عاملو "الديليفري"... ينصفهم القانون وتجحفهم الظروف

عاملو "الديليفري"... ينصفهم القانون وتجحفهم الظروف
الرابط المختصر

تقتضي مهمة عمله أن يقوم بإيصال طلبات الطعام إلى منازل الزبائن بأسرع وقت ممكن، التأخير ليس بصالحه من جهتين؛ أولهما الوعود التي يقطعها المطعم أمام زبائنه بتوصيل الطعام شهيا وطازجا وساخنا قدر المستطاع، وثانيهما أنه وكلما قام بإيصال طلبات أكثر، فإنه سيتمكن من تجميع نقاط تترجم في آخر كل شهر "نقودا" في حسابه.
 
هذه الحسبة لا تمنع أن يكون عاملو توصيل الطعام إلى المنازل، أو ما يعرف بعاملو "الديليفري" ميقنون تماما بكافة ما يحيط مهنتهم من عقبات ومتاعب تستدعيهم "طوعا" أو مجبرين، على الخوض فيها، إلا أنهم ورغم "قانونية" عقود عملهم قد يؤثرون الخروج عنها حفاظا على دخلهم، باعتباره "زهيدا"، حسب رأيهم.

 

وسلطت حادثة مقتل الشاب محمد أبو خديجة دهساً في العاصفة الثلجية الأخيرة التي شهدتها المملكة بداية كانون الثاني الضوء على ظروف العاملين في خدمة التوصيل السريع.

 

ويقدر عدد العاملين في قطاع المطاعم في الأردن بنحو 9 آلاف، بحسب رئيس نقابة المهن الحرة خالد أبو مرجوب، فيما يوجد في العاصمة عمّان نحو 5 شركات متخصصة بالتوصيل السريع يعمل في أكبرها نحو 80 سائقا.

 

ويؤكد عاملون في قطاع التوصيل السريع بأن قضية أبو خديجة ليست الوحيدة، حيث سبق أن سجلت حالات وفاة في حوادث سير للعاملين في التوصيل، كما توقف آخرون عن العمل، بعد أن تعرضوا لحوادث سير أقعدتهم عنه، إلا أن قضية أبو خديجة الوحيدة التي وصلت إلى الإعلام.

 

مجبرٌ... لا بطَل

 

الشاب الثلاثيني معتصم الذي يعمل في إحدى شركات التوصيل السريع منذ 12 عاماً، كما سبق أن عمل سائقاً لدى مطعم وجبات سريعة، يقول لـ"عمان نت" أن الشركة التي يعمل فيها حددت راتبه عند الضمان الاجتماعي بـ  200 دينار، ولم يطرأ عليه أي تغيير منذ بداية عمله.

 

ويرغب معتصم في زيادة راتبه الأساسي، تقديراً للسنوات التي عملها في هذا المجال، علماً بأنه يحصل على عمولة بجانب الراتب، بحسب عدد الطلبات التي يقوم بتوصيلها، وهو ما يجبره على العمل لأكثر من 12 ساعة يومياً، للوصول إلى راتب قد لا يتجاوز 400 دينار في بعض الشهور.

 

نقابة أصحاب المطاعم والحلويات تقول إنه من غير المنطق أن لا تقوم المطاعم بإرسال الرواتب الحقيقة لموظفيها للضمان الاجتماعي، لأن من مصلحتها أن تظهر الأرقام الحقيقية لرواتب موظفيها لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات، بحسب رئيس النقابة رائد حمادة.

 

الظروف التي يعمل فيها معتصم تجبره على العمل في معظم الإجازات، يقول معتصم أنه لم يأخذ إجازة منذ سنوات، حتى أنه يعمل يوم الجمعة، وذلك لتأمين دخل جيد، ولخوفه من فقدان وظيفته، والتي يستطيع كل من يحمل رخصة قيادة ممارستها، دون اشتراط أي خبرة.

 

أمين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة يؤكد أنه يحق لأي عامل أجبر على العمل في يوم إجازة أو تعرض لأي انتهاك آخر، التقدم بشكوى لدى سلطة الأجور في الوزارة، منوها إلى ضرورة أن تقوم المؤسسات التي قد تعمل في الإجازات بتأمين وصول موظفيها إلى أماكن العمل بسلامة، وأن تضمن عملهم ضمن ظروف آمنة.

