الأردن يعرّض حياة لاجئين سوريين للخطر بإعادتهم قسرا إلى بلادهم

الأردن يعرّض حياة لاجئين سوريين للخطر بإعادتهم قسرا إلى بلادهم

 

  • الأردن يخالف القانون الدولي والمفوضية السامية تفشل في منع الإبعاد
  • وزارة الداخلية تحجب المعلومات و "العمل" تبعد 103 عمال

ما إن وطأت قدماه أرض الأردن لاجئاً في مطلع مايو/ أيار 2013 حتى تنهد الصعداء على "نجاته" من القتل في حربٍ مشتعلة منذ أربع سنوات. على أن ظنّ اللاجئ السوري الخمسيني محمد، قد خاب.

مع تصاعد وتيرة الحرب في سورية، لجأت شقيقة محمد إلى الأردن، أوائل أكتوبر/ تشرين أول 2014، ليستقر بها المقام في مخيم الأزرق للاجئين. فما كان من محمد الذي يَسكن في مدينة الرصيفة شرقي عمان، إلا أن شدّ الرحال لزيارتها هناك، في رابع أيام عيد الأضحى 2014.

وبمجرد دخوله باب المخيم طلب منه رجال الأمن العام إبراز كفالته، كشرط للزيارة. فاعتذر لهم عن عدم حملها، وأبرز بطاقة الخدمة الخاصة بالجالية السورية المثبت عليها اسم الكفيل، والصادرة من مركز أمن الرصيفة.

 

اللجوء في أرقام:

- يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن 625598 فردا.

-83848 لاجئ سوري يعشون حاليا في مخيم الزعتري. (الذي أنشئ عام في عام 2012)

-13903 لاجئ في مخيم الأزرق. (الذي أنشئ  عام2014)

-5111 لاجئ سوري في المخيم الإماراتي الأردني.

- 49.3 % من اللاجئين ذكور.

- 50.7  % إناث

- عدد اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية 14500 لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

*  المصدر المفوضية السامية للشؤون اللاجئين.

 لم يسمح له الأمن بإحضار الكفالة، رغم مناشدته المتكررة.  واحتجزوه بالمركز الأمني في مخيم الأزرق. وفي صباح اليوم التالي، رُحّل إلى مركز رباع السرحان لاستقبال اللاجئين، سبعة كيلومترات عن الحدود الأردنية-السورية. هناك أعاد رجل الأمن لمحمد هويته السورية، وأصعدُه باص "الترحيلات"، الذي قذفه في العراء على  الحدود. كان ذلك خامس أيام عيد الأضحى الماضي، رغم أنه مشمول برعاية وحماية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من العودة القسرية إلى سورية، حيث حياته وحريته مهددتان.

لم يمض اليوم العاشر على محمد في قرية نصيب الحدودية بين سورية والأردن، حتى سقطت قذيفة على مسجد القرية الذي يؤويه، ففارق الحياة قتيلاً، تاركاً خلفه زوجةً مكلومة، وسبعة أطفال.

يقول ابنه الأكبر عبد (20 عاما): "إلنا الله والدي انظلم .. ما كان يطلع من البيت هون، وما عمل  أشي حتى يسفروه، ويستشهد هناك".

على غرار محمد، وثق معدا التحقيق حالات طرد عشرة لاجئين سوريين إلى بلدهم على يد الأجهزة الأمنية ومديرية شؤون اللاجئين التابعة لوزارة الداخلية بين سبتمبر/ أيلول 2014 و إبريل/ نيسان 2015، ضاربة بعرض الحائط تدخّلات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. قرارات الإبعاد "الإدارية" تنفّذ على الفور دون أن تبلغ الأجهزة الأمنية المبعدين بحقهم في الطعن ضد هذه القرار أمام المحكمة الإدارية.

وبحسب التشريعات الأردنية، لا يحق للأجهزة الأمنية تقرير إبعاد الأجانب، نظراً لأن قرارات التسفير والإبعاد تناط بكل من وزير الداخلية بموجب المادة 37 من قانون الإقامة وشؤون الأجانب رقم  37 لسنة 1973، ووزير العمل استناداً للمادة 12 من قانون العمل رقم 24 لسنة 1996. غير أن قرارات الإبعاد هذه "لا تنطبق على اللاجئين السوريين لكونهم أجانب غير عاديين لديهم مشكلة في بلدهم سنداً للمبدأ الدولي العرفي باحترام عدم الطرد" بحسب أستاذ القانون الدولي د.أيمن هلسة.

