الرد على الإرهاب القاتل بالتشبث بالحياة والفرح

الرد على الإرهاب القاتل بالتشبث بالحياة والفرح
الرابط المختصر

يواجه كل شخص في موقع المسؤولية في نشاط عام ثقافي أو ترفيهي تحدي كيفية التصرف بعد وقوع حادث إرهابي يسفر عن ازهاق حياة أفراد من قوى الأمن.   فمن ناحية يميل المسؤول إلى إلغاء أي من مظاهر الفرح والاستمتاع خوفا من النقد اللاذع بأن الجهة المنظمة للحفل لا تحمل أي مشاعر نحو أهل الفقيد، خاصة إذا كان الضحية قد مات دفاعا عن حق وحرية المواطن في الاستمتاع بالحياة العادية والتي تشمل الفرح والترفيه والاستمتاع بالغناء والطرب.   إلا أن هناك رأيا آخر أكثر صعوبة وعلى من يتخذه أن يكون صلب الرأي ومستعدا لتحمل بعض النقد، ويتركز هذا الرأي على ضرورة الاستمرار في الحياة وعدم السماح لمن حاول إرهاب الناس بتحقيق أهدافه.  

يجب أن تشمل أي استراتيجية جديدة لمكافحة التطرف الإصرار على ضرورة الاستمرار في الحياة والنشاط والفرح

في فلسطين وبعد أربع وعشرين ساعة من قيام الطائرات الإسرائيلية بقصف مبنى مركز المسحال الثقافي في غزة الخميس 9 آب/أغسطس وتدميره بالكامل، وقفت فرقة من الشبان الفلسطينيين فوق الركام وصدحت بالأغاني الوطنية. والجدير بالذكر أن المركز كان يضم ثاني أكبر مسرح في قطاع غزة. وفي الفحيص، في الأردن، ورغم وقوع انفجار في محور القرية أدى بحياة رقيب الدرك علي عدنان القوقزة إلا أن إدارة المهرجان وبالتنسيق مع قوى الأمن قررت الاستمرار في الحفل الذي كان يقدمه الفنان التونسي صابر الرباعي. اقرأ للكاتب أيضا: ضرورة حماية 'الأونروا' وقد ترحم صابر الرباعي على العنصر الأمني الذي قتل في هذا الانفجار ووجه التعازي لأهله وختم حديثه قائلا: "الحياة يجب أن تستمر رغم المآسي.. إننا شعب يتسم بالتحدي ومواجهة الصعاب ونتحدى العالم بصمودنا بفخر وبعروبتنا وبانتمائنا إلى أوطاننا". وقد صرح في ما بعد مصدر مسؤول في إدارة المهرجان أن "استمرار الحفل كان رسالة للجهات التي نفذت الهجوم الغاشم، بأن رسالة الفرح في الأردن لن تتوقف".     وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قال النائب قيص زيادين "رحم الله الشهيد البطل، والخزي والعار للإرهاب وداعميه بالسر والعلن". وأنهى تصريحه بالقول "نقف صفا واحدا خلف جيشنا وأجهزتنا الأمنية في مواجهه سرطان الإرهاب وأعداء الفرح والحياة".     في الولايات المتحدة وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر دعا الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن الأميركيين بالذهاب مع عائلاتهم إلى الأسواق التجارية وديزني لاند. وبعد التفجير الإرهابي في بوسطن خلال الماراثون قال الرئيس باراك أوباما إن أهم رد على الإرهابين هو الإعلان عن موعد ماراثون العام التالي. لكن رغم قناعة كثيرين بأهمية الاستمرار في الحياة كأفضل رد على الإرهاب، لا يتحلى عديد من المسؤولين بالثقة والشجاعة الكافية والتي تتطلبها القيادة الحقيقية. فالقائد الحقيقي هو من يدعو إلى ما هو ضروري وليس لما هو مرغوب به عاطفيا.  

الرد الأقوى على قوى الظلام هو الإصرار على التنوير وإضاءة شموع الحياة المليئة بالفرح

وقد عبر عن هذا الأمر بقوة الكاتب الأردني كامل نصيرات في مقال بصحيفة الدستور الأردنية بعنوان "فلنحاسب أنفسنا لما حدث" جاء فيه: "لماذا يتم إلغاء مهرجان صيف عمان؟ هذا مهرجان للفرح.. والتكفيريون من أهدافهم قتل الفرح.. فلماذا ساهمنا معهم بذلك؟ لماذا جعلناهم ينجحون في ذلك؟ سيقول قائل: تكريما للشهداء.. وأنا أقدم وجهة نظر أخرى؛ تكريم الشهداء يتم بالانتصار على أفكار من قتلوهم.. وإحدى الأفكار هو أن تستمر الحياة".     بعد عام من هجمات العام 2016، شهد العام 2017 هدوءا في الأردن، لكن الإرهاب والعنف ضرب مرة أخرى في صيف 2018. الغريب أن حديث رأس الدولة الأردنية والحكومات المتعاقبة أكد على ضرورة نزع الإرهاب من جذوره وعدم توفير حاضنة له، لكن لغاية الآن لا توجد استراتيجية لمكافحة التطرف في الأردن. أقيمت الندوات وقدمت العديد من المؤسسات المحلية والدولية اقتراحات تصلح لتكون استراتيجية رسمية لمكافحة مسببات العنف والتطرف، إلا أن تلك الاقتراحات وضعت في الأدراج ولم يتم إقرارها أو الإعلان عنها وتنفيذها.     وفي حال قررت حكومة عمر الرزاز وضع استراتيجية لمكافحة التطرف وشاركت مؤسسات ونشطاء المجتمع المدني في صياغتها والعمل مع الحكومة في تنفيذها، فلا بد أن تشمل تلك الاستراتيجية سحب مسببات للفكر التكفيري، وفي نفس الوقت الإصرار على عدم توفير النتائج المرجوة لمن يقوم بأعمال هدفها إرهاب المواطنين. يجب أن تشمل أي استراتيجية جديدة الإصرار من أعلى مستويات الدولة بالقول والفعل على ضرورة الاستمرار في الحياة والنشاط والفرح. فمع محاربة التطرف وقوى الظلام والتكفير بكافة أشكالها من الضروري الإصرار على الحياة بكافة عناوينها والإصرار على مظاهر الفرح مهما كانت الظروف. الرد الأقوى على قوى الظلام هو الإصرار على التنوير وإضاءة شموع الحياة المليئة بالفرح. *الحرة

أضف تعليقك