"عملية الكرك"..قصة أربعة أردنيين في رحلة التطرف

"عملية الكرك"..قصة أربعة أردنيين في رحلة التطرف
الرابط المختصر

لم تغب الروابط الأسرية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة، عن أعضاء خلية القلعة الأربعة، فجميعهم من سكان مدينة القصر وما حولها، في محافظة الكرك، الأخوان أبو رمان عاصم وحازم، والنسيبان محمد الخطيب ومحمد القراونة، جميعهم في أواخر العشرين من العمر، وبمستوى تعلمي متقارب، نصفهم يحمل الدرجة الجامعية الأولى، أو ترك الجامعة دون إكمال دراسته فيها، كما أن مستواهم الاقتصادي تحت المتوسط تقريباً.

 

حاول جميع أعضاء الخلية الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية للقتال في صفوفه بسوريا، إلا أنهم لم ينجحوا؛ بسبب القبض عليهم من الأجهزة الأمنية في المطار للأخوين أبو رمان، أو على قرب الحدود الفاصلة بين البلدين.

 

الأخوان أبو رمان، اللذان يسكنان في مسقط رأس والدتهما ساهية المجالي، لم يكونا متدينين كما الخطيب والقراونة، وسجلت بحقهما قضايا جنحوية في المحاكم الأردنية، مخلة بالأمانة والأخلاق العامة، ما يدل على تحولهم وعدم التزامهم الديني سابقاً.

 

تأثير الخطيب

 

محمد صالح الخطيب، يبلغ من العمر 29 عاماً، ومتزوج من شقيقة الرجل الثاني في القضية محمد يوسف القراونة.

 

لم يرتبط الخطيب والقراونة في علاقة مصاهرة فحسب، فقد كانا أصدقاء، يقول يعقوب القيسي نسيب القراونة: "حاولوا يروحوا على سوريا مع بعض"، قبل أن تقبض عليهما الأجهزة الأمنية في الأردن.

 

سجن الخطيب كما القراونة لمدة سنتين ونصف، بعد تخفيض محكمة أمن الدولة العقوبة للنصف بدلاً من خمس سنوات.

 

وفي عام 2014 وخلال قضائه مدة سجنه اتهم رجل أمن الخطيب، بكتابة عبارات على حائط زنزانته، "ما من شأنها إثارة النعرة الدينية والطائفية، إضافة إلى إطالة اللسان على مقام جلالة الملك" بحسب قرار محكمة استئناف عمان، إلا أن المحكمة براءته.

 

مصادر مقربة من عائلة الأخوين أبو رمان، تبين أن الخطيب هو من أثر على الشقيقين، بتبني أفكار "جهادية"، علاوة على ارتباطهما بعلاقة عائلية وصداقة مع أشخاص، التحقوا بالمقاتلين في سوريا، من عائلة المجالي.

 

ويبدو أن الخطيب نفسه تأثر بشقيقه معتصم الذي قاتل مع جبهة النصر بداية عام 2013، قبل أن يلتحق بتنظيم الدولة الإسلامية.

 

وكان لمعتصم نشاط إعلامي في صفوف التنظيم، مهمته رصد "الأخبار العالمية من خلال المحطات الفضائية، وشبكة الأنترنت، واستمر بهذا النشاط، لغاية أن قرر العودة إلى الأردن" أواخر عام 2013، بحسب قرار محكمة أمن الدولة.

 

وبين السجن والموت والحياة، تعيش أسرة الخطيب، فمعتصم  يمضي مدة محكوميته أسيراً لمدة خمس سنوات، ومحمد قُتل في عملية القلعة بعد مشاركته بها، وزوجته تضع طفلتها الأولى قبل العملية بثلاثة أيام.

 

اقتصاديات أعضاء الخلية

 

محمد القراونة (28 عاما)، حاصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة مؤتة قبل سبع سنوات، "تخرج وما اشتغل ظل قاعد"، يقول نسيبه القيسي، في حين كان الخطيب يملك ويعمل في مطعم شعبي في لواء القصر في الكرك.

 

وبينما كان يراجع القراونة الأجهزة الأمنية باستمرار، بعد خروجه من السجن وقضاء مدة محكوميته، بقي عاطلاً عن العمل، "وضعه الاقتصادي تعبان عايش على أبوه" رغم أن لديه طفلة عمرها قرابة ثلاثة سنوات، إضافة إلى زوجته، يقول القيسي.