المادة (37) من قانون الإقامة وشؤون الأجانب رقم 24 لسنة 1973

للوزير بتنسيب من المدير حق إبعاد الأجانب وله أن يأمر بتوقيف من تقرر إبعاده مؤقتاً حتى تتم إجراءات الإبعاد ولا يسمح للأجنبي الذي سبق إبعاده بالعودة إلى أراضي المملكة إلا بإذن خاص من الوزير.

وتوصل معدا التحقيق إلى أن الأجهزة الأمنية ومديرية شؤون اللاجئين شتتا أواصر عشر أسر سورية لاجئة للأردن، بطرد أفراد منها إلى سورية بعد أن استقروا في الأردن، حيث خطر الموت قتلاً، جوعاً أو سقما تاركين أسرهم في غربة اللجوء.

وبذلك تخالف الحكومة الأردنية اتفاقية مناهضة التعذيب وهي اتفاقية دولية تسمو على التشريعات الوطنية، ومصادق عليها رسمياً عام 2006، بما تنص على الالتزام بمبدأ عدم إبعاد أو رد أي شخص إلى دولة أخرى تكون حياته فيها معرضة لخطر التعذيب، وفق ما يؤكد أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة الإسراء د. أيمن هلسة. "مبدأ عدم الإعادة القسرية إلى الدولة التي هرب منها هو مبدأ عرفي، فجميع الدول ملزمة به سواء وقعت الاتفاقيات المعنية أم لم توقع. فالالتزام المترتب على الأردن من ناحية دولية، يأتي من العرف الدولي ومن الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب لسنة 1984، والأردن مصادق عليها حسب الأصول الدستورية".

المادة (12/ز) من قانون العمل رقم 24 لسنة 1996.

يصدر الوزير قرارا بتسفير العامل المخالف لإحكام هذه المادة  إلى خارج المملكة على نفقة صاحب العمل أو مدير المؤسسة، ويتم تنفيذ هذا القرار من قبل السلطات المختصة، ولا يجوز إعادة استقدام أو استخدام العامل غير الأردني الذي تم تسفيره قبل مضي ثلاث سنوات على الأقل  من تاريخ تنفيذ قرار التسفير.

كما تخالف الحكومة الموقعة من قبلها مع المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين والمعدلة عام 2014، بعدم احترامها لمبدأ عدم رد أو إبعاد أي شخص يطلب اللجوء في الأردن، وفقاً لهلسة.

يحدث ذلك في ظل فشل المفوضية السامية عن حماية الأشخاص المشمولين برعايتها من الإعادة القسرية إلى بلادهم، حيث يواجهون تهديداً لحياتهم وحريتهم هناك.

ووسط تضارب الأرقام، تحجم وزارة الداخلية – المسؤولة عن الأمن العام ومديرية شؤون اللاجئين– عن تقديم أي معلومات عن هذا الملف، في حين تتحدث وزارة العمل عن إبعاد 103 سوريين بين عامي 2011 و2014 بسبب مخالفتهم قانون العمل، دون أن تحدد فيما إذا كانت أسماؤهم مدرجة ضمن لوائح اللاجئين.

حاول معدا التحقيق الاطلاع على الأسماء، والتأكد منها فيما إذا كانت مسجلة لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لكن الوزارة رفضت، بدعوى الخصوصية.

المادة (2) مذكرة تفاهم بين الحكومة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين الموقعة عام 1998، والمعدلة 2014.

بغية تعزيز مؤسسة اللجوء في المملكة الأردنية الهاشمية وتمكين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من القيام بواجباتها في تقديم الحماية الدولية للأشخاص الواقعين تحت ولايتها لتفق الطرفان:

أ) على وجوب احترام مبدأ عدم طرد أو رد أي لاجئ يطلب اللجوء في المملكة الأردنية الهاشمية بأي صورة إلى الحدود أو الأقاليم حيث تكون حياته وحريته مهددتان بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى  فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.

