"التقشف الحكومي" يطال مرضى السّرطان وينتهك حقهم بالعلاج

"التقشف الحكومي" يطال مرضى السّرطان وينتهك حقهم بالعلاج

توجهت أماني (20 عاماً) إلى الديوان الملكي لتجديد إعفائها الطبي من أجل استكمال علاجها في مركز الحسين للسرطان، وفق ما اعتادت عليه سنوياً منذ تشخيصها بمرض سرطان الدم الحاد عام 2004.

 

لكنها لم تتمكن هذه المرة من تجديده، نتيجة قرار الحكومة الجديد الذي يقضي بإيقاف تحويل مرضى السرطان -المشمولين بالتأمين- إلى مركز الحسين المتخصص في علاج هذا المرض إلّا في أضيق نطاق، وتوجيههم إلى مستشفى البشير الحكومي لتنظر لجنة طبية في سجله، وتقرر جهة العلاج الملائمة، علماً أنّ المريضة أماني لا تمتلك تأميناً صحياً، ولا ينطبق عليها القرار.

 

أماني التي بدت قلقة من عشوائية تطبيق القرار الحكومي، تخشى أن يقف حجر عثرة في طريق علاجها، كونها تتلقى العلاج في مركز الحسين بموجب إعفاء طبي من الديوان الملكي منذ 13 عاماً، كما أنها ليست من الفئة العمرية المشمولة بمظلة التأمين الصحي المدني، والتي تضم الأطفال دون سن السادسة، ومن هم فوق الستين عاماً.

 

"فوجئت بتطبيق القرار الجديد على الجميع وليس الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً فقط"، تروي أماني، مضيفة: "يتوجب عليّ الآن انتظار قرار اللجنة الطبية، ثم التحويلة إلى أحد المشافي الحكومية، فيختلّ كل نظامي العلاجي الذي جعلني أقاوم المرض كل هذه السنوات".

 

وتتشابه حالة أماني مع حالة أبي سامي الذي يبلغ من العمر 55 عاما، حيث رفض الديوان الملكي تجديد إعفائه، وأحيل إلى لجنة طبية لتقرر جهة العلاج المناسبة.

 

وبحسب بيان صادر عن رئاسة الوزراء في التاسع عشر من فبراير/ شباط الجاري، فإن القرار يخص من تتجاوز أعمارهم 60 عاماً نتيجة شمولهم بمظلة التأمين الحكومي، وفي حال تم تشخيص أي منهم بالسرطان، ستكون هناك لجنة طبية تقرر مكان معالجتهم، سواء في مستشفيات وزارة الصحة أو الخدمات الطبية أو المستشفيات الجامعية أو مركز الحسين للسرطان.

وتزامن رفض وحدة شؤون المرضى في الديوان الملكي تجديد الإعفاءات للمنتفعين بها، مع تأكيدات رئيس الوزراء هاني الملقي على الاستمرار بمعالجة جميع المرضى الخاضعين للعلاج في مركز الحسين للسرطان، إضافة إلى تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني  بـ "أن من بدأ علاجه في مركز الحسين للسرطان لن يتم نقله إلى أي مكان آخر، وسيطبق القرار على المؤمنين الجديد فقط"، لكن فعلياً لم يستثنى أحد من القرار، إذ قام الديوان بمعاملة كافة المرضى كالمؤمنين الجدد، وأحالهم إلى مشفى البشير الذي يتولى أمر التحويلات الطبية إلى الجهات الأخرى، بحسب ما رصدت معدة التقرير.

 

مرضى السرطان وذووهم تلقوا القرار الحكومي بقلق بالغ أدخل المزيد من الخوف إلى حياتهم، فالمرضى الذين كانوا يقضون ساعات طوال في مركز متخصص بعلاج دائهم، بات عليهم الآن التّوجه إلى المشافي الحكومية لتلقي علاجهم، رغم ما تشهده الأخيرة من اكتظاظ وتنام في الطلب على خدماتها، مما يضيف عبئاً جديداً على مرضى السرطان، بالإضافة إلى إجراءات التحويل الطويلة من مشفى إلى آخر بحثاً عن الخدمة الطبيّة المطلوبة، والذي ينعكس سلباً على صحتهم.

 

ويشمل القرار الأخير 1400 مريض بالسرطان تتجاوز أعمارهم 60 عاماً، تمّ شمولهم بالتأمين الصحي المدني بموجب قرار رئاسة الوزراء الصادر في ديسمبر/كانون أول المنصرم.

المرضى: الحكومة والسرطان يحرموننا الأمان

يؤكد دستور منظمة الصحة العالمية على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان دون تمييز، ويشمل هذا الحقّ الحصول على الرّعاية الصحية المقبولة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب.

 

وبلا شك، أن الحكومة الأردنية تنتهك هذا الحقّ بتعقيد إجراءات علاج مرضى السرطان والإسهام في تأخيره، وهذا ما دفع المرضى إلى رفع شعار (الحكومة والسرطان يحرموننا الأمان)، خلال اعتصامهم الاحتجاجي الذي نظموه في العشرين من شباط الجاري أمام رئاسة الوزراء.

 

تبنّى الأردن الإطار الشامل لمنظومة حقوق الإنسان، واعتبر العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية جزءاً من المنظومة التشريعية لحظة نشرهما في الجريدة الرسمية عام 2006، بعد التوقيع والمصادقة عليهما.

