عندما يذهب الإعلام إلى الحرب

عندما يذهب الإعلام إلى الحرب
الرابط المختصر

في 25 آذار أعلنت السعودية أنها بدأت عمليات عسكرية في اليمن بشن ضربات جوية بالتنسيق مع تحالف يضم عشر دول بهدف التصدي للمقاتلين الحوثيين. وأطلقت السعودية على حربها هذه تسمية "عاصفة الحزم".

وقد أعلن الاردن عن مشاركته "عسكرياً" في هذا التحالف الجديد، بسرعة ووضوح، اذ نقلت وكالة الانباء "بترا" الخميس 26 اذار، تصريحا مقتضبا جدا لـ"مصدر مسؤول" يعلن فيه :" مشاركة الأردن مع العديد من الدول العربية في "عملية الحزم" لدعم الشرعية في اليمن.".

وتناقلت وسائل الإعلام المحلية هذا التصريح، نصا، لكن بعضها نسبه لنفسه كما فعلت صحيفة "الغد" وموقع "عمون" و"العرب اليوم" مثلا، فيما نسبته صحف اخرى كـ"الرأي"، الى مصدره الأول، أي "بترا".

وستلقى مشاركة الاردن العسكرية هذه "دعما" غير مسبوق من الاعلام، الذي سيبدو وكأنه "ذهب الى الحرب". اذ سيظهر رصد التغطية الاعلامية، للصحف والمواقع الرئيسية، لـ"عاصفة الحزم"، من 25 اذار الى الاول من نيسان، الملاحظات التالية:

اولا: استناد التغطية الاعلامية على الرواية الرسمية فقط، وتغييب الرأي الاخر.

فقد اقتصرت التغطية على التصريحات الاردنية الرسمية فقط، ونقلتها كما هي دون متابعة. وكذلك الحال مع تصريحات الناطق الرسمي السعودي لعملية الحزم، وغالبا مع تغييب التصريحات الصادرة عن "الحوثيين" او الجهات المستقلة. وقد استندت التغطية على وكالات الانباء العربية والعالمية او على وكالة "بترا" فقط.

وكذلك الحال مع الاصوات المؤيدة للتدخل العسكري في الاردن، فقد ركزت وسائل الاعلام على هذه الاصوات، فقد اهتمت الصحف والمواقع، مثلا، ببيان "جماعة الاخوان المسلمين" المؤيد للحرب 26 اذار، ونشرته بعضها، على غير عادة، كاملا. وكذلك الحال مع بيانات احزاب اخرى دعمت الحرب، او بيان مجلس النواب 30 اذار، الذي اعلن فيه المجلس تأييده للمشاركة.

في المقابل تجاهلت التغطية الاصوات المعارضة تماما، يقول الكاتب ناهض حتر في مقال له بصحيفة "الاخبار" اللبنانية، 28 اذار :" في بيان صدر عن "المجلس الأردني للشؤون الخارجية"، ووقّعه ممثلو قوى الحركة الوطنية، جاء فيه إدانة شديدة "للعدوان السعودي على الشعب اليمني الشقيق"، ورفض تام للمشاركة في هذا العدوان الذي "يسيء إلى مصالح الأردن الاستراتيجية، ويهدر كرامة الأردنيين". موقع الكتروني واحد نشر هذا البيان؛ فالأردن يعيش حالة واقعية من الأحكام العرفية؛ كل الأصوات المعارضة أو المعترضة على السياسات الرسمية الخارجية، لا مكان لها في وسائل الإعلام المحلية، بما فيها المواقع الإخبارية الالكترونية التي تحظى بشعبية، وتكسر، عادة، حاجز الصمت، ولكن الإعلاميين باتوا يتوخّون تلافي المثول أمام المحاكم.".

ثانيا: هذه التغطية الاحادية، الداعمة للحرب، سحبت نفسها ايضا على مقالات كتاب الاعمدة الذين "أجمعوا" على دعم المشاركة.

فمن بين 85 مقالة تم رصدها في صحف الرأي، الغد، الدستور، العرب اليوم، عمون، عمان نت والسبيل، امكن رصد مقالين فقط "معارضين" للحرب : مقال لموفق محادين في "العرب اليوم"، 30 اذار، بعنوان: الارتدادات المتوقعة للغارات السعودية، ومقال لمحمود منير على موقع "عمان نت" 29 اذار، بعنوان : حربنا العبثية في اليمن.

ثالثا: تجاهلت التغطية،الى حد كبير، الجانب الانساني، او تأثير الحرب على المدنيين في اليمن وعلى حياتهم اليومية.

في 30 اذار اعلنت منظمة الهجرة الدولية ومصادر يمنية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء قصف جوي استهدف مخيم "المزرق" في محافظة "حجة"، شمال غرب اليمن. واتهمت هذه المصادر تحالف "عاصفة الحزم" بقصف المخيم.

وفي 31 اذار اعلنت مصادر يمنية عن سقوط اكثر من عشرين قتيلا جراء قصف جوي لمصنع البان في مدينة الحديدة، واتهمت المصادر التحالف بقصف المصنع الذي كان المدنيين يستخدمونه كملجأ، بحسب بي بي سي 30 اذار.

وفي 31 اذار اعرب المفوض السامي لحقوق الانسان الامير زيد بن رعد عن "صدمته" من قصف مخيم "المرزق".

هاتان الحادثتان تعتبران الابرز، حتى الان، على تأثير القصف الجوي على المدنيين، لكن كيف تعاملت وسائل الاعلام المحلية معها.