 

 

وتشتكي منظمات أممية - هيومن رايتس ووتش، وتقرير مشروع تحليل احتياجات سورية الصادر عن ثلاث منظمات دولية غير حكومية (المجلس النرويجي للاجئين، ومنظمة إنقاد الطفل، والعمل ضد الجوع) -  من أن السلطات الأردنية أبعدت لاجئين سوريين إلى بلادهم، بينما يرجع حقوقيون أسباب ذلك إلى مخالفة قانون العمل أو إحداث خروق أمنية.

مشروع تحليل احتياجات سورية يرصد في تقرير نشره في أكتوبر/ تشرين أول 2014 "ارتفاع حالات إبعاد اللاجئين السوريين، على يد السلطات الأردنية، وبخاصة حملة الوثائق غير السارية، قديمة أو من الذين كانوا يتنقلون بين سورية والأردن خلال الأزمة السورية". وينبه المشروع إلى أن هذه الممارسة "تضع عدداً كبيراً منهم تحت خطر الإعادة القسرية".

مستضعفون لم يسلموا

في تقريرين أصدرهما أواخر 2014، وثّق مكتب (هيومن رايتس ووتش) في عمان إبعاد 30 لاجئاً سورياً إلى بلادهم خلال ذلك العام، وفق آدم كوغل ممثل المنظمة في الأردن، الذي يصنّف المبعدين على أنهم مستضعفون.

يضم هؤلاء المبعدون 12 جريحاً ومصاباً كانوا يتلقون العلاج في مركز الكرامة لإعادة التأهيل في مدينة الرمثا (على بعد خطوات عن توأمها مدينة درعا السورية ونحو 90 كيلو مترا شمالي عمان) . وأبعد أيضاً أطفال غير مصحوبين بذويهم.

يفيد التقريران بأن جميع المطرودين مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

"ركزنا في عملنا على المستضعفين مثل الأطفال والجرحى، لأننا كمنظمة من الصعب أن نفكر أن الأطفال والجرحى سبب في مشكلة أمنية، يعني المشلولين غير قادرين على المشي، وبالتالي يجب أن نعرف السبب الحقيقي لقذفهم إلى سورية، كون بعض الحالات الأخرى تقول الحكومة أنهم يهددون أمن البلد"، وفق ما يقول آدم.

 

العمال السوريين في الأردن.

-  13814 عامل سوري يحملون تصاريح عمل من وزارة العمل منذ (2011- 2014).

- 23500 عامل سوري مخالف مضبوط من قبل وزارة العمل منذ (2011-2014).

- بلغ عدد العمالة السورية التي تم إصدار قرار تسفير بحقها 103 عمال منذ (2011-2014).

أسرة أم رسول

ما إن وضعت اللاجئة السورية أم رسول مولودتها براءة، حتى طردت الأجهزة الأمنية زوجها إلى سورية بلا سبب، كما تقول. فتشتت شمل العائلة، أبٌ تحت النيران، وأمٌ من حمى النفاس تأن، وخمسة أطفال كبيرهم صغير.

"لم يراعوا وضعه أبدا. ما خلّوه يشوف بنته وهي بالخداج ولو ساعة، كل أشي اختلف عليّ مصروف البيت، دراسة الأولاد، ما كان عندي طفلة رضيعة، هاي مسؤولية"، حسبما تستذكر أم رسول. وتضيف: "احنا إجينا هنا مشان نعيش بأمان، مش يرجعونا على بلادنا، ليش دخلونا ليقلعونا (يطرودنا)"؟

الإبعاد يعني الموت

اللاجئ السوري أبو رسول المطرود يؤكد لنا في شهادة مصورة أرسلها عبر الهاتف الخليوي من سورية "أن ثلاثة لاجئين سوريين لقوا حتفهم هناك، بعد أن طردتهم السلطات الأردنية  نهاية أكتوبر/ تشرين أول 2014". القتلى الثلاث كان قد تعرف عليهم أبو رسول في جامع قرية نصيب، بعد طردهم من الأردن. ليلقوا حتفهم بعد سقوط قذيفة على الجامع.

ولم يتسن لمعدي التحقيق التأكد من أسمائهم، ومتى طردوا من الأردن، وذلك لانقطاع التواصل مع المصدر بسبب سوء خطوط الاتصالات.

وللوقوف على خطورة إبعاد اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد مأمون أبو نوار: "سورية ما فيها أمان، سورية فيها مذابح، الله يعينهم شيْ لا يوصف بالحقيقة، جوع، حصار وكيماوي، أبشع أنواع الأسلحة استخدمت".

