ثقافة المقاطعة

ثقافة المقاطعة

تتواصل الدعوات الشعبية للمشاركة بحملات مقاطعة عدد من السلع والخدمات، مع توجهات الحكومة المعلنة لرفع الضرائب والرسوم عليها، وهو ما كان له صدى بين أعمدة الرأي في الصحف اليومية.

 

 

 

ويتساءل الكاتب فهد الخيطان "ما الذي يزعج السلطات الرسمية في إعلان مواطنين نيتهم مقاطعة سلعة غذائية ارتفع سعرها فوق المعقول، أو خدمة تقدمها شركات تفوق كلفتها حد الاحتمال؟"

 

 

 

فـ"في دول العالم المحكومة بقانون السوق الحرة، تمثل المقاطعة سلاح المستهلكين الفعال لإجبار التجار على خفض الأسعار وضبط السوق، بعدما تخلت الحكومات عن دورها في تحديد الأسعار"، يقول الخيطان.

 

 

 

ويضيف الكاتب بأن "المفارقة أنه بينما تتحفظ الجهات الحكومية على دعوات المقاطعة التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي، كان رؤساء حكومات ووزراء يحثون فيما مضى المواطنين على اتباع نهج المقاطعة لإرغام التجار على تخفيض الأسعار. ولو عاد باحث إلى أرشيف الصحافة الأردنية في العقدين الأخيرين، لعثر على تصريحات تؤكد ذلك".

 

 

 

إلا أن "الشكوى من ارتفاع الأسعار، خاصة في الآونة الأخيرة، لم تكن مرتبطة مباشرة بحزمة الضرائب التي فرضتها أو تنوي الحكومة فرضها على سلع وخدمات. وحملة المقاطعة لبيض المائدة والبطاطا، والتي انطلقت على "فيسبوك"، خير مثال".

 

 

من حق الجمهور أن يتدخل في مجريات اللعبة عندما لا يكون هناك حكم مستعد لإشهار البطاقة الحمراء.

 

 

 

وليس مفهوما، بحسب الكاتب عمر كلاب، حجم الهجمة الرسمية وهجمة قطاعات خاصة وشبه رسمية على الدعوات الشعبية لمقاطعة السلع والبضائع التي تشهد ارتفاعا سعريا.

 

 

 

"فالمقاطعة سلاح اجتماعي مدني حميد, يوقف الهدر ويخفف من أعباء الخزينة في دعم سلع وكماليات والأصل أن تدعم الحكومة هذا السلاح المدني, لأن تخفيف الاستهلاك يخفف أرقام الدعم التي تتحملها الخزينة وتضاعف من أعبائها حسب منطوق الخطاب الرسمي ذاته".

 

 

 

ويوضح كلاب بأن "كل الدولة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها  تقف ضد الهدر المبالغ فيه في الموارد والنفقات , وثمة سعي عام لتخليق ثقافة موازنة العائلة الأردنية وتعميق هذه الثقافة , وأول درس في وضع موازنة العائلة الابتعاد عن الهدر ومحاولة تحقيق لوازم اشتراط الحياة وبعدها وضع موازنة للرفاه العائلي".

 

 

 

ويخلص الكاتب إلى القول بأن "ثقافة مكافحة الغلاء بالاستغناء إلا إذا كانت خطتها قائمة على الاستفادة من هامش رفع الضرائب والأسعار، وثقافة إقبال الجمهور على السلع التي ترتفع أثمانها كما هو السائد سابقا فجاءت ثقافة المقاطعة لتجهض خططها, أما القطاع الخاص وحربه على ثقافة المقاطعة فهو مفهوم ولا يحتاج إلى تفسير".

 

 

 

 

أما الكاتب حلمي الأسمر، فيستحضر الأثر النبوي الذي يقول: لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا"، موضحا بأن "لا تقاطعوا" تعني لا يقاطع بعضكم بعضا والتقاطع ضد التواصل.

 

 

ويستذكر الأسمر أشهر حوادث المقاطعة في التاريخ الحديث بما فعله السيـاسي الهندي المهاتما غاندى وكانت ضد الاستعمار البريطاني حين حضّ المواطنين الهنود على صنع ملابسهم بأنفسهم بالاستعانة بالمغزل اليدوي وكان يقول كلمته المشهورة «كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو»، وصولا إلى ما ما وقع عام 1945 وهو تاريخ بدء المقاطعة العربية لإسرائيل رسميا عندما اتخذت جامعة الدول العربية قرارات وتوصيات بضرورة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل.

 

 

 

ويضيف الكاتب، "على الصعيد الشعبي يلجأ الناس عادة لمقاطعة سلع وخدمات للتأثير في أسعارها، وقد عرفتها الأمم المتحدة في ميثاقها المادة (41 ) ونصها: «وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً» ويعرف الاقتصاديون المقاطعة بأنها أسلوب ومجموعة من الممارسات التي تتخذها الجماعة أو البلد، في عدم التعامل اقتصادياً مع طرف ما يقصد بذلك الضرر به لحمله على تغيير موقف أو سياسة تجاه الجماعة أو البلد".

 

 

"وفي حالتنا الأردنية نشهد بعض حركات المقاطعة الشعبية لسلع وخدمات، نرجو بإخلاص أن تلتزم بالضوابط الشرعية لمثل هذا السلوك، وأن لا تكون سببا في تقويض أمننا الاجتماعي، أو إحداث مزيد من المتاعب لبلد يعيش في بؤرة ملتهبة من الصراعات، وأن يتعامل جميع الأطراف مع هذه الظاهرة بحس عال من المسؤولية لتجنيب هذا الوطن كل ما من شأنه تعكير صفو علاقة الناس بعضها ببعض"، يختتم الأسمر.

 

أضف تعليقك