 

وتؤكد المادة الثانية عشرة من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حق المواطنين بالتمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية، وتشمل الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتوفير العناية الطبية للجميع.

 

فضلاً عن ذلك، يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية حقوق الطفل الحقّ في الصحة لكل إنسان، كما تبنى الأردن الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام (2004(، والذي ينص في مادته التاسعة والثلاثين على "حق كل فرد في المجتمع في التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والعقلية، وفي حصول المواطن على خدمات الرعاية الصحية الأساسية مجاناً وعلى العلاج دون أي نوع من التمييز". كما أوضحت وزيرة الثقافة سابقاً المحامية أسمى خضر.

 

وتؤكد خضر جسامة تعريض حياة أي شخص للخطر بمنع العلاج عنه أو عرقلة الوصول إليه، ويترتب على ذلك عقوبات جزائية تقدر حسب حجم الضرر.

سياسة تقشفية

لم تقف سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة الأردنية منذ مطلع عام 2018 عند حدود رفع الضرائب وأسعار السلع بمختلف أنواعها، بل طالت قطاع الصحة والبرامج الصحية للمرضى وعلى رأسهم مرضى السّرطان.

 

وفي الوقت الذي يتكرر الحديث عن معاناة ذوي الأمراض المزمنة الذين يتواترون على مشافي وزارة الصحة الأردنية، تزج الأخيرة بمرضى السرطان إلى دائرة المعاناة تلك، وذلك لما اعتبرته "ضبطا للنفقات"، مما يضع الصّحة في مواجهة السؤال الأكبر حول قدرة المراكز والمستشفيات التابعة لها على استيعاب الأعداد الجديدة من المرضى، علماً أن عدد المواطنين المشمولين بالتأمين الصحي وصل 3 مليون أردني مطلع العام الجاري، وهو آخذ بالازدياد، بحسب إدارة التأمين الصحي في الوزارة.

 

وبحسب إحصائيات مركز الحسين للسرطان فإن معدل الإصابة بهذا المرض أردنياً يقدر بـ 130 حالة لكل 100 ألف نسمة، كما تُسجل 5400 إصابة جديدة بالمرض لأردنيين سنوياً.

 

ورغم ما يعانيه القطاع الصحي في الأردن من تراجع يتزامن مع ازدياد الطلب على خدمات المراكز والمشافي الحكومية، نجد الحكومة تقلص مخصصات الصحة لتخفيض العجز الحاصل في ميزانية الدولة، ومقارنة مع السنوات الثلاث السابقة، فقد انخفضت الميزانية المخصصة للقطاع الصحي في آخر عامين، وهذا ما سينعكس حتماً على نوعية الخدمات الصحية المقدمة، وعلى حجم الشريحة التي ستتمكن المستشفيات من استقبالها.

 

واقع المرضى يعزز المخاوف

في ظل تقليص مخصصات الصحة، تشهد المراكز والمشافي الحكومية ازدياداً في الطلب على خدماتها، نتيجة لتزايد أعداد السكان، وتوجه اللاجئين السوريين إليها.

ويؤم الأردنيون، ممن لا يستطيعون تلقي العلاج إلا في القطاع العام، سواء أكانوا مؤمنين أو غير مؤمنين صحيا 32 مستشفى حكومي موزعة على محافظات المملكة، ويتردد المصابون بأمراض مزمنة، كمرضى السكري والكلى وغيرها، إلى المشافي بشكل دوري للحصول على الأدوية المقررة وإجراء الفحوص اللازمة، في الوقت الذي تشهد فيه موازنة وزارة الصحة ومخصصات الإعفاء الطبي تراجعا، إذ بلغت مخصصات الإعفاءات 100 مليون دينار لعام 2018، بينما كانت 155 مليون دينار عام 2017، وتم حصرها بوحدة شؤون المرضى التابعة للديوان الملكي الهاشمي وسحبها من رئاسة الوزراء، ترشيداً للنفقات ومنعاً للفوضى.

 

حملة الخبز والديمقراطية (حملة وطنية للدفاع عن حقوق المواطن)، بينت في دراسة أجرتها أن ازدياد عدد السكان بنسبة 33% عن ما كان عليه قبل 5 سنوات، انعكس على عدد الأسرّة المخصصة لكل أسرة في مشافي الوزارة، حيث انخفض العدد من 18 سريراً لكل 10000 مواطن، ليصل 14 سريراً لكل 10000 مواطن.

 

في الفترة الأخيرة، قرعت شكاوى المرضى جرس الإنذار في المملكة، فعندما يضطر المرضى الذين أجروا عملية بتر لأحد أعضائهم نتيجة إصابتهم بمرض السكري  للانتظار سنة أو أزيد قبل حصولهم على موعد لتركيب طرف صناعي، مما يؤدي إلى ضمور عضلاتهم، ويصبح التركيب أصعب، وعندما تتعالى صرخات مرضى الكلى بسبب استخدام فلاتر بأحجام غير مناسبة في عملية الغسل، مما يضاعف آلامهم ويرهق أجسادهم التي هزلت من الغسل المتكرر، فلا بدّ أن هناك قصورا واضحا ونقصا في المتطلبات العلاجية في مشافي الوزارة، مما يدلل على عدم جاهزيتها لتحويل مرضى السرطان إليها، وحرمانهم من العلاج في مركز متخصص.

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

 

 

أضف تعليقك