المعارك هناك لا تنحصر داخل الأراضي السورية؛ ففي مطلع إبريل/ نيسان الماضي، سيطرت المعارضة السورية على معبر نصيب الحدودي، الذي يبعد من خلاله اللاجئين إلى بلدهم. إذ أن الاقتتال على الجبهة الجنوبية في سورية المحاذية تزداد ضراوته، بحسب أبو نوار.

بعد ثلاث محاولات لأخذ رأيها، بعثت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لمعدي التحقيق عبر البريد الالكتروني برسالة مقتضبه، مصاغة بحذرة مفادها: "لا نشجع اللاجئين على العودة الطوعية إلى سورية، نظرا لخطورة الوضع هناك".

وتيرة الإبعاد تتصاعد

بمجرد جلوسنا في مكتب المحامي حازم الشخاترة، الكائن في مدينة أربد (90 كيلو متر شمالي عمان- حيث يعيش 250 ألف سوري- وإذ بلاجئة سورية تهاتفه بأن السلطات الأردنية، على وشك لإبعاد ابنها الوحيد إلى سورية؛ لعله يستطيع مساعدتها؟

المحامي الذي يقدم المساعدة القانونية للاجئين السوريين في إربد – 20 كم عن الحدود الأردنية السورية- وثّق إبعاد 22 لاجئا سوريا إلى بلدهم، منذ أوائل عام 2015.

يخشى الشخاترة من أن تتحول مشكلة إبعاد اللاجئين إلى "ظاهرة ونهج" لافتا إلى أن "حجم المشكلة يكبر، وأصبحت الآن تطفو على السطح، وتتنامى يوماً بعد يوم. فكل يوم تأتيني حالات واتصالات". ويضيف: "لدينا أسماء واقعية وأرقام حقيقية، وحالات، ولكن للأسف ما في أرقام دقيقة لحجم المشكلة". ويؤكد أنه "كشخص غطيت هذا الرقم، وبتوقع يكون أضعافه عند ناس يعملوا في ذات المجال، من منظمات ومراكز حقوق إنسان. وهناك لاجئون آخرون لم يصلوا لأحد وتم تسفيرهم على السكت".

"عدد الترحيلات زاد كثيراً عام 2014، لكن لم ألمس أنها زيادة كبيرة في الفترة الأخيرة"، وفق تقديرات ممثل منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوغل.

اختراق محدود

نجح المحامي الشخاترة في حماية ستة لاجئين من الإبعادإلى سورية، 21 % من 28 قضية حاول تقديم طوق النجاة لها من انتهاكٍ يهدد حياتها.

المادة (3) من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة.

1- لا يجوز لأي دولة طرف أن ترد أي شخص أو أن تعيده ("أن ترده ") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.

الحالات الست تم تصويب أوضاعها وترحيلها إلى مخيم الأزرق للاجئين السوريين، بحسب الشخاترة.

لحظة سماع ممثل هومن رايتس ووتش أدم كوغل بإمكانية إبعاد لاجئ، يخاطب "المفوضية، أو الصليب الأحمر، ليتفاوضا مع الحكومة بشكل مباشر.  ففي بعض الحالات ينجحا في منع الترحيل، وفي الجزء الآخر للأسف لا ينجحا"، وفق قوله.

أما المفوضية فتفيد في ردها المكتوب على معدي التحقيق، بأنها "منذ بداية الأزمة السورية دافعت عن آلاف اللاجئين للحيلولة دون ترحيلهم قسراً، ونجحت في الكثير من الحالات". لكنها تستدرك بأن "العديد من الحالات لا تصل إلى علمها، وبالتالي لا يمكنها الحؤول دون ترحيلها".

وترفض المفوضية الإفصاح عن أي أرقام أو إحصائيات عن الترحيل القسري، على أساس أن ذلك من اختصاص السلطات الأردنية.

مخالفة القانون الدولي

تحمل بطاقة  كل لاجئ سوري في الأردن الصادرة عن المفوضية:

"بصفته طالب لجوء، إنه يعد من الأشخاص المشمولين برعاية مكتب المفوضية، ويجب حمايته من العودة القسرية، إلى بلده حيث يدعي انه يواجه تهديداً لحياته أو لحريته

 

"الأردن ينتهك بإعادته القسرية للاجئين السوريين مبدأ عدم الرد في القانون الدولي العرفي، والذي يحظر على الحكومات إعادة الأشخاص إلى أماكن قد تكون حياتهم أو حريتهم مهددة"، طالع تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2014.

