الحرف والاشغال اليدوية كبديل لتوفير لقمة العيش لها ولابنها الوحيد.

وتروي حنان قصة رحلتها ما بين النور والظلمة قائلة انها بدأت تفقد قدرتها على الإبصار أول الأمر في عينها اليسرى اثر تلقيها ضربة على مؤخرة رأسها وعن غير قصد من احدى المعلمات حين كانت في المرحلة الاعدادية.

وتضيف انها كانت تعاني في الاصل من انزلاق في عدسة تلك العين، وجاءت الضربة لتزيد من تدهور وضعها، و بدأت تفقد سريعا قدرتها على الابصار بها، ولم تكد تمر ثلاث سنوات حتى انطفأت تماما.

كانت وقتها في الحادية عشرة من عمرها، ورغم ذلك استأنفت حياتها وصممت على متابعة دراستها بعين واحدة.

تقول ان عينها اليمني لم تكن هي الأخرى سليمة تماما، حيث انها كانت مصابة "بالجلوكوما" (الماء الزرقاء)، وهو ما جعلها تحرص على الحفاظ عليها، فخضعت لعدة عمليات حتى لا تفقدها هي الاخرى.

ورغم اجتهادها من اجل اكمال دراستها، الا ان وضعها الصحي تغلب عليها، ومنعها من اجتياز المرحلة الثانوية، وشاء الله ان تتزوج بعد ذلك من رجل مصري الجنسية، فسافرت معه الى بلاده، وانجبت منه ولدها الذي يبلغ الان الرابعة عشرة من العمر.

وتقول حنان انها ذاقت الأمرين خلال إقامتها في مصر، حيث تعرضت لشتى صنوف الاذلال والاهانة على يد حماتها. وحتى تضع حدا لكل ذلك قررت العودة الى الاردن مع ابنها، مضحية بكل ما قدمته لزوجها من أموال ومصاغ من اجل بناء بيت لهم هناك في مصر.

ولم يمض وقت طويل على عودتها الى المملكة حتى كانت تفاجأ بفقد قدرتها على الابصار في عينها الثانية.

وتقول حنان انها استيقظت من النوم في احد الايام لكن الظلام ظل مسيطرا، ففتحت عينيها واغلقتهما عدة مرات، لكن الحال ظل على ما هو عليه..ومن حينها لم تبصر شيئا.

 وحين مراجعتها للطبيب ابلغها ان إهمال علاج العين اليمني نتج عنه تشكل كيس دموي أدى إلى ضمور العصب..وبمعنى اخر، فقدت حنان اي امل في عودة النور الى حياتها.

لكن حنان لم تفقد عزيمتها، فقررت الالتحاق باحد مراكز المكفوفين حيث تعلمت فنون الاشغال اليدوية، وبخاصة صنع القطع الفنية من الأدوات المنزلية القديمة التي يكون مصيرها عادة في الحاويات.

وتقول بنبرة واثقة “كان لدي هدف وهو أن أثبت أن كف البصر ليس عائقا، وأن الكفيف ليس صفرا على الشمال ولا عنصرا مهمشا، بل شخص لديه القوة والارادة..ومن هنا بدأت مشواري”.

الا أن حنان تقر بان دربها ليس مفروشا بالورود، حيث تعاني من نظرة المجتمع السلبية اليها باعتبارها كفيفة ومطلقة.

وتقول “المطلقة في مجتمعنا عليها علامة استفهام كبيرة …تبقى نظرة المجتمع لها -مش كويسة- ما يجعل خروجها من البيت امرا صعبا”.

وكما تخبرنا، فان ما تكسبه من بيع القطع التي تنتجها ليس بالمبلغ الكبير، لكنه يسهم مع المعونة المتواضعة التي تتلقاها من التنمية الاجتماعية في توفير اساسيات الحياة لها ولوالدها وابنها.

وتتقاضى حنان معونة شهرية قدرها ستون دينارا من التنمية، لكن ابنها غير مشمول بها على اعتبار انه لا يحمل الجنسية وليس لديه رقم وطني بحكم ان اباه غير اردني.

ومع اقرار الحكومة منح حقوق مدنية لابناء الاردنيات من ازواج غير اردنيين، فان حنان تعبر عن سعادة غامرة، حيث ان القرار سيجعله مشمولا بالمعونة، كما سيزيح عن قلبها شبح الخوف الدائم من تعرضه الى التسفير حين يتجاوز سن الثامنة عشرة.

وكل ما تتمناه هذه المراة الان هو العيش في بيت مستقل مع ابنها، وأن يكون لها دخل ثابت يغنيها عن راتب التنمية لأنها لا تضمن المستقبل كما تقول.

أضف تعليقك