أطفال التوحد فئران تجارب في عيادات طبية مخالفة

أطفال التوحد فئران تجارب في عيادات طبية مخالفة

 

- تكبد أهالي المرضى آلاف الدنانير لعلاج غير معتمد

- 80 جلسة أكسجين مضغوط والنتائج معدومة

- "الصحة"، نقابة الأطباء والغذاء والدواء في سبات

 

001

"ابنك معه توحد" كلمات الطبيب نزلت كالصاعقة على والد الطفل عز الدين البالغ من العمر سنتين. سبعة أشهر مضت وأسرة عز الدين تحت وقع الصدمة والاكتئاب: "مش عارفين شو نعمل أنا وأمه".

لكن الأمل عاد وتسلل إليهم، بعد أن راجعوا عيادة (أكسي كير) الواقعة في تلاع العلي/ عمان الغربية. "ما تخافوا عز الدين بتعالج بسهولة، في إجراءات لازم نعملها، بس الموضوع مكلف"، تلقفت العائلة هذه الطمأنة كغريق يتعلق بقشة.

 

ولم يكترث والد عز الدين لكلمات مسؤول العيادة أيمن المومني حول الكلفة المادية للعلاج، رغم ضيق ذات اليد: "المصاري بتتدبر المهم عز الدين يتعالج" ويصبح مثل شقيقيه.

 

رحلة العلاج استمرت قرابة ثلاثة أشهر، خضع خلالها الطفل لـ 40 جلسة أكسجين مضغوط، إضافة إلى عمليات التخلص من المعادن الثقيلة، استقلاب الفيتامينات، الأحماض العضوية، والحمية، وفق نظام يسمى "دان بروتوكول" .

 

انتهت مسيرة العلاج بمراحلها المختلفة، لكن عز الدين لم يشف أو يتحسن، بعد أن دفع والده ما يقارب 10 آلاف دينار أردني/ 14 ألف دولارعلى هذا العلاج.

 

عرض والد عزالدين ما حصل معه على أكثر من طبيب أطفال، ليتفاجأ بأن هذا العلاج غير مثبت علمياً.

 0002

والد عزالدين ليس وحده من وقع في فخ هذه العيادات. فحازم المجالي ذاق مرارة خيبة أمل شفاء طفلته: "من لديه طفل توحد يكون متفائلا بأي علاج، بس تحول التفاؤل إلى إحباط، أحبطتني النتائج ما كان في تغيير".

 

وثق معدا التحقيق عشر حالات، لجأت إلى عيادات الأكسجين المضغوط لمعالجة أطفال مصابين بالتوحد، لكن لم يشف أو يتحسن أي منهم.

 

يرصد هذا التحقيق مخالفة أربع عيادات طبية لتراخيصها، عبر علاجها أطفال مصابين بالتوحد باستخدام الأكسجين المضغوط، غير المعتمد من المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن لعلاج مرض التوحد.

 

تستغل تلك العيادات تضارب الصلاحيات بين الجهات الثلاث المعنية بترخيص العيادات والرقابة عليها. وتوصل معدا التحقيق أيضا إلى تنصل هذه الجهات – وزارة الصحة، مؤسسة الغذاء والدواء ونقابة الأطباء – من مسؤولياتها الرقابية والتوجيهية.  كما وثقا ضعف رقابة "الصحة"، المؤسسة العامة للغذاء والدواء ونقابة الأطباء؛ على العيادات التي تروج علاجا لأطفال التوحد بوسائل غير معتمدة طبياً وعلمياً مقابل 4000 إلى 10.000 دينار (5600- 14000 دولار) للجولة العلاجية الواحدة المحددة ب 40 جلسة أوكسجين مضغوط.

 

وزارة الصحة المعنية بترخيص مراكز وعيادات الطب البشري وفق نظام رقم (74) لسنة 2014، لم ترخص أي عيادة أو مركز لعلاج التوحد بالأكسجين المضغوط، حسبما جاء في رد مكتوب للوزارة على معدي التحقيق.

 

غير أن أبواب تلك العيادات المشرعة تتنافس لاصطياد أهالي تسعة آلاف طفل مصاب بالتوحد في الأردن تقريباً، علاوة على غيرهم من أطفال العرب، وذلك من خلال الدعاية الإعلانية عبر شبكة الانترنت، والعديد من المقابلات التلفزيونية الدعائية لأصحاب تلك العيادات.