القضاء الفيصل

في جميع الحالات العشرة التي وثقناها، لم يراجع أي من اللاجئين المطرودين المحاكم وجهاز القضاء للاعتراض. إذ أن الطريق الوحيد تقديم دعوى لدى المحكمة الإدارية، للطعن في قرار الطرد، لكونه قرارا إدارياً، إما صادراً عن وزير الداخلية أو وزير العمل، وفق الدكتور أيمن هلسة.

القائمون على عملية الإبعاد في إدارة شؤون اللاجئين أو الأجهزة الأمنية، لم يُفهموا أي من اللاجئين المنوي طردهم حقهم القانوني في الاعتراض أو التظلم على قرار الطرد، سواء للجهات القضائية أو الإدارية.

"لم أتعامل لغاية الآن مع أي إبعاد سوري بقرار قضائي، جميع الحالات تكون إبعاد بقرار إداري صادر عن إدارة شؤون اللاجئين أو مديريات الشرطة في مناطق سكناهم"، بحسب المحامي حازم الشخاترة.

"أي شخص يصدر بحقه قرار إبعاد يجب إعطاؤه الفرصة المناسبة للطعن بهذا القرار، من باب تفعيل القانون، وهذا يعني تأجيل عملية الإبعاد، لكي يتاح للشخص المبعد الطعن أمام المحكمة المختصة، لتقديم دفاعه، فيما إذا كان لديه مخاوف أو دلائل من تعرضه للاضطهاد أو التعذيب، وبالنهاية المحكمة تزن البينات وتقرر"، وفقا لأستاذ القانون الدولي أيمن هلسة.

جميع الحالات التي قابلها معدا التحقيق أكدت أن الأجهزة الأمنية لم يطلعوهم على حقهم في الطعن على قرار الطرد أمام المحكمة الإدارية.

الداخلية تحجب المعلومة

في منتصف فبراير/ شباط 2015، بعثنا لوزارة الداخلية بطلب للحصول على المعلومات يتضمن 14 سؤالاً، استناداً لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات رقم 47 لسنة 2007. تضمن الطلب استفسارات عن عدد اللاجئين السوريين الذين أعيدوا قسرا إلى سورية، منذ بدء الأزمة السورية، مع تبيان السند التشريعي والقانوني لذلك، ومن هي الجهة صاحبة قرار التسفير؟

انتهت المدة القانونية (30 يوماً)، دون أن نتلقى أي إجابة، رغم أكثر من عشرة اتصالات بكل من الناطق الإعلامي للوزارة زياد الزعبي، ومدير مديرية شؤون اللاجئين العميد وضاح الحمود. كما بعثنا رسالتين نطلب في إحداها مقابلة وزير الداخلية آنذاك حسين المجالي، والثانية مدير مديرية شؤون اللاجئين، لكن بلا نتائج.

كذلك راجع معدا التحقيق مدير إدارة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية المحافظ المعتز أبو جابر، لعله يجد طريقا أسهل للإجابة. لكن كل محاولاتنا باءت بالفشل.

 

"المجلس" يتخبط

موقف وزارة الداخلية بعدم منح المعلومات، دفعنا لتقديم شكوى خلال المدة القانونية إلى مجلس المعلومات؛ مؤسسة حكومية يرأس مجلسها وزير الثقافة.

غير أن المجلس قرر بأغلبية أعضائه - ثمانية يمثلون الحكومة من بينهم أمين عام وزارة الداخلية - بأن البيانات المطلوبة "سرية، ومصنفة من ضمن البيانات التي يمنع الكشف عنها، لذا قرر المجلس رفض الطلب موضوعاً" وفقاً لمفوض المعلومات محمد العبادي في حديث لمعدي التحقيق.

وخلاقا لقانون ضمان حق الحصول على المعلومات رقم 47 لسنة 2007، لم يتسلم فريق التحقيق قرار المجلس مكتوباً، بحجة انتظار المجلس توقيع أمين عام وزارة الداخلية عليه، وفق ما ابلغنا العبادي خلال مراجعتنا له.