 

العَقد شريعتهم

 

عائلة أبو خديجة تقول أن المطعم الذي يعمل فيه أجبره على العمل في يوم عطلة رسمية، حذرت فيه السلطات من الخروج إلى الشوارع بسبب الظروف الجوية، إلا أن إدارة المطعم أنكرت ذلك، بينا يؤكد عاملون في مجال التوصيل السريع أن بعض الشركات لا تجبر أحداً على العمل في يوم إجازة، إلا أن من يعمل في هذا المجال لن يستطيع توفير قوته اليومي في حال تغيب حتى في أيام الإجازات الرسمية، مؤكدين أن تسعيرة توصيل الطلبات في أيام الإجازة لا تختلف عن باقي الأيام، وهو ما يعتبر مخالفة للمادة 59 من قانون العمل.

 

المادة 59 من قانون العمل

أ- يجوز تشغيل العامل بموافقتة أكثر من ساعات العمل اليومية او الاسبوعية على أن يتقاضى العامل عن ساعة العمل الاضافية أجراً  لا يقل عن 125% من أجره المعتاد.
ب- إذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية أو أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم أجراً اضافياًً عن (150%) من أجره المعتاد.

 

ويؤكد شقيق أبو خديجة بأن راتب أخيه الذي كان مسجلاً عند الضمان الاجتماعي هو 220 دينارا فقط، علماً بأن راتبه يتجاوز هذا الرقم بكثير، وهو ما يعتبر مخالفة لقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي في حال ثبوته، بحسب مدير مركز الفينيق للدراسات العمالية أحمد عوض.

 

وسيتقاضى ورثة أبو خديجة 75% من راتبه المسجل لدى الضمان كراتب شهري، بحسب المادة 30 من قانون الضمان.

 

شركة "ون ديلفري" التي تقدم خدمة التوصيل السريع وتتعامل مع عدد من المطاعم تقول إن العاملين فيها يوقعون عقداً يوضح لهم الراتب الأساسي وقيمة العمولة التي قد يتقاضاها.

 

وأكد مسؤول العلاقات العامة في الشركة يزيد المجالي أن الرواتب الأساسية للعاملين في هذا المجال متدنية، لكن قيمة العمولة جيدة وقد تضاعف الراتب الأساسي في بعض الحالات.

 

أمن وسلامة

 

ويضيف المجالي أن المركبات التي تعمل تخضع لصيانة دورية مجانية، مؤكداً أن الشركة لا تطلب من السائق أن يوصل الطلب بأسرع وقت ممكن، إنما هناك توقيت ثابت لتوصيل كل الطلبات وهو من 45 دقيقة إلى ساعة.

 

ويرى المجالي أن العاملين في هذا المجال "راضين" عن ظروف عملهم، لأن معظمهم يعمل فيه كعمل إضافي، وغالبتهم من طلاب الجامعات الذين سعون إلى تأمين مصاريفهم.

 

ولا توجد نقابة تمثل العاملين في المطاعم أو العاملين في خدمة التوصيل السريع، لذا تقوم النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة بتمثيلهم عادةً.

 

وتطالب نقابة المهن الحرة بضرورة تأمين العاملين في قطاع التوصيل السريع بمركبات قادرة على تحمل الظروف الجوية، كما تؤكد على ضرورة إلزام الشركات التي يعملون فيها بتأمينهم صحياً وتوقيعهم بوليصة تأمين على الحياة.

 

أكثر ما يهم العاملين في هذا المجال ويثير استياءهم أجورهم الزهيدة، وسط كل ما يواجهونه من عقبات ، وكل ما يبذلونه من جهود، إلا أن انتهاكات من نوع آخر قد تكون أكثر تأثيرا في نفوسهم ولا يستطيع كثيرون منهم الحديث عنها، والدفاع عن أنفسهم بالقانون، كالإساءات التي قد تطالهم بسبب "خطأ" في الطلب، أو تأخير لم يقع عمدا.

 

أضف تعليقك