 

وفي كل مراجعة، كان يقضي القراونة في سجن المخابرات ما يقارب 40 إلى 50 يوما في كل مرة، بحسب القيسي.

 

تقول أم مد الله القيسي حماة القراونة، حاول يشتغل في مطعم الخطيب،" كل ما يحاول يشتغل ييجوا يوخذوه".

 

ينتمي القراونة لعائلة تعمل في قطاع المقاولات والإنشاءات، ويسكن مع في شقة مستقلة مع أهله، بحسب أم مد الله.

 

وفي تشرين أول 2016، أسس مع زوجته شركة محمد القراونة وشركاه، برأس مال ألف دينار، للتجارة بالمواد التموينية في مأدبا، بحسب سجل الشركة.

 

ساهم مع القراونة وزوجته، شاب ووالدته، لكل منها ربع الحصص من الشركة.

 

ينفي والد الشاب الذي يعمل إماماً لمسجد في مادبا، معرفته بالقراونة.

 

الصدفة قادت لهذه الشراكة، فقد قابل والد الشاب صهر القراونة أبو مد الله القيسي في مسجد في مأدبا، حيث خدما سابقاً في الجيش، "وبعد اسبوعين عرض عليّ العمل معه في المواد التموينية" يقول والد الشاب.

 

ولتحصيل رأس المال للعمل، توجها لصندوق التنمية والتشغيل، لأخذ قرض مالي. لكن الصندوق اشترط تسجيل شركة وترخيصها، لتقديم قرض لهما وبواقع ثلاثة قروض قيمة كل منها سبعة آلاف دينار، واتفقا أن تكون الشركة باسم القراونة وزوجته، والشاب ووالدته، بحسب والد الشاب.

 

حضر الشاب ووالدته، وجاء القراونة وزوجته، لإصدار السجل التجاري، يقول الوالد" كان هذا أول وآخر يوم بنشوف أو بنعرف فيه محمد القراونة".

 

لكن القراونة لم يستفيد من القرض، إذ تم شراء مواد تموينية، بقيمة 14 ألف دينار بقيت في مستودع الشركة في مأدبا، بحسب والد الشاب.

 

غير أن أم مد الله تقول إن أبو مد الله كان يريد أن يأخذ قرض من صندوق التنمية والتشغيل، على اسم القراونة وزوجته، كونهما عاطلين عن العمل".

 

أما عضو الخلية الثالث عاصم أبو رمان (30 عاما)، الذي أطلق النار على رجال الشرطة في عملية القلعة، فكان قد عمل زميلاً لهم سابقاً في إدارة البحث الجنائي، قبل أن يتركها ويعمل في تجارة الألبسة، مع شقيقه حازم الذي يصغره بعام واحد.

 

سجل جرمي

 

في السجل الجنائي لحازم (29 عاما)، ست قضايا تنوعت بين المخدرات، والسكر المقترن بالشغب، والإيذاء، وإصدار شيك دون رصيد.

 

حازم الذي ترك الجامعة قبل أن يتخرج، أدانته محكمة بداية جزاء عمان، في عام 2011، بحمل وحيازة سلاح، ومقاومة موظفين، والسكر المقترن بالشغب، وحكمت عليه بالحبس لمدة سنة، "ونظراً لكونه شاب في مقتبل العمر ولإتاحة الفرصة الكافية أمامه لإصلاح نفسه، تخفضت العقوبة لتصبح الحبس مدة ثلاثة أشهر والرسوم محسوبة له مدة التوقيف"، بحسب قرار المحكمة.

 

كما تم توديعه القضاء في آب 2011 بتهمة تعاطي المخدرات، وقبض عليه بتهمة حيازة مخدرات أيضا في حزيران 2016، أي بعد محاولة مغادرته إلى سورية.

 

وسبق هذه القضايا، جنحة الإيذاء عام 2010، وأخلت المحكمة سبيله بعد إسقاط الحق العام بسبب إسقاط الحق الشخصي.

 

وأوقف مرتين لإصداره شك بدون رصيد عام 2012 و2013، وأعلنت المحكمة في النهاية عدم مسؤوليته عن هذا الجرم، وفقا لقرارات المحاكم.