وبتاريخ 3/6/2015، فجر مجلس المعلومات مفاجئة في وجه معدي التحقيق، بتسليمها كتاب رسمي أن شكواهما مرفوضة، لكون المجلس لم يصدر قراره خلال ثلاثين يوماً من تاريخ ورودها إليه سنداً لأحكام المادة (17/ج) من القانون.

النسور ينفي

على هامش مؤتمر صحفي عقده في 11 مايو/ أيار 2015 للإعلان عن وثيقة رؤى تنموية "الأردن 2015"، أبلغ معدا التحقيق رئيس الوزراء د.عبد الله النسور أمام العلن أنهما وثقّا حالات لـ 10 لاجئين طردتهم السلطات الأردنية.

سارع رئيس الوزراء النسور لنفي أن يكون الأردن قد أبعد لاجئين سوريين من أراضيه.

النسور عاد ليفترض في ذات المؤتمر أن الأردن قد أبعد10 لاجئين، لكونهم دخلوا الأراضي الأردنية بغير الطريقة الرسمية المنسقة، "الله أكبر مليون و400 ألف لاجئ وبقلك عشرة".

"هؤلاء إخواننا وأهلنا، وخطأ جسيم أن تجرح مشاعرهم أو نعاديهم، أعوذ بالله هذا يتنافى مع الدين، والأخلاق، والعروبة، والوطنية، والمصلحة"، وفقاً للنسور.

المحامي حازم الشخاترة، يرجع أسباب إبعاد اللاجئين "إلى مخالفات عمالية - العمل بلا تصاريح- ومخالفات إقامة الهرب من المخيم دون كفالة أو ما شابه، دخول الأراضي الأردنية بأوراق مزورة، أو ارتكابه قضايا جرمية وأمنية". ويشتكي من أن "أي مخالفة بسيطة يقترفها اللاجئ قد تعرضه للتسفير. للأسف لا يوجد معايير عادلة وواضحة بهذا الموضوع، معايير شخصية، تختلف من شخص لآخر".

تعددت الأسباب والإبعاد واحدُ

سبعة عشرة لاجئاً ولاجئة وثقنا حالات طردهم، لا يعلم ذووهم أسباب ذلك. بينما أبعد اللاجئ منصور وزوجته، بعد أن وضعت مولودها في الأردن. السبب كان دخول زوجته الأراضي الأردنية باسم قرينته السابقة التي قتلت في سورية، كون زواجه كان حديثاً، وغير موثق لدى دائرة النفوس في سورية. ولذلك اعتبرته السلطات الأردنية تزويرا يقتضي الطرد، بحسب والدة منصور المقيمة في سحاب.

الدافع وراء إبعاد تيسير كان بسبب عمله دون تصريح عمل يسمح له بذلك. فيما محمد لم يستطع إبراز كفالة خروج من مخيم الزعتري، أثناء زيارته لشقيقته رابع أيام عيد الأضحى الماضي.

103 قرارات إبعاد

وفي رد تضمن إجابات مكتوبة عن أسئلة معدي التحقيق، بينت وزارة العمل أن وزيرها أصدر 103 قرارات تسفير بحق عمال سوريين منذ 2011، تاريخ بدء الأزمة السورية ولغاية 2014 نظراً لمخالفتهم لقانون العمل.

فيما بلغ عدد العمال السوريين المضبوطين بالمخالفة لقانون العمل خلال تلك الفترة 23500 عامل سوري، لكن وزارة العمل لم تصدر قراراً بتسفيرهم نظرا للأوضاع الأمنية الصعبة في سوريا، بحسب أمين عام وزارة العمل حمادة أبو نجمة.

المحامي حازم الشخاترة، يقول: "غالبية حالات الإبعاد التي تعامل معها كانت بسبب مخالفات العمل، إذ أن 9 حالات طردت من أصل 22 حالة تعامل معها الشخاترة كانت بسبب العمل دون تراخيص".

لم يَتسن لفريق التحقيق؛ رغم محاولاته المتكررة معرفة فيما إذا تضمنت قرارات تسفير العمال السوريين؛ أي لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية.

لكن منظمة هيومن رايتس ووتش، نشرت في تقريرها أن الشرطة أخبرت تسعة لاجئين قبل طردهم - يحملون وثيقة لجوء وهويات أمنية سارية- أنهم سيبعدون بسبب عملهم دون ترخيص.

