الاطفال المعاقين ضحايا لا يحميهم القانون
"ارسل طفلك الى المقبرة، اسهل من ان ترسله الى المدرسة", بهذه العبارة رد محمود طهبوب على رفض وزارة التربية والتعليم استقبال طفله حمزة في مدارسها، الرفض الذي بررته بانها غير مؤهلة لذلك.
يعاني حمزة ( 8 سنوات ) من متلازمة داون المعروفة بـ “البلاهة المنغولية” التي شخصها الاطباء قبل ان يطفئ شمعته الاولى.
الاب طهبوب، لم يقف مكتوف اليدين تجاه مرض ابنه فسعى جاهداً لتدارك الامر من خلال الحاقه ببرنامج التدخل السريع الذي توفره جمعية الياسمين لاطفال متلازمة داون.
بعد اربعة سنوات قضاها حمزة في البرنامج اعلنت الجمعية شفائه، كما يقول والده، الذي بدء مرحلة جديدة في علاج طفله.
هُنا، وبهدف دمج حمزة في المجتمع طرق الوالد ابواب وزارة التربية والتعليم ليحق طفله في المدرسة عند بلوغة السابعة من عمره، لكن ابواب المدارس الحكومية اغقلت ابوابها دون استقبال حمزة.
يقول والده " عرض حمزة على لجنة مختصة في وزارة التربية والتعليم حيث قيمت مستوى ذكائه بالجيد، رغم ذلك كان الرد الرسمي لا يوجد مدارس مؤهلة لاستقباله".
الطفل يجلس اليوم حاله حال العشرات ممن يعانون من متلازمة داون على مقعد الدراسة في مدرسة خاصة باهضة الرسوم تبلغ حسب والده 2500 دينار سنوياً، يساهم المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين بـ700 دينار منها.
اغلاق المدارس الحكومية ابوابها دون حمزة ونظرائه، والمساهمة المتواضعه من قبل المجلس يرى فيه طهبوب انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان واتفاقية الطفل وقانون الاشخاص المعوقين الذي كفل لهم الحق بالتعليم.
يذكر ان الاردن من اول الدول العربية التي وقعت على اتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، التي تنص على حقهم في التأهيل والتعليم وتوفير المؤسسات والمراكز التي تلبي كامل احتياجاتهم.
يطالب طهبوب بمراجعة التشريعات وتطبيقها بحذافيرها، لا ان تبقي حبراً على ورق كما هو الحال.
وبلغ عدد المؤسسات التي تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة حتى نهاية عام 2011 ما يقارب (291) مؤسسة و(12) نادي رياضي للأشخاص ذوي الإعاقة، بحسب المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين.
ليست المدرسة فقط
ليس اغلاق المدراس الحكومية امام الاطفال المعاقين المشكلة الوحيدة تقول مديرة مركز الامان للتربية الخاصة ريم ابو سنه، الامر يتجاوز ذلك.
تقول " لا يوجد مؤسسات مؤهلة لخدمة الاطفال المعاقين تحت سن الخامسة، الموجود منها رديء ولا يلبي الحد الادنى للمتطلبات".
وتشير الاحصائيات العالمية الى ان نسبة انتشار الاعاقات في الاردن بين الاطفال 10- 15 بالمئة، وسط غياب لإحصائيات رسمية اردنية.
غياب المراكز يصاحبه غياب في دور المؤسسات الحكومية والخاصة في توعية الاهل في كيفة التعامل مع اطفالهم من ذوي الاعاقات، حسب ابو سنه تطالب بتأهيل المراكز الموجودة والتوسع في فتحها والزامها بتعيين اصحاب الكفاءة في التعامل مع الاطفال، كما تطالب بإلزام المراكز بعقد برامج توعيه دورية للاهل في كيفية التعامل مع ابنائهم المعاقين.
يستقبل المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين يوميا العديد الشكاوى والطلبات المقدمة من الأشخاص ذوي الإعاقة والمتعلقة بحقوقهم ، مطالبينها العمل على إزالة آثارها من خلال التنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة و متابعتها ( كالحق في التعليم ، العمل ، إمكانية الوصول ، الاعفاءات الجمركية ، العنف ).
هو واقع لم يغيره ما احدثه الفيلم الوثائقي ” جدران الصمت” من غضب ملكي على الانتهاكات التي تمارس بحق الاطفال المعاقين في دور الرعاية.
الفيلم الذي اعدته وحدة الصحافة الاستقصائية في ردايو البلد وعرض منتصف ايار الماضي على شبكة البي بي سي كشف تلك الممارسات، فتحرك الملك شخصياً لتغلق دور الرعاية التي ظهرت في الفيلم ويحال المتورطين بالانتهاكات الى القضاء قبل ان تشكل لجنة تحقيق خلصت للكشف عن فضائع اخطر مما كشف في الفيلم، غير ان الصمت اطبق على القضية كلها، وعادت الانتهاكات الى مجاريها.
يقول عضو لجنة التحقيق بأوضاع مراكز الرعاية الاجتماعية اخصائي الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان لم نشهد تغيراً للواقع بعد ما حدث في اعقاب عرض الفيلم.
