عمّان وطهران.. وانعكاسات رفع العقوبات
مع تسارع الأحداث الإقليمية، والتفاهمات الدولية بين مختلف الفرقاء، التي كان آخرها رفع العقوبات الدولية عن طهران بناء على اتفاقها النووي، ثارت تحليلات كتاب الرأي في الصحف اليومية حول العلاقات الأردنية الإيرانية، ومدى انعكاس دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ على المنطقة.
يستعرض الكاتب ماهر أبو طير، مسيرة التوترات التي شابت العلاقة بين عمّان وطهران طوال العقود الماضية، منذ قيام الثورة الإيرانية، ووقوف الأردن مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد إيران، وصولا إلى ملف "السياحة الدينية" والعروض الإيرانية التي رفضتها المملكة.
ويوضح أبو طير أن الأردن، وبسبب علاقاته مع دول عربية كبيرة، من جهة، والعلاقات مع واشنطن، وحساسيات الجغرافيا والحدود التي تخص مجاورة الأردن للاحتلال الإسرائيلي، بقي حذرا جدا، في العلاقة مع إيران.
و"وسط هذه الأجواء تخرج دوما أصوات أردنية لتقول أن الأردن خاسر من موقفه من إيران، فهو يعادي طهران دون أن يستفيد ممن يضغطون عليه لمعاداة إيران، كما أن ذات الأصوات ترى أن الأردن عليه أن يقيم علاقات متوازنة مع الإيرانيين مثلما يوازن في علاقته مع الروس دون أن يخسر الأميركان"، يقول أبو طير.
إلا أن الرأي الأمني، بحسب الكاتب، يبقى على الأغلب المحدد للبوصلة في العلاقة مع طهران، لأن كل التجارب في لبنان وسورية والعراق واليمن، والسودان أيضا في وقت سابق، تقول إن هناك استحالة أن لا توظف إيران علاقاتها مع أي بلد لغايات التمدد السياسي وأشياء أخرى.
ويختتم أبو طير مقاله بالتساؤل "ماذا لو تغيرت البوصلة الدولية وصارت باتجاه إيران أكثر، سياسيا واقتصاديا، وما الذي سيفعله الأردن لحظتها، غير البحث عن مدخل لعلاقات جديدة مع إيران؟!".
أما الكاتب عمر كلاب، فيؤكد على ضرورة التعامل مع الملف الإيراني بسيادية ودون حساسيات الإقليم , فالدولة الأردنية تختلف مع إيران على ازدواجية موقفها من مرحلة الربيع العربي وتختلف معها على مصالحها الحيوية والقومية في ساحات شقيقة داعمة للأردن, أي أن الخلاف مع إيران ليس مذهبيا بل قائم على واقع سياسي متجذر منذ الحرب العراقية الإيرانية.
ويضيف كلاب أن نقطة الخلاف الأولى كانت تصدير الثورة والموقف المعادي للعراق، ولكن ذلك طواه الزمن وتغيرت المعادلة في العراق، وقبل الأردن الرسمي والشعبي المعادلة الجديدة، فعلاقتنا مع إيران يجب أن تكون محكومة بالمنهج السياسي الإيراني.
ويشير الكاتب إلى لقاء سابق بوزير السياحة حول ملف العروض الإيرانية للسياحة الدينية، حيث أكد أن الجنسية الإيرانية جنسية مقيدة، مع الترحيب بالسياح عبر أفواج سياحية تتقدم عبر الطرق الرسمية، إلا أنه لم ينفِ الهواجس الأمنية من السياح الإيرانيين الذين يمارسون طقوسا غير مألوفة في المجتمع الأردني.
ويلفت الكاتب إلى حاجة الأردن إلى دخل مالي بعد الانحسار الاقتصادي بفعل عوامل الإقليم، موضحا أن المملكة سمحت لأنماط سياحية دينية سواء من حجيج المغطس أو من أتباع طريق الالام, "فلماذا تضيق صدورنا بحجيج مراقد الصحابة من آل البيت ونحن الدولة الوحيدة التي لا تخشى التنوع المذهبي أو التنوع الديني".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "إيران دولة مجاورة، كما هو الأمر مع تركيا، ويجب أن ننسج علاقات طيبة مع الجيران وان نتصدى لأي محاولة تدخل من الجار أيضا, ونحن دولة تستطيع قبول السياح على اختلاف تلاوينهم المذهبية والسياسية بحكم امتلاكنا لمنظومة أمن متقدمة ومحترفة ونستطيع أن نضع ضوابط لأفواج السياح الإيرانيين".
طهران ما بعد الاتفاق:
يرى الكاتب عريب الرنتاوي، أن اتفاق إيران النووي، والذي حاولت إسرائيل وبعض العرب في ثني الغرب عنه، قد أصبح واحدة من حقائق المشهد الإقليمي والسياسة الدولية.
ويشير الرنتاوي إلى أن المخاوف من "إيران ما بعد الحصار"، عكستها البورصات الخليجية التي تهاوت بالأمس على وقع الأنباء عن رفع العقوبات عن طهران، إلا أنه انهيار مؤقت، سياسي أكثر مما هو مالي أو اقتصادي.
فيما لا يبدو أن المخاوف من تنامي دور إيران الإقليم مؤقتة، ولا يعتقد كثيرون، أنها ستتبدد في المدى المنظور، في ظل تفاقم حدة الاستقطاب المذهبي في المنطقة، والذي يخفي وراءه، صراع المصالح والأدوار في الإقليم، بحسب الرنتاوي.
ويشير الكاتب إلى أن "الاتفاق" سيمنح الطبقة الوسطى والشباب والنساء، فرصة لاستنشاق هواء جديد، وسيعزز إلى حد كبير، القواعد الاجتماعية للتيار الإصلاحي داخل الدولة الإيرانية.
فـ"اللعبة انتهت" بالنسبة لخصوم الاتفاق الإقليميين: إسرائيل وبعض الدول الخليجية "السعودية أساسا"، حيث بات الاتفاق وراء ظهورهم وليس أمامهم ليعملوا على تعطيله، وسيف العقوبات رُفع عن أعناق الإيرانيين.
ويلخص الكاتب ياسر زعاترة المشهد كالتالي: داخل شعبي إيراني ينتظر عوائد اتفاق النووي، مقابل تيار محافظ يريد عوائده لاستكمال مشروع التمدد الخارجي، لا سيما أنه يدرك أن فشل المشروع مع تحسن وضع الإصلاحيين في الداخل، إنما يعني إضعافهم تدريجيا وصولا إلى عزلهم، وربما تفجير انتفاضة شعبية ضدهم.
ويضيف زعاترة بأن المحافظين، ورغم ملامح فشل مشروع التوسع، فإنهم يبدون في مزاج رد إهانة أكثر من مزاج التراجع والذهاب نحو صفقة مع المحيط العربي والإسلامي، أو تركيا والعرب بتعبير أدق، وفي المقدمة السعودية.
أما على صعيد العلاقة مع الشيطان الأكبر، فـ"لا شك أن العلاقة ستدخل في طور جديد، لكن الثمن الذي ينبغي أن يُدفع في ظل حقيقة أن الشأن الشرق أوسطي محكوم لنفوذ اللوبي الصهيوني، هو تغيير في الخطاب وفي السلوك الإيراني حيال الكيان الصهيوني"، يقول زعاترة.