وفي نيسان الماضي، عاد شقيقه الأكبر عاصم، إلى مرتبات الأمن العام مراجعاً، وانتحل خلالها صفة الغير هذه المرة، حيث راجع قسم ترخيص المركبات في الكرك من أجل أخذ مشروحات تخص مركبة، مدعيا أن اسمه معتصم أبو رمان، "وأنه من مرتبات الأمن العام وأبرز شهادة تعيين أمن عام باسم شقيقه معتصم"، واعترف بهذا الجرم المسند إليه، حسب قرار محكمة صلح جزاء الكرك التي قررت إدانته، والحكم عليه بغرامة عشرة دنانير والرسوم، وفق قرارها.

 

استقال عاصم من جهاز الأمن العام بعد حادث تصادم سيارته العسكرية التي كان يقودها عام 2011.

 

وقبل نحو عامين، حاول الشقيقان الذهاب إلى سوريا للقتال هناك، إلا أن محاولتهما باءت بالفشل، بعد أن قبضت عليهم الأجهزة الأمنية في المطار، واعتقلتهما لثلاثة أشهر قبل أن تطلق سراحيهما. وفق مصادر قريبة من العائلة.

 

وعلى خلاف الخطيب ونسيبه القراونة، لم يودع الأخوان أبو رمان إلى القضاء.

 

خلفية دينية

 

"كان ما شاء الله عليه متدين زيه زي الناس" هكذا يصف القيسي نسيبه محمد القراونة، كما تدل صورة محمد الخطيب من مظهره المتدين باللحية الطويلة.

 

وحينما قرر أبو مد الله القيسي أخذ القرض، اعترض القراونة في البداية، "كان متردد لأنه شاك بحرمته"، بحسب أم مد لله، لكنه وافق في النهاية على خجل من نسيبه.

 

تنفي أم مد الله أن يكون القراونة يحمل فكراً "جهاديا" قبل زواجه من ابنتها، "لو كان بحمل هيك أفكار كان ما زوجته بنتي" على حد تعبيرها.

 

تضيف: بعد سجن القراونة ومحاولة ذهابه إلى سوريا، "حاولت تطليقها منه، لكن والدها رفض".

 

في المقابل لم تشر صفحات الأخوين، التي تم شطبها عن الفيس بوك، على مظاهر إسلامية متطرفة، فعاصم يظهر بصور وهو يدخن مثلا، كما أن سجلهما الجرمي لا يحتوي على قضايا التطرف والإرهاب.

 

توقيف أفراد من أسر أعضاء الخلية

 

"كسروا باب البيت وأخذوا أخوي في الفجر بعد العملية بيوم" يصف القيسي نسيب القراونة، عملية احتجاز شقيقه من قبل الأجهزة الأمنية.

 

ليس فقط، شقيق القيسي طالب هندسة في جامعة مؤتة من قبض عليه، فوالده أيضا "اتصلوا على أبوي وهو راح عليهم"، بحسب القيسي.

هذه المرة الأولى التي يتم فيها توقيف والد القيسي، في حين كانت الثانية لشقيقه.

 

كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على شقيقي أبو رمان، الأول يعمل في جهاز الأمن العام، والثاني طالب في كلية الشريعة في جامعة مؤته.

 

قبل عملية القلعة بأسبوعيين، ترك كل من القراونة وزوجته بيتهما، حيث انضمت هي للإقامة بمنزل أهلها، "تلفونه مغلق، وقال بشتغل في عمان"، بحسب القيسي.

 

وخلال مدة إقامتها هاتفت والدتها، القراونة، بغية إجراء فحوصات طبية لابنتها، وكانت هذه آخر مرة يرى زوجته، بحسب أم مد الله.

 

يعلق القيسي على عملية القلعة قائلاً "في ناس غرر فيه" يقصد القراونة.

 

وبعملية الكرك، ينهي الأردنيون عامهم الحالي، والذي شهد ثلاث حوادث أمنية سابقة منذ بدايته، من التعامل مع ما عرف بـ"خلية اربد"، والهجوم على مكتب مخابرات عين الباشا ومخيم البقعة، وصولا إلى التفجير الانتحاري في مخيم الرقبان قبالة الساتر الحدودي مع الجانب السوري.

أضف تعليقك