مربع العنف، وثنائية المسؤولية
ويكشف جهشان عن اربع انواع انتهاكات يتعرض لها الاطفال المعاقين، وهي : عنف جسدي وعنف جنسي و عنف نفسي بالإضافة الى الاهمال.
يقول، لم تسجل حالات عنف جنسي ضد الاطفال المعاقين تحت سن الخامسة، فيما تشير الإحصائيات، حسب جهشان الى ان اكثر فئة عرضة للعنف الجنسي هن الفتيات المعوقات مابين 12-15عاما.
تكشف الاحصائيات العالمية عن احتمال تعرض الطفل المعاق اربعة اضعاف الطفل غير المعاق للعنف الجسدي ، فيما يصل احتمال تعرض الطفل المعاق للعنف الجنسي في حده الاعلى الى عشرة اضعاف الاساءة الجنسية التي يتعرض لها غير المعاق.
هذا وكشف المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين تعرض الاطفال المعوقين لانتهاكات جسيمة من قبل الاسرة والمجتمع، ما يجعله عرضة للاعتداء الجسدي والجنسي، اضف الى ذلك الاهمال والمتعابعة الصحية.
ويعترف المجلس بــ قلة خدمات التدخل المبكر في القطاع العام، وفي حالة وجودها في القطاع الخاص فتكون التكلفه عالية، مشيرا في الوقت ذاته عدم توفر برامج للأطفال المتأخرين نمائيا خاصة اطفال ذوي الاضطراب التوحد اضافةً الى ضعف التشخيص.
لكن جهشان وهو يحمل الرسميين مسؤولية التقصير في رعاية الاطفال ذوي الاعاقة من خلال عدم توفير البيئة المناسبة لرعايتهم في المؤسسات الحكومية، ويحمل ايضاً الاهل مسؤولية اهمال اطفالهم المعاقين، والتمسك بعقلية تنظر للمعاق على اعتباره وصمت عار للعائلة
وبحسبه فان الاطفال المعاقين يكون عرضة للاهمال من قبل الاهل مقارنة بأخوته الاصحاء، ويرصد ارتفاع حالات التعنيف التي تراجع مركز حماية الاسرة والتي يكون المعنف فيها من ذوي الاعاقة، دون ان يكون هناك احصائيات رسمية توثق ذلك.
جهشان ينتقد افتقار التشريعات الاردنية لقوانين تجرم العنف النفسي الذي يتعرض له الاطفال سواء ذوي الاعاقة او غير المعاقين.
قوانين على الورق
يلزم الاردن نفسه باتفاقية حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة، والتي تنص في المادة الثالثة منها بعدم التمييز والمساواة وتكافؤ الفرص والدمج، يتساءل الناشط الحقوقي في مجال الاعاقة الدكتور مهند العزة، هل نحن ملتزمون بذلك ؟
و تلزم الاتفاقية الاردن ايضأ بضمان احترام الاطفال وكرامتهم والحفاظ على هويتهم المتطورة.
ويرصد العزه افتقار التشريع الاردني الخاص بالأشخاص ذوي الاعاقة لأي تدابير او احكام او بنود تتعلق بحقوق الاطفال ذوي الاعاقة او اي تدابير تتعلق بحمايتهم
المشكلة ليس في غياب القوانين فقط، بل في عدم تطبيقها وتفعيلها كما يرى، هي مجرد حبر على ورق.
وزيادة في ترك الاطفال المعاقين في مواجهة الانتهاكات، يقول العزة خلت الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالأطفال ذوي الاعاقة رغم تضمنها بنود جديدة تنص على حمايتهم، من التدابير الواضحه التي من شانها ان تكفل حماية الاطفال وتعزز هويتهم وشخصيتهم.
هنا، يؤكد المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين ان مرجعيته لضمان حقوق المعوقين هي المعايير الدولية اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتشريعات الوطنية المتمثلة بقانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 31 لسنة 2007 .
ن جانبه يرى عضو مؤسسة العون القانوني المحامي بسام الضمور ان التشريع يجب ان يبدأ مع ولادة الطفل من ذوي الإعاقة "النصوص التشريعية يجب ان تتواكب مع نمو الطفل".
ويؤكد الضمور قصور القوانين والتشريعات الخاصة بذوي الاعاقة، خاصة وان قانون المعاقين والانظمة المنبثقة عنها تتحدث بشكل خاص عن المباني والاماكن التي يجب توفيرها لهم.
ويقول الضمور لا يوجد تشريع ينص على تقصي الحالات من ذوي الاعاقة والبحث عنها، وحتى متابعتها صحيا.
مؤكدا الحاجة لتشريع شامل يتضمن مفهوم الرعاية بشكل شامل.
المطلوب اليوم من الدولة، الدفع بإتجاه تفعيل القوانين وتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها في الاتفاقيات الدولية، والمطلوب من المجتمع ان يغير نظرته الى ذوي الإعاقات، حسب العزة، ليبدأ الانجاز.
مزيد من تقارير وثائقيات حقوق الإنسان