صحيفة "الدستور" تجاهلت تماما اخبار قصف المخيم ومصنع الالبان، ورد فعل الامير زيد بن رعد.

صحيفة "الرأي" اوردت، 31 اذار، خبر قصف المخيم في سطرين فقط ضمن تقرير مطول عن مجريات عمليات "العاصفة"، وتجاهلت قصف مصنع الالبان تماما. فيما تجاهلت ردود الفعل على القصف تماما، على الرغم من ان رد فعل الامير زيد بن رعد وزعته وكالة الانباء بترا في خبر مطول.

أوردت صحيفة "الغد" خير قصف المخيم، ورد فعل الامير زيد، فيما تجاهلت خبر قصف موقع الالبان.

صحيفة "العرب اليوم" اوردت خبر رد فعل الامير زيد، فيما تجاهلت خبر قصف المخيم والمصنع.

صحيفة "السبيل" اوردت الاخبار الثلاث، لكنها ابرزت الاتهامات التي وجهتها "صنعاء" للحوثيين في التسبب بقصف المخيم.

فيما نقل موقعي "عمون" وخبرني" خبر رد فعل المفوض السامي لحقوق الانسان عن وكالة بترا.

رغم ان كتاب المقالات تناولوا في مقالاتهم مختلف جوانب الحرب، وحللوا أبعاد مشاركة الاردن فيها، الا ان أي منهم لم يتناول تأثيرها على الانسان اليمني.

يقول الكاتب نضال منصور، في الغد، 29 اذار، في مقال بعنوان : ما بعد عاصفة الحزم : لن أرفع صوتي مؤيداً للحرب في اليمن لمواجهة التمدد الحوثي، لأن الحروب وقودها وضحاياها الناس". لكن منصور، كغيره من الكتاب يذهب في تحليل الحرب، كما فعل بقية الكتاب، متجاهلا هؤلاء الضحايا.

في المجمل فقد تجاهلت التغطية الجانب الانساني، في وقت بدأت في وكالات أنباء وصحف ومنظمات عالمية التحذير من خطورة الوضع الانساني في بلد يعاني نصف سكانه من الفقر المدقع ويحتاجون لمساعدات غذائية، بحسب منظمة الامم المتحدة.

رابعا:  اظهرت بعض الصحف والمواقع "تحيزا" واضحا، من حيث استخدام اللغة والتعابير، في تغطيتها للحدث اليمني، لصالح الحرب، مقابل تغطيتها لاحداث اخرى، خاصة في الجوانب الانسانية.

فصحيفة "الغد" في 30 اذار، مثلا، نقلت خبر قصف مخيم المزرق، كما ورد من وكالات الانباء، دون أي تغيير او استخدام أي "اوصاف"، في حين اعتبرت مقتل 11 عراقيا في محافظة تكريت، في اليوم نفسه، بمثابة "مجرزة" كما ورد في عنوان الخبر.

والحال هذا ينطبق على بقية وسائل الاعلام، ما دفع ببعض الكتاب والمحللين الى التساؤل او التشكيك بالانحيازات "المذهبية"، او بـ"حقيقة الحرب بوصفها حربا مذهبية بين السنة والشعية"، كما فعل فهد الخيطان في "الغد" في مقاله :هذه هي حقيقة الحرب"، 29/3.

خامسا: لم تقدم التغطية أي معلومات او تفاصيل عن المشاركة الاردنية في "عاصفة الحزم".

في نفس اليوم، 26 اذار، الذي نقلت فيه وسائل الاعلام المحلية اعلان "مصدر مسؤول" عن مشاركة الاردن في "العاصفة" لدعم "الشرعية في اليمن"، كما هو، دون ان تسأل "المصدر" عن حجم هذه المشاركة، او أي تفاصيل اخرى، كانت قناة "العربية" قد نشرت تقريرا مطولا عن المشاركة الاردنية، تحدثت فيه ان مشاركة الاردن بتسع مقاتلات.

وحتى اليوم، الحادي عشر، لبدء عملية "عاصفة الحزم" لا يعرف المواطن الاردني حجم مشاركة بلاده في هذه الحرب.

اجمالا قاربت التغطية الاعلامية للحرب الـ"البروباغندا"، وأظهرتها كأنها حربا لأجل الدفاع ان المصالح الحيوية للشعب الاردني.

واللافت ان المشاركة الاردنية في هذه الحرب وجدت دعما، وصل حد "التهليل" لها من قبل الاعلام، خلافا للحرب او للمشاركة في التحالف ضد تنظيم "داعش" التي، لا تزال رغم "التعبئة" الاعلامية ضد هذا التنظيم المتطرف مثار جدل وتنوع في الاعلام والشارع.

يقول الكاتب السعودي،داود الشريان، في مقال له بصحيفة "الحياة" اللندنية، 2 نيسان : الأكيد أن الحماسة المنفلتة التي نراها اليوم في الإعلام، منهج خاطئ في أحسن الأحوال، وخطر في أسوئها. لا بد من لجم الحس المذهبي، وإبعاد المؤدلجين عن إعلام «عاصفة الحزم».".

فهل كانت التغطية الاعلامية المحلية "المتحمسة" للعاصفة مؤدلجة مذهبيا، كما يرى البعض، ومنهم الشريان، ام انها نتيجة "حالة واقعية لاحكام عرفية" وقمع حريات، كما يرى ناهض حتر؟.

 

أضف تعليقك