إجابات غائبة خلف أسباب الانتحار

إجابات غائبة خلف أسباب الانتحار

لا تمضي بضعة أيام إلا وتطالعنا وسائل الإعلام بخبر حول انتحار أو محاولة انتحار أحد الأشخاص، بمختلف الطرق، ومن مختلف الأعمار والأجناس، وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب تكرار هذه الحالات.

 

الكاتب ماهر أبو طير، يلفت إلى أن من السهل جدا، إدانة الشخص الذي يقدِم على الانتحار؛ لأن الفعل في جذره مدان اجتماعيا ودينيا، مثلما الإدانة ذاتها تتكررعندما يقدِم شخص على حرق نفسه، أو حرق مركبته.

 

ويؤكد أبو طير أن ارتفاع نسبة هذه الحوادث، أمر خطير جدا، والاكتفاء بالكلام عن شخص يحمل أسبقيات، وأنه من الطبيعي ان يتورط بهكذا حوادث، أو أن شخصا، يتعاطى المخدرات فيحرق نفسه، وغير ذلك من ملاذات لتفسير هذه الظواهر، يعد مهربا، من الاعتراف بحقيقة المشكلة.

 

ورغم تشديده على أن حدا ليس مع كسر القانون، ومخالفته، مثلما نحن نقف أمام المحرمات الدينية باحترام بالغ، إلا أنه يحذر بشدة، من تفشي هذه الظواهر، فهي تعبير عن الإحباط واليأس والغضب، كتداعيات مباشرة للفقر.

 

فـ"البصيرة لو كانت نافذة حقا، لتوقفت مطولا، عند دلالات هذه الحوادث، وارتفاع الجرائم، والتورط في نماذج جديدة، لم تكن سائدة في الأردن... هذا هو الملف الغائب، والحساس، والخطير، الواجب معالجته، بكل الطرق، وهذا غير ممكن إلا بتشخيص دقيق لجذر المشكلة، لا ظاهرها"، يختتم أبو طير.

 

الكاتب حسين الرواشدة، يرى في المواطنين الذين يقدمون على الانتحار ضحايا، ولم يفعلوا ذلك  “ترفا”  , فخيار الموت أصعب خيار يمكن أن يفكر به الإنسان.

 

أما الإجابات الأكثر الدقة وتفضيلا، لتفسير تلك الحالات، والتي لم تصلنا  للأسف، فهي من مهمة الحكومة أولا، ومراصدنا الاجتماعية ثانيا، ليس فقط لأن لكل حالة انتحار ظروفها وأسبابها، وإنما لأن ظاهرة الانتحار أصبحت أخطر من أن نصمت عليها.

 

"ويبقى المجال الديني، الذي تعامل مع جريمة الانتحار من بوابة الحكم على النهايات، ولم يسأل عن الاسباب التي دفعت هؤلاء للانتقام من أنفسهم، صحيح أن الانتحار حرام شرعا، لكن من واجب الديني أيضا أن يجيب على الأسئلة الاخرى المتعلقة بما يحدث في المجتمع من زلازل وتحولات، هو بالطبع ليس المسؤول الوحيد عنها، ولكنه جزء من هذه المسؤولية"، بحسب الرواشدة.

 

أما الكاتب محمد أبو رمان، فيستعرض نموذا من أخبار يوم الثلاثاء، من إضرام شاب لم يبلغ العشرين من العمر النار بجسده، وتعرض سوق المؤسسة العسكرية بالقطرانة لعملية سطو مسلح، وإحراق سائق لحافلته بمنطقة الصويلح.

 

ويضيف أبو رمان بأن بعض المراقبين والمسؤولين والسياسيين قد ينظرون إلى هذه الحوادث من زاوية أنّها أحداثٌ طبيعية نشاهد مثيلاً لها في كل مجتمع آخر، وهي مرتبطة بالتحولات الاجتماعية في زمن العولمة والحداثة، وجرّاء الضغوط الشديدة التي تتعرّض لها شرائح اجتماعية عريضة.

 

"وقد تبدو هذه القراءة صحيحة ومقنعة، ومريحة للمسؤولين، لكنّها سطحية، اختزالية، تتعامل مع الظاهرة بمعزل عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وخصوصية كل مجتمع ودولة".

 

وينتهي الكاتب إلى القول إن ظاهرة الانتحار قد تكون طبيعية، والسطو المسلّح موجود في كثير من الدول. لكن عندما يتحوّل الانتحار (خلال أعوام قليلة) إلى ظاهرة في مجتمع معين، فيقفز معدله بصورة لافتة؛ وعندما تظهر فجأة عمليات سطو مسلّح لم تكن موجودة، وظواهر غريبة مثل إحراق الباص... كل ذلك في لحظة واحدة، مع ارتفاع معدلات البطالة والراديكالية لدى الشباب، ولا نجد وعياً عميقاً لدى المسؤولين والسياسيين، ولا مجتمعاً مدنياً حيوياً قادرا على فهم الظاهرة والتعامل معها.

 

يذكر أن حالات الانتحار التي شهدها العام الماضي سجلت أعلى معدلات في تاريخ المملكة، حيث بلغت 117 حالة.

 

أضف تعليقك