جهاد غبن "الرجل البخاخ"... من الألوان إلى حمل السلاح

جهاد غبن "الرجل البخاخ"... من الألوان إلى حمل السلاح
الرابط المختصر

 

"قبل شوي انتهيت من وضع خطة مدتها 5 سنوات وشوي

بناء عليها سيكون آخر شيء في هذه الخطة انفذه هو الزواج

يعني بتاريخ 26-8-2019 بكون يوم عرسي بتشرفونا جميعا اهلا وسهلا"

  جهاد غبن

20-3-2013

 

هكذا كان يرى الشاب جهاد غبن نفسه منذ عام تقريبا، وهو في بداية مشواره الجامعي بكلية الآداب في الجامعة الأردنية، والتي دخلها بعد انتظار وجهد كبيرين لدفع مصروفاتها، وحماسة عالية عبر عنها على صفحته في الفيسبوك، معلنا أحد أهم أهدافه التي يريد أن يحققها في أروقة الجامعة: "الجامعة فيها طلب العلم وفيها الدعوة وفيها الحراك وفيها سوف يعلو صوت الطالب على صوت تجار العلم".

 

قبل أيام أحدث خبر مقتل الشاب الأردني جهاد غبن وعمره عشرون عاما صدمة في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي وبين الناشطين السياسيين، كون جهاد واحد من الشباب الكثر اللذين تتلقى عائلاتهم أنباء مقتلهم في سورية بصورة شبه أسبوعية.

 

والد غبن يؤكد لـ"عمان نت" أن العائلة حاولت مراراً وتكراراً إقناعه بالعودة من سورية، إلا أنه كان يرد بأن "الأوضاع في هناك بحاجة له أكثر من الأردن".

 

ويحاكم الأردن عددا من العائدين من سورية بتهم الدخول والخروج من البلاد بطريقة غير مشروعة، والقيام بأعمال لم تجزها الحكومة من شأنها تعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة، والانتماء الى جماعات ارهابية.

 

unnamed (1)

جهاد أو "أبو الفوارس الأردني" كما هو متعارف عليه في جبهة النصرة، قُتل هو وأربعة من عناصر الجبهة في الرابع والعشرين من اكتوبر الماضي في اشتباكات مع جيش النظام السوري أثناء محاولته فك الحصار عن عدد من عناصر الجبهة، حاصرهم الجيش في منطقة إدلب، حسب رواية أصدقائه في جبهة النصرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

و غادر غبن الأردن منتصف عام 2013، بعد عودته من العمرة، وتوجه إلى سورية للقتال في تنظيم جبهة نصرة أهل الشام مع عدد من الشباب الأردنيين ليشكلوا معاً سريّة سميت بـ"سريّة المهاجرين الأردنيين".

 

ووفقاً لتصريحات التيار السلفي الجهادي في الأردن، فإن عدد المقاتلين الأردنيين في صفوف التنظيمات الإسلامية المتشددة في سورية يبلغ 2000 مقاتل، غالبيتهم من محافظات اربد والسلط ومعان والزرقاء، وتشير إحصائيات التنظيم إلى مقتل 250 أردنياً في سورية منذ بداية الأزمة.

 

 

 

من "الألوان" إلى السلاح

 

لا يخفى على كل من عرف غبن أو "الرجل البخاخ" كما يحب أن يقال له، ميوله في التحرك نحو قضايا المواطن، كان ناشطا في الحراك الشعبي وفي الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري، يحمل في حقيبته علب الطلاء ليكتب فيها عبارات مناهضة لرفع الأسعار والمطالبة بالإصلاح على جدران المباني وجوانب الطرقات.

578558_413777635342759_1776425575_n

يقول مؤمن جعابو أحد أصدقاء غبن المقربين "لم يأبه جهاد للفقر يوماً ولم يكن مستاءً من وضعه الاقتصادي المتردي، لكنه كان دائم الشعور بالظلم الذي تعانيه الغالبية جراء الفساد ونهب مقدرات البلاد".