 

 

 003مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ

 

على مدى تسعة أشهر، قَابل معدا التحقيق 10 حالات "دَاوَت" أطفالها في عيادات الأكسجين المضغوط الخاصة، بغية علاجهم من التوحد. وأفاد ذووا أطفال في مقابلاتٍ فردية معهم، بأن حال أطفالهم لم تتحسن جراء علاجهم بالأكسجين المضغوط.

 

نصف الحالات التي قابلناها خضع أطفالها لـ 80 جلسة أكسجين مضغوط فأكثر، يتراوح سعر الجلسة الواحدة بين 80 - 140 ديناراً (115-200 دولار).

 

تكلفة الجلسة الواحدة - بمدة 60 دقيقة- تصل إلى 15 دينار (20 دولار) ثمناً للأكسجين المضغوط، فيما يبلغ سعر جهاز الأكسجين المضغوط قرابة 70 ألف دينار (100 ألف دولار)، وفق مدير مركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط د. عاصم بلعاوي.

 

أسرة أديب عكروش المتقاعد من القطاع الخاص تكبدت قرابة 10.000 دينار- ما يقارب 14 ألف دولار- بأمل علاج حفيده وليم من التوحد في عيادة (أوكسي كير). "كل الحالات اللي شفتها بالمركز دفعت مصاري وخلصوا الجلسات الموصوفة لهم، وما استفادوا من العلاج بالأكسجين"، يقول عكروش. "هؤلاء تجار وإحنا ناس بنتعلق بالأمل لعل الطفل يستفيد من العيادات وللأسف ما في فايدة".

 

أم الطفل عبد الحميد تكتفي بـ"حسبي الله ونعم الوكيل" بعد أن وقع الفأس بالرأس. فحينما باعت حليها لمعالجة بكرها بالأكسجين المضغوط، عاشت "على أمل أن يعيش بلا توحد". لكن أملها تبخر بعد آخر جلسة أكسجين.

 

سمير عبد الله هو الآخر يترنح تحت وطأة الديون، بعد أن أرهقته كلفة علاج طفله، الذي لم يشف من التوحد بعد 40 جلسة أكسجين مضغوط.

 

لم يجد معدا التحقيق تسعيرة معتمدة لجلسة الأكسجين المضغوط في لائحة الأجور الطبية المنشورة في الجريدة الرسمية عدد (4912) والصادرة بتاريخ 16/6/2008.

 

في الوقت عينه؛ لم يشاهدا أي لائحة أسعار مبرزة في الأماكن الأربعة التي تعالج التوحد بالأكسجين المضغوط وهي: (أوكسي كير)، (توتال)، (المركز الطبي للتوحد) و (الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط).

 

نقابة الأطباء هي المسؤولة عن مراقبة التزام هذه العيادات بإبراز لائحة الأجور التي تتقاضاها في العيادة. إذ يُعد عدم الإعلان في مكان بارز في العيادة مخالفة لأحكام نظام أجور الأطباء والتعليمات الصادرة بمقتضاه مخالفة تأديبية بالمعنى المقصود في قانون النقابة، والأنظمة الصادرة بمقتضاه. بحسب المادة 8 من نظام الأجور الطبية.

 

 

004علاج غير معتمد

 

المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن لم تعتمد الأكسجين المضغوط علاجاً للتوحد، وفق ردها المكتوب على معدي التحقيق.

 

"استخدام الأكسجين المضغوط لعلاج التوحد بدعة جديدة، وغير موافق عليه من المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ولم يوجد لغاية الآن عقار طبي لمعالجة التوحد"، بحسب المدير العام للمؤسسة العامة للغذاء والدواء هايل عبيدات.

 

ويرى عبيدات أن من "يستخدم هذا العلاج أشخاص يبحثون عن الربح السريع ويستغلون حاجة الناس، وهذا يتنافى مع أخلاقيات المجتمع الأردني".

 

منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) الأشهر في عالم الدواء تؤكد أن علاج التوحد بالأكسجين المضغوط لم يثبت سريرياً، وغير فعال.

 

المنظمة ذاتها أصدرت في إبريل/ نيسان 2014، بياناً عنونته: "الحذر من الادعاءات الكاذبة والمضللة لعلاج التوحد". وأدرجت ضمن هذه الادعاءات: "الأكسجين المضغوط، عملية إزالة السموم والمعادن الثقيلة، عملية استقلاب الأحماض العضوية، والفيتامينات، والأحماض الدهنية، إضافة إلى الحمية الغذائية". وجاء في البيان أيضا "أن هذه الإجراءات ليست علاجاً للتوحد، كما أنها تحمل مخاطر صحية، وهي غير فاعلة، وغير آمنة".

 

جميع هذه الإجراءات تستخدم في  عيادتي (أكسي كير) و (توتال) في عمان.

 

"علاج التوحد بالأكسجين المضغوط غير مثبت علمياً، وهناك العديد من الأبحاث التي تنفي أن الأكسجين علاج للتوحد، لذلك لا نستطيع استخدام الأكسجين لمرضى التوحد"، بحسب مدير دائرة طب الأطفال في مستشفى الملكة رانيا العبد الله العميد الدكتور صالح العجلوني.

 

 

عيادات غير مرخصة

 

وزارة الصحة لم ترخص أي مركز أو عيادة لعلاج التوحد بالأكسجين المضغوط، وفق ردها المكتوب على معدي التحقيق.

 

في عام 2011 شكلت الوزارة لجنة تمثل القطاع الطبي الخاص، الخدمات الطبية الملكية، نقابة الأطباء، المستشفيات الجامعية بالإضافة للوزارة، وذلك لدراسة إمكانية علاج التوحد بالأكسجين المضغوط. "خلصت اللجنة إلى أن الأكسجين المضغوط غير مجدٍ لعلاج التوحد، وأوصت بعدم ترخيص أي مركز لمعالجة التوحد بتقنية الأكسجين المضغوط"، بحسب رئيس اختصاص الأطفال في وزارة الصحة الدكتور سمير الفاعوري.

 

 

مخالفات بالجملة

 

ست من عشر حالات وثّقها معدا التحقيق إستَطَبَّ أطفالها بالأكسجين المضغوط في عيادة (أوكسي كير). واشتكت عائلات في مقابلات فردية مسجلة معها من أن أطفالها لم يتماثلوا للشفاء". وأن مسؤول العيادة أيمن المومني هو الذي أشرف على علاجهم بيده.

 

رتبنا مقابلة مصورة مرئياً مع مسؤول العيادة المومني في عيادته لأخذ رده على مجمل القضايا التي وثقناها. لكنه تهرب من إجراء المقابلة بحجة أن محاورها لم تعجبه.

ولجأ معدا التحقيق لطرح أسئلتهما في العلن أمام كادر العيادة والكاميرا:

- دكتور أيمن جاوب عن أسئلتنا لماذا تتهرب من الإعلام؟

- السكرتيرة : برا من غير مطرود.

- من يمكنه أن يجيب عن أسئلتنا هنا؟

- صيتان القصراوي (طبيب عام): رئيس المركز؛ يقصد أيمن المومني.

- هل عيادتكم مرخصة من مؤسسة الغذاء والدواء لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط؟

- صيتان : "نعم مرخصة، إذا أنت مش متأكد روح على مؤسسة الغذاء والدواء، أنا مش راح أبوس على أيدك مشان تصدقني".

- هل العيادة مرخصة لدى وزارة الصحة لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط؟

- صيتان: "بقولك روح على وزارة الصحة، العيادة مرخصة لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط".

- ممكن أشوف الرخصة؟

-   صيتان: "بحكيلك مرخصة".

- هل يجوز لك كطبيب عام أن تعالج أطفال التوحد بالأكسجين المضغوط.

- صيتان: "نعم يجوز".

- هل معك ما يثبت ذلك؟

- صيتان: "لو سمحت خلي الأخ يطلع برا - يقصد المصور- أو بتطلع أنت وإياه. تفضل روح على وزارة الصحة".

 

صيدلي يمارس الطب

 

وبالتقصي اكتشفنا أن أيمن المومني مسؤول العيادة ليس طبيباً مسجلاً في نقابة الأطباء.

وإنما هو صيدلي مسجل في نقابة الصيادلة؛ والعيادة مسجلة باسم والده الطبيب عبد الحفيظ المومني،  الذي يمارس طب الأطفال في عيادته بشارع السينما في مدينة أربد فقط، وفق ما تثبته سجلات نقابة الأطباء.

 

يرد الطبيب عبد الحفيظ، قبل أن يغلق هاتفه في وجه معد التحقيق: "العيادة مسجلة باسمي، وقد عَينت فيها طبيب، وهناك مدير إداري ممكن ترجعله - يقصد ابنه أيمن المومني".

 

للتأكد من هذه المعلومات، بعث معدا التقيق رسالة عبر البريد المستعجل لعيادة (أوكسي كير) بتاريخ 5 ناير/ كانون الثاني 2015، يطلبان فيها تزويدهما بنسخة عن تراخيصها التي تسمح لها باستخدام الأكسجين المضغوط كعلاج للتوحد، وأيضا شهادة مزاولة المهنة للعاملين فيها.  وطلبا أيضا اسم صاحب الرخصة. لكنهما لم يتلقيا أي إجابة حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.

 

التجربة: 200 جلسة أكسجين

 

في عيادة (توتال ويلنس) لعلاج التوحد الكائنة في الشميساني/ أحد أحياء عمان، وثقنا تَداوى طفلان، لكنهما لم يستفيدا من العلاج بالأكسجين المضغوط، وفق ما صرح ذووهما لمعدي التحقيق.

 

يُعلل مسؤول العيادة الطبيب محمد المومني، عدم استجابة هؤلاء الأطفال للعلاج بالأكسجين المضغوط، "بأنهم أطفال مقاومين للعلاج ولا يكفيهم كورس علاجي واحد 40 جلسة، ممكن يحتاج 80 أو 120 أو 200 جلسة أكسجين".

 

ويقول المومني الذي تدرب في جمعية "أهزم التوحد ألان" الأمريكية: "نبقى تعطيه أكسجين حتى يستفيد، لأننا لا نعرف أين هو الحد الأعلى للاستجابة، ولا يوجد فحص يُبين كم جلسة سيحتاج، لازم نجرب ونحاول لنرى أين سيستجيب الطفل".

 

الكلام الذي حاول أن يخفيه الطبيب المومني عن حقيقة علاج التوحد بالأكسجين المضغوط، قاله فني العلاج في ذات العيادة: "هذا العلاج غير معترف به دولياً ورسمياً لمعالجة التوحد، لكونه لم يحصل على الحد الأدنى لاعتماده كعلاج مضمون، هو ليس علاجاً  100 %".

 

بقي المومني عاجزاً عن إبراز رخصة لعلاج التوحد باستخدام الأكسجين المضغوط في عيادته، قائلاً: "أنا مش مطلوب مني رخصة للأكسجين، نحن كأطباء مؤتمنين على حياة أطفال العالم، بقسم أبو قراط، وبما أنني مؤتمن على حياة الأطفال، ما بدك تأتمني على جهاز أكسجين"؟!

 

مركز مخالف

 

رافقنا أم عامر وطفلها المصاب بالتوحد إلى (المركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط) في مستشفى الإسراء، لعلاج طفلها ذي الثلاث سنوات. حصلت هناك على تقرير يفيد بأن عامر يعاني من أعراض التوحد، ويحتاج إلى 20 جلسة أكسجين مضغوط لتساعده على الشفاء، إذ تتراوح مدة كل جلسة بين 60-90 دقيقة، مقابل 140 ديناراً (200 دولار).

 

مقابل عشرة دنانير، زود المركز أم عامر بتقرير طبي لتقديمه إلى الديوان الملكي أملا في الحصول على إعفاء، لكونها لا تستطيع دفع المبالغ المترتبة على علاج ابنها، وفق ما وثقته كاميراتنا السرية.

 

تشير الكتب الرسمية من وزارة الصحة إلى أنه في عام 2004 رخصت الوزارة وحدة للعلاج بالأكسجين المضغوط داخل المستشفى التخصصي، بإشراف اختصاصي جراحة أوعية دموية وقلب الدكتور عاصم بلعاوي. وفي عام 2014 انتقلت الوحدة إلى مستشفى الإسراء، تحت اسم المركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط، وبإشراف ذات الطبيب.

 

هذا المركز وفق رد الوزارة المكتوب، مرخص لمعالجة أمراض مختلفة ليس من بينها التوحد.

 

يدافع مدير المركز عاصم البلعاوي: "نحن أمورنا قانونية في علاج التوحد، نحن لا نعالج المرض كمرض، نحاول أن نعطي دفشة تنشيطية أكسجينية لهذا المريض، وإذا استفاد خير وبركة".

 

يتابع البلعاوي :"الغذاء والدواء في الأردن مقلدين غير مبدعين، إذا قررت  الغذاء والدواء في أمريكا أنه مفيد للتوحد، يصبح مفيد عنا".

 

005المركز الطبي للتوحد

 

جملة من التناقضات يسوقها طبيب (المركز الطبي للتوحد) نجاتي الصلح،  في تبرير استخدامه للأكسجين المضغوط في علاج التوحد. ففي الوقت الذي يقول فيه: "لا يوجد بحث علمي قوي يؤكد أن الأكسجين يشفي التوحد"،  يُقر بأنه يستخدمه "بطريقة صحيحة ومقننة جداً لعلاج التوحد".

 

"ثلاث حالات فقط طَلبتُ لها الأكسجين المضغوط، والأطفال تحسنوا تحسنا بسيطا، برأي الأهل، مع استمرارهم في برنامج التأهيل" حسبما يضيف الصلح.

 

وفي الوقت الذي عجز فيه عن إبراز رخصة سارية المفعول من مؤسسة الغذاء والدواء ووزارة الصحة؛ تخوله بمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط في عيادته، يؤكد الصلح أنه "لا يخالف القانون، وأن المؤسسة العامة للغذاء والدواء مقصرة في البحث العلمي، لاعتماد الأكسجين لمعالجة التوحد".

 

الصحة تتهرب

 

وزارة الصحة تقول إنها لم تتلق شكاوى حول عيادات ومراكز خاصة تعالج التوحد بالأكسجين المضغوط منذ عام 2010، وحتى تاريخه. ولم تتخذ إجراءات حيال هذه العيادات خلال تلك الفترة، بحسب رد الوزارة المكتوب على معدي التحقيق.

 

الوزارة، لم تنفذ أيضاً أي جولات تفتيشفية على هذه العيادات والمراكز الخاصة، منذ 2010، بحجة أن "جهاز الأكسجين المضغوط هو جهاز طبي لعلاج أمراض عديدة، والرقابة عليه من اختصاص المؤسسة العامة للغذاء والدواء. والوزارة ولا تكشف على الأجهزة الطبية بشكل خاص"، وفق رد الوزارة.

 

وتوضح الوزارة في ردها ب "أن تراخيص العيادات حتى 2014 من اختصاص نقابة الأطباء".

 

هذا ما ينفيه نقيب الأطباء الدكتور هاشم أبو حسان: "فالمسؤول عن فتح العيادات وإغلاقها وزارة الصحة. أنا لا ألقي العبء عليها، لكنها هي المسؤول بحكم القانون"، لافتا إلى أن النقابة "لا تمتلك سلطة تنفيذية بإغلاق أي مركز أو عيادة. (بل) نحن نرسل لوزارة الصحة وهي من تقوم بذلك".

 

على أن وزارة الصحة لم تتلق أي طلبات من نقابة الأطباء بإغلاق أي من عيادات ومراكز علاج التوحد بالأكسجين المضغوط، وفق أبو حسان.

 

دفعتنا هذه الردود الملتبسة، إلى طلب إجراء مقابلة مع وزير الصحة علي حياصات بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2014. فوزارته هي المسؤول الأول بحكم قانونها عن الحفاظ على الصحة العامة، رقابياً، وقائياً وعلاجياً. وهي المعنية أيضاً بتنظيم الخدمات الصحية في القطاعين العام والخاص والإشراف عليها.

 

على أن المقابلة المنشودة أرجئت ثلاث مرة من طرف الوزير.

 

اتصلنا بمكتبه، وعلى هاتفه الخاص عشرات المرات خلال أكثر من شهر لترتيب موعد جديد، لكن الاعتذار كان سيد الموقف.

 

الناطق الإعلامي باسم الوزارة حاتم الأزرعي، ومدير التراخيص والمهن فيها قاسم الرحاحلة؛ اعتذرا أيضا عن الإدلاء بأي تصