الغلاء يضرب في كافة الاتجاهات والموطنون في مأزق
لا يزال الأردنيون تحت تأثير صدمة فرض الحكومة ضرائب على قائمة طويلة من سلع وخدمات، شملت مواد غذائية أساسية؛ بغية توفير إيرادات لخزينة الدولة بما يقارب مليار دينار أردني، موزعة على 540 مليون دينار من ضريبة مبيعات و376 مليون دينار ضرائب ورسوم أخرى، إلى جانب رفع الدعم عن مادة الخبز، البالغ 170 مليون دينار.
برنامج اقتصادي تطبقه الحكومة الأردنية بإملاءات من صندوق النقد الدولي، في محاولة للحصول على المزيد من القروض؛ لسد فائدة الدين العام، البالغ 26 مليار دينار، تمثل 94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
"الاعتماد على الذات" شعار رفعته الحكومة الأردنية في موازنة 2018، وترجمته إلى رسوم وضرائب، في موازنة أقرها مجلس النواب الأردني في خمس ساعات فقط بسابقة في الحياة التشريعية الأردنية.
تواطؤ نيابي.. وغيابي حزبي
ويتهم النائب في البرلمان الأردني، موسى الوحش، بعض النواب في التساوق مع الحكومة برفع الأسعار على المواطن.
ويقول إن "جميع النواب الذين وافقوا على موازنة 2018 هم بالمحصلة مؤيدون لرفع الأسعار، وفرض زيادة ضريبة تبلغ 916 مليون دينار أخذت موافقة مجلس النواب".
معتبرا "إفقاد نواب لنصاب جلسة المجلس التي كانت مخصصة يوم الثلاثاء لمناقشة ارتفاع الأسعار، استمرارا لمسلسل موازنة 2018، وتجنبا لنقد سياسة الحكومة الاقتصادية والتسبب بإحراج وقلق للحكومة".
ويجد الأردنيون أنفسهم وحيدين في مواجهة مسلسل ارتفاع الأسعار، في ظل غياب أحزاب وقوى سياسية فاعلة، وتواطؤ نيابي، ترك جيب المواطن الأردني عرضة للنهش من قرارات اقتصادية، لطفتها الحكومة الأردنية بعبارات "برنامج التصحيح الاقتصادي" أو "إزالة التشوهات في الميزانية".
سياسات اقتصادية تسببت بتآكل الطبقة الوسطى، واتساع جيوب الفقر، وضعف القوة الشرائية للمواطن الأردني، كما يرى خبراء اقتصاديون.
ركود اقتصادي
يقول الخبير الاقتصادي، حسام عايش، إن "القرارات الاقتصادية الحكومية الأخيرة سيكون لها تأثير كبير على واقع معيشة المواطن الأردني على المدى البعيد والقريب"، مؤكدا ، أن "هذه القرارات ستؤثر على طريقة إنفاق المواطن الأردني، والبحث عن بدائل للسلع التي ارتفعت بأخرى ذات جودة أقل، ما وضع المواطن في حيرة من أمره، خصوصا أنه مطلوب منه التكيف مع قرارات متسارعة بدأت بوجبة رفع للسلع في عام 2017، ثم بدأ السنة الجديدة بوجبة أخرى من الرفع، مقابل ثبات دخل المواطن بشكل لا يسمح له بمواكبة هذه الارتفاعات".
وتوقع انسحابا سلبيا للفقراء وأصحاب الطبقة المتوسطة من الاستهلاك، وبالتالي التأثير على مستوى معيشتهم وصحتهم؛ لعدم حصولهم على السعرات الكافية، إلى جانب تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي".
وبين المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة حكومية)، في دراسة له حول تقييم أثر القرارات على الأسر الأردنية في عام 2017، أن الأسر الفقيرة وذات الدخل المتوسط قامت باستبدال بعض السلع بأخرى ضمن أنماط إنفاقهم؛ لمواجهة ارتفاع أسعار السلع غير المرنة مثل السجائر.
بينما تشير أرقام رسمية لدائرة الإحصاءات أن نسبة الطبقة الوسطى في المملكة تبلغ 27% من المجتمع، فيما نسبة الطبقة الفقيرة والمعرضة للفقر 23.2%، الأمر الذي يشكك فيه خبراء اقتصاديون مستقلون.
تحذيرات
بدورها، حذرت نقابة تجار المواد الغذائية من الأضرار التي سيتكبدها القطاع التجاري والمواطنين والمزارعين والصناعيين نتيجة القرارات الاقتصادية الحكومية، وقدرت النقابة، على لسان نقيبها خليل الحاج توفيق، نسبة تراجع مبيعات قطاع المواد الغذائية ب25%؛ نتيجة لضعف القدرة الشرائية للمواطن الأردني.
وقال توفيق إن الرفع طالع سلع أساسية يستخدمها المواطن، ورفعت ضريبة المبيعات عليها من 16-10%، ما أدى إلى تراجع المبيعات بشكل خطير، وارتفاع أعداد الشيكات المرتجعة للتجار، وتسريح موظفين من شركات وإغلاق أخرى؛ بسبب حالة الركود التجاري، وضعف القدرة الشرائية للمواطن، إذ يذهب ما يقارب 40% من دخل المواطن الأردني على الغذاء".
واستغرب ما تقوله الحكومة الأردنية من حماية الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وفرضها في الوقت ذاته ضريبة مباشرة على سلع أساسية.
الحكومة تدافع
بدورها، تصر الحكومة على سلامة إجراءاتها المالية. ويقول وزير المالية الأردني، عمر ملحس، في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن "برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي تم تصميمه بحيث يراعي حماية الطبقة ذات الدخل المتدني. وبتوجيهات من الملك، تم تمكين الطبقة المتوسطة، إلى جانب حماية الطبقة متدنية الدخل، وتم بناء البرنامج على هذا الأساس، وانعكس بوضوح على شبكة الأمان الاجتماعي، التي تتكون هذا العام من 790 مليون دينار، منها دعم نقدي مباشر للمواطنين ومعالجات طبية لغير المقتدرين".
وأضاف أن "هذه الإجراءات الاقتصادية لم تكن سهلة، وكان يجب اتخاذها لتحسين مستوى إيرادات الخزينة، بما يخدم النمو الاقتصادي، وتخفيض العجز، وبالتالي تخفيض الدين العام، ودعم الوضع المالي للخزينة، والذي يدعم وضع الاقتصاد على المسار الصحيح، تمهيدا لمزيد من المستثمرين محليين وعرب وأجانب".
أما الشارع الأردني، فقد التزم الصمت على أرض الواقع، لكنه رفض الإجراءات الاقتصادية في العالم الافتراضي، واحتلت عبارات التنديد والشجب صفحات شبكات التواصل الاجتماعي؛ بسبب عدم توفر أدوات الرفض الشعبي، وغياب قيادات فاعلة تقود الرأي العام الأردني. عربي21