 

الحي، الجامع، الجامعة، والحراك كلها عوامل شاركت بتوجه شباب أردنيين إلى سورية وانضمامهم لتنظيمات هناك، فمن حي نزال،في العاصمة عمان، مكان نشأة غبن، خرج عدد من الشبان المقيمين هناك إلى سورية ، منهم اسحق صوالحة والذي قتل أيضا هناك، وتظهر له العديد من الصور برفقة غبن على صفحته في الفيسبوك، بالإضافة إلى أنس قبلان، صديق غبن ويظهر معه في صور أخرى، عمره 21 عاما ولا يزال يقاتل في صفوف جبهة النصرة حتى اليوم.

 

وبعد مقتل جهاد بأيام قتل شخص يدعى عبد الله أبو حليمة، وهو مدرّب وبمثابة أمير في جبهة النصرة ومؤسس سريّة "المهاجرين الأردنيين" ومن أوائل اللذين خرجوا إلى سورية من حي نزال.

 

ويعتبر الحي واحدا من أكثر المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة في عمان ويصل عدد سكانه إلى نصف مليون نسمة، وتتميز معالم المنطقة بوجود عدد من أقدم المساجد والتي كان غبن يتردد عليها بصورة دائمة منذ صغره حتى خروجه من الأردن.

أما الجامعة فيشير مقربون من غبن أنه خرج إلى سورية بعد تعرّفه على بعض الطلبة من جامعته ذوي توجه إسلامي وبعضهم سوريون ساعدوه للوصول إلى هناك.

 

لطالما كان غبن وزملاؤه تواقون لحمل السلاح، مجرد العودة إلى الوراء في صفحاتهم وصورهم، تشعر المتتبع لها أن السلاح كان الرابط بين صور وضعها غبن قبل سنوات لأسامة بن لادن، ورغبته التي كان يبديها دائما في الالتحاق بالقوات المسلحة والجهاد والدفاع عن الأراضي المحتلة بحمل السلاح.

 

"بقلك الامريكان جايين والناتو وابصر مين ..
ويخوفونك بالذين من دونه ..
السكاكين بانتظارهم والسيوف ..
ستتطاير رؤوسهم وتتناثر اشلاءهم .. ستسيل انهار دمائهم ... سنذكرهم بسكين ابو مصعب الزرقاوي .. سنذكرهم بطائرات بن لادن ..
نكمن لهم بالمغارات .. نكمن لهم بالانفاق ..
الله اكبر والعزه لله .. ورايه الكفر تحت اقدامنا باذن الله ..."


جهاد غبن
13/9/2014

صفحته على الفيس بوك

 

 

بيئة حاضنة

 

الشاب الذي كان رئيساً للبرلمان الطلابي في مدرسة حُنين في صفّه الثامن، التحق بعد أربع سنوات بدورة تدريبية لـ"راديو البلد" عن التغطية الصحفية للانتخابات عام 2013، وذلك بسبب رغبته الدائمة لدراسة الإعلام والانخراط في العمل الصحفي.

252299_500198676700654_412858268_n

حلم الإعلام حققه جهاد في جبهة النصرة حينما التحق بمكتبها الإعلامي، مبدياً فيما كتبه على الفيسبوك امتنانه للجبهة لتأمينها الخبرات الجيدة والمعدّات الحديثة له للقيام بالعمل الصحفي الذي يرغب به.

 

ويقول استاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي لـ"عمان نت" أن الشباب يجدون في التيارات المتشددة "مهرباً من مشاكل الفقر والبطالة والكبت، كما أن الحكومات لا تحارب الفكر المتشدد بنشر فكر اعتدالي، إنما تحارب الفكر بحلول أمنية تزيد من تفاقم المشكلة"، منوها إلى استخدام هذه التيارات للدين في نشر أفكارها والاستفادة من طاقات الشباب والسيطرة على عقولهم.