يعلق الناطق الإعلامي باسم الحكومة د. محمد المومني على ذلك لمعدي التحقيق على هامش مؤتمر الأردن 2025 في 11 مايو/ أيار 2015: "وزارة العمل لها قوانينها التي تنظم سوق العمل، ومن يخالف القانون ويقوم بالعمل دون أخذ التصاريح اللأزمة يطبق عليه قانون وزارة العمل، وحق الدولة السيادي أن تطبق قوانينها على كل من هو على أراضيها، والتعامل مع هذا الأمر يتم وفق أحكام القوانين والأنظمة الدولية المختلفة".

المفوضية متقاعسة

جميع الحالات ل10 التي وثقنا طردها اتصل ذووها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بغية إنقاذهم من الطرد، لكن الوعود بحل المشكلة كان سيد الموقف دون نتيجة، وفق ما يؤكد ذووهم في مقابلات فردية معهم.

يقول عبد ابن اللاجئ السوري محمد الذي قتل في سورية بعد طرده: "أخبرت محامي المفوضية وقت علمنا بنية الحكومة بإعادة والدي إلى سورية. وكانت المتابعة مباشرة معه عبر مكالمة هاتفية مسجلة":

- "أبي انمسك في مخيم الأزرق".

- "بس يحولوا على الزعتري بنعمله تسوية ما في شي بنوب (لا يوجد مشكلة)".

- "أبي وصل الزعتري".

- "هلا ساعتين بيطالعوه".

- "أبي تحول إلى مركز رباع السرحان" (قرب الحدود السورية)

- "ما بصير هلا بشوف إجراءاتي وهذا الأمر مستحيل".

- "أبي صار بسورية"!

- "والله ما طالع بيدي أشي".

عرضنا هذه القصة على ممثل المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأردن اندرو هاربر، لكونه مسؤولاً ومكتبه عن تأمين حماية دولية للاجئين من الاضطهاد.

يرد هاربر وعلامات الدهشة على محيّاه: "نحن بحاجة إلى أن نتحقق من هذا الأمر - لأنك أعلمتني به فقط الآن، لذلك ليس لدي أي معلومات أخرى حوله". يتابع هاربر "كنا وما زلنا منشغلين في السعي إلى منع آلاف اللاجئين من الترحيل، في النهاية، إذا كانت الحكومة تعتقد أن هناك قلقاً أمنياً فيما يخص بعض اللاجئين فمن الصعب للغاية أن ينجح تدخلنا".

هواجس أمنية

"الأردن يقع وسط بيئة أمنية صعبة للغاية، والحكومة تشير إلى أن مصالحها الأمنية هي من أولوياتها، ونحن نتفهم مخاوفها الأمنية المشروعة، ومع ذلك، إذا كانت حياة الناس أو حريتهم معرضة للخطر عند عودتهم فإننا بالطبع نتدخل في ذلك"، بحسب أندور هاربر.

ممثل هيومن رايتس وتش آدم كوغل يقول من جانبه: "الحكومة تبعد أي لاجئ يأتي بشكل غير قانوني من التهريب، أو بأوراق غير حقيقية، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن والحدود، وأي لاجئ يأتي إلى الأردن بشكل غير قانوني معرض للترحيل هذا واضح.. وهذا مخالف لالتزامات الأردن الدولية ".

يفترض المحامي حازم الشخاترة أن أي "لاجئ يرتكب جريمة أمنية أو أخلاقية، أو مخالفة عمالية، يجب إحالته إلى المحاكم المختصة ومعاقبته، وإلا ستخالف الحكومة القانون الأردني والقانون الدولي معاً".

"فقرار الإبعاد هو قرار خطير، أنا بسلم الإنسان لمنصة الإعدام"؟ يتساءل الشخاترة.

بعد أن أضناها تشتت أسرتها وزيف حمايةٍ كاذبة، التحقت أم رسول بزوجها المبعد إلى سورية، مفضلة الذهاب إلى جحيم الحرب طوعاً، على إبعاد يُلحقها بالموت قسرا.

* أعد هذا التحقيق وحدة الصحافة الاستقصائية في (راديو البلد) و (موقع عمان نت) بدعم من شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية).

أضف تعليقك