عاصفة "أوراق بنما".. ومصير مكافحة الفساد
كان لنشر شركة الخدمات القانونية "موساك فونسيكا"، التي تتخذ من بنما مقرا لها لما يقارب 11 مليون وثيقة مسربة، والتي طالت العديد من الشخصيات في مختلف دول العالم، ومنها الأردن، انعكاسات في بعض الدول فور نشرها، فيما قد تتأخر هذه الانعكاسات في غيرها من الدول.
الكاتب رحيل غرايبة، يرى في نشر هذه الوثائق أكبر عملية تسريب وثائقي في التاريخ من قبل نخبة من الإعلاميين الاستقصائيين الذين استمر عملهم لمدة أعوام، مشيرا إلى أن تفاعلاتها بدأت تأخذ أثرها سريعاً في بعض الدول الديمقراطية المتقدمة، وربما يتأخر هذا الأثر في الدول المتخلفة التي تفتقر إلى النزاهة، وتفتقر إلى نظام المحاسبة الشعبي الفاعل.
ويلفت غرايبة إلى أن الغريب في الموضوع أن الأسماء التي تم الإعلان عنها هي في أغلبها من قائمة الأثرياء، وأصحاب الملايين والمليارات والأرصدة التي لا تأكلها النيران، فيما تتمثل الملاحظة الأكثر استحواذاً على الاهتمام بأولئك الذين يحتلون مواقع سياسية مرموقة، ويعمدون إلى الجمع بين الإمارة والتجارة.
ويضيف الكاتب "عندما يكون هناك مشكلة اقتصادية، فيجب الجزم قطعاً بأن هناك «معضلة فساد» تسبقها، والفساد له أشكاله وأنواعه ومراتبه، فبعضه يتمثل في هذا المسلك من الاستيلاء على المال العام بطريقة جشعة وبشعة، وبعضها يتمثل بالعجز عن إدارة الموارد العامة بطريقة سليمة، ولا يخرج الإشكال عن هذين الصنفين من الفساد، ويجب التأكيد بطريقة يقينية أيضاً أنه لا مجال لمعالجة المشكلة الاقتصادية دون معالجة معضلة الفساد بصنفيه الشهيرين".
ويشير الكاتب عمر عياصرة، إلى الهزة العنيفة التي أحدثها نشر الوثائق المسربة السرية، والتي تعلقت بعلية القوم في كثير من المجتمعات.
ويرى عياصرة أن الجانب الآخر للأوراق يتمثل بإثباتها استشراء الفساد في كل المجتمعات والدول، إلا أنها تثبت أنه أعمق وأكثر تجذرا عند حكام بلاد عالم الجنوب.
فـ"عالمنا العربي كان له حظ وافر، فقد تطرقت الفضيحة لرؤساء عرب كالأسد والقذافي ومبارك"، أما أردنيا فتحدثت الوثائق عن رئيس حكومة سابق وعن خالد شاهين، متسائلا عن مدى تأثير هذه التسريبات على إدارة مكافحة الفساد كي تحرك أدواتها تجاههم؛ وبالتالي التصرف وفق القانون.
أما الكاتب عمر كلاب، فيلفت إلى ما يتميز به مجتمعنا المحلي المستعد للتفاعل مع أية قضية بالإدانة أو التبرئة قبل الوقوف على المعلومات الكاملة، حيث تم تحويل قضية "أوراق بنما" إلى القضاء الشعبي الذي أصدر أحكامه بعد دقائق فقط وتلاه محللون وكتاب سياسيون يحتاجون إلى شعبوية غرائزية لأسباب ذاتية.
ويضيف كلاب أن استعجال إطلاق الأحكام بنسخته الأردنية يخفي أصل المشكلة ويخفي الأطراف المُلامة فعلا ويمنع وصولنا إلى الحقيقة ومعرفة الفاسد الحقيقي.
فإخفاء اسم الشركاء قد يوقعنا في مخالفة دستورية حيث يحظر الدستور على الوزراء والنواب ومن شابههم في الحصول على عقود من الدولة وقد كشف التحقيق الاستقصائي الذي أجراه الزملاء في راديو البلد نماذج فاضحة خاصة في دراسات جر مياه الديسي، ليتم الانتقال عنها الى ملاحقة شخصية لرئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب الذي يمتلك شركات على نظام "الأوف شور"، وهذا ليس جريمة بحد ذاته إلا اذا حصلت تلك الشركات على عقود من الدولة خلال رئاسته للوزراء أو عمله النيابي والوزاري".
ويخلص الكاتب إلى القول إن "كل المجتمعات الحية تطالب الدولة بإجراء تحقيقات كما فعلت فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول التي تحترم الرأي العام قبل إصدار أي حكم، ونحن كذلك نطالب الحكومة بفتح تحقيق تتولاه هيئة مكافحة الفساد أو أي جهة رقابية أو قضائية بحيث تصدر تلك الجهة خلاصة تحقيقاتها وتلتزم الحكومة وأجهزتها بعدم إحالة اي عطاء إلا إلى شركة واضحة النسب، وتفعيل قانون العطاءات العامة.
الكاتب رمزي الغزوي، وبعد استعراضه لمفهوم "غسيل الأموال"، يؤكد أن فضيحة "أوراق بناما" لن تكون الأخيرة، حتى ولو كانت الأكبر في تاريخ فسادنا الإنساني، الذي أثبت أنه في صبغتنا الوراثية وجيناتنا مثل لون العيون، أو ملمس الشعر.
وينتهي الغزوي إلى تساؤل محير تثيره "أوراق بنما"، "لماذا يتورد الأثرياء والزعماء والرؤساء في هذه القذارات مع أن بطونهم ملأى؟؟ ربما سيكون الجواب الصادم أن عيونهم فارغة، ولا يملأها إلا التراب.
يذكر أن وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمان نت، نشرت وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، تحقيقاً صحفيّاً استقصائيّا بعنوان استنادا إلى تسريبات "موساك فونسيكا".