 

صديق جهاد يحمّل الدولة الأردنية "وحالة الفراغ الذي تضع فيه الشباب في ظل عدم وجود أي برامج أو مشاريع أو خطط تنموية للقدرات الشبابية مسؤولية التوجه الى التنظيمات السلفية التي يشعر فيها الشاب بالانتماء لفئة معينة".

 

كما يحمّل الحراكات الشعبية والأحزاب السياسية مسؤولية أيضاً، كونها لم تتعامل مع الشباب بشكل مناسب انما عاملتهم كأدوات تستفيد منهم عند حاجتها لأعداد بشرية تشارك في فعالياتها.

 

 

استقطاب عن بعد

 

محطات مفصلية ومؤثرة في حياة غبن تظهر كيفية استقطاب الشباب الناشطين إلى تنظيمات متطرفة، باحتضان مواهبهم وتقديم الأدوات التي تساعدهم على التنفيس من غضبهم على ما يحدث تباعا في مختلف البلدان العربية.

unnamed

كل ذلك يستطيع والد جهاد غبن أن يلخصه بكلمات بسيطة، يقول: "كان نشيطاً سياسياً وفي المسجد أيضاً، وشعوره بالظلم الواقع على الناس ظهر مبكراً عليه".

 

الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الاسلامية حسن أبو هنية يؤكد أن أسلوب الاستقطاب الذي تنهجه الجماعات الإسلامية مختلف عمّا هو مستخدم سابقاً، حيث كانت هذه الجماعات تتوجه للمساجد لاختيار أشخاص لاستقطابهم أو تعتمد على صلة القرابة لكن حالياً تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لبث أفكارها وجذب الشباب دون بذل جهد في إقناعهم وجاهياً. مضيفا أن النزاع في أي منطقة يحمل الشباب على متابعته بصورة أكبر من خلال البحث عن موقع الجماعات المسؤولة عن خلق النزاع أو وجودها كطرف فيه.

 

العديد ممن كانوا حول جهاد وعرفوه قبل مغادرته الأردن وضعوا اللوم مشتركاً على الحكومة والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني وحتى أنفسهم، كونه حاول التقرب من الجميع لكنه "لم يجد يوماً من يتقبله" حسب رأيهم، متهمين الحكومة بتسهيل خروجه للقتال في سورية.

 

كما طالب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بوقف ما سموه "توجها رسميا" بزج أبناء الوطن في الأزمة السورية، واتباع سياسة "محرقة السلفيين" من خلال السماح لهم بالذهاب إلى سورية ليلاقوا حتفهم هناك.

 

فيما ردت الحكومة الأردنية على الاتهامات جملة وتفصيلا بتأكيد وزير الداخلية حسين المجالي في تصريح سابق على أن "القوات المسلحة الأردنية لن تسمح قطعياً بدخول المسلحين إلى الأراضي الأردنية أو العبور من الأردن إلى أي اتجاه كان"، مضيفاً أن "المسلحين من سوريا هم من يحاولون الدخول إلينا، خاصة أن الجانب السوري لا يضبط حدوده بالدرجة الكافية".

 

 

بعد الربيع

 unnamed (2)

ويشير أبو هنية الى أن ما حصل من انتكاسة وانقلاب على نتائج الربيع العربي غير الكثير من قناعات الشباب المؤمنين بقدرة الإصلاح السلمي والمشاركة السياسية على التغيير، ليحل السلاح مكان كل القناعات كوسيلة للتغيير ورد الاعتبار.

 

وعن الحلول ينبه أبو هنية، على خطر اللجوء إلى الحلول الأمنية العسكرية التي لن توقف ظاهرة تجنيد الشباب وانضمامهم إلى جماعات مسلحة، وإنما ستكون سببا في تضخيمها، مؤكدا على ضرورة النظر جيدا إلى أسباب هذه الظاهرة، وإيجاد حلول لانعدام الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وانغلاق الأفق السياسي والسلطوية، بالإضافة إلى انتشار الظلم والفساد.

أضف تعليقك