تقرير الديوان بلا "محاسبة"

تقرير الديوان بلا "محاسبة"

تتواصل اهتمامات كتاب الرأي والمقالات، بإعادة قراءة الأرقام التي أوردها تقرير ديوان المحاسبة الأخير، في تحليل لمدى انعكاس التجاوزات التي رصدها على المال العام للدولة.

 

الكاتب ماهر أبو طير، يرى أن المعلومات الواردة في التقرير، تصب في إطار حرث المال العام، دون أن يكون ذلك فسادا مباشرا، بقدر كونه توظيفا للموقع والصلاحيات والامتيازات، بطريقة تؤدي الى ماهو اسوأ من الفساد.

 

 

ويضيف أبو طير أن كل تقارير الديوان تكشف مخالفات في الإنفاق، واستزادة من الصلاحيات، فهناك صلاحيات للمسؤولين للإنفاق، والتوقيع على نفقات تحت بنود محددة، وشكلا فإن المسؤول هنا، لايخالف، فهو لم يسرق مالا ويضعه في جيبه مباشرة، لكنه استزاد من صلاحياته.

 

 

إلا أن كل التقارير المعلنة لم تمنع المسؤولين، من الاستمرار بذات الطريقة، سواء دفع المكافآت، أو التوقيع على فواتير مشتريات، أو توظيف إمكانات كل مؤسسة من سيارات وغير ذلك، دون تورع، ودون خوف، ودون ادارك او احساس لما يعانيه البلد.

 

فـ"كل الغضب في الأردن، كان على قضايا الفساد الكبرى، التي لا دليل عليها، لكن الشبهة فيها واضحة، والالتباس فيها، يدركه الصغير قبل الكبير، وقد بتنا اليوم أمام قضايا فساد من النوع المغطى قانونيا"، بقول أبو طير.

 

أما الكاتب باسم سكجها، فيلفت إلى أن من الطبيعي أن يأخذ تقرير الديوان الأخير كلّ هذا الاهتمام الإعلامي والشعبي، وفور إصداره، فهي المرة الأولى الذي يُتاح كاملاً، وعلى شكل ملف واحد، على الموقع الالكتروني للديوان.

 

ويوضح سكجها أن الأهمية الخاصة للتقرير الأخير، تكمن باعتبار أن ما يكشفه لا يُصدّق في دولة تمرّ بظروف اقتصادية كارثية، وتكاد تصل المديونية فيها إلى الثلاثين مليار دينار أردني.

 

ويستذكر الكاتب تصريحات رئيس الوزراء السابق عبد الله النسور، التي أكد خلالها أنّه لم تسجّل خلال ولايته قضية فساد واحدة، وهو ما يعني حالة إنكار واضحة، فيما يثبت التقرير  العكس تماما.

 

ويذهب الكاتب حسين الرواشدة، إلى أن التجاوزات التي تضمنها التقرير لم تكن مفاجئة، فعلى امتداد السنوات الماضية تكررت هذه التجاوزات بشكل أو بآخر، لكن اللافت ان معظم هذه التقارير غالباً ما تدرج في “الأرشيف” أو تستخدم فقط لغايات بروتوكولية حين تسلم للحكومة أو لمجلس النواب، فيما يتناولها الاعلام بمنطقة التشهير أحيانا او الاستفزاز أحيانا أخرى.

 

ويشير الرواشدة إلى أن التقرير الأخير جاء في توقيت “حساس” حيث يمر بلدنا بأصعب ظرف اقتصادي، وينتظر المواطنون عاماً من “شدّ” الأحزمة على البطون.

 

وأسوأ ما تتضمنه التقرير بحسب الكاتب، هو نوعية التجاوزات التي سجلها من حالة البذخ والاستهتار بالمال العام التي يعيشها بعض المسؤولين الذين أمنوا العقوبة فأساؤوا التصرف.

 

وينعكس ما تفعله التجاوزات حين تشهرها مؤسسة معتبرة كديوان المحاسبة، على قيم مهمة تتعلق بانتماء المواطن لبلده وحرصه على موارده والتزامه بقوانينه، كما ينعكس على مواقفهم من الحق العام والسلوك العام والمزاج العام.

 

وينتهي الرواشدة إلى أن التقرير يفتح أمامنا فرصة للتذكير بضرورة إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، وتطوير الإدارة العامة، إضافة إلى أهمية أخذ ما يصدر عن ديوان المحاسبة من تقارير بعين الاعتبار عند “قياس” أداء المؤسسات او تجديد العقود والتعينات للمسؤولين.

 

أما ما استوقف الكاتب حلمي الأسمر في التقرير، فكان مطالعته لبنود رواتب ومصروفات كبار الموظفين، والتي تعطي انطباعا بأننا نعيش في بلد لا ينتمي إلى منظومة الدول النامية، أو دول العالم الثالث.

 

كما يلاحظ الأسمر تكرار عبارات تفيد بعدم امتثال المؤسسات والشركات المملوكة للحكومة أو المساهمة فيها، والجامعات الحكومية، بتوصيات الديوان، تعقيبا على مخالفاتها، رغم تكرار المخالفات، وكأن عمل الديوان غير موجود.

 

وفيما يتعلق بقانون الدين العام، فثمة أمر غير مفهوم ومثير للفزع، من حيث مخالفة بنوده وكثرة التعديلات عليه، وما رافق هذا الأمر من قفز أرقام المديونية قفزات فلكية خلال السنوات الخمس الأخيرة، مع ما يشكله هذا الأمر من خطر على «هيبة الدولة» ومركزها المالي، بحسب الأسمر.

 

وآخر ما يسجله الكاتب هو تساؤله حول مصير التقرير، وإن كانت «الدولة» جادة في البحث عن طريق للخلاص من الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، أو أنها غير معنية بعلاج المريض، المهدد في كل لحظة بالموت السريري.

 

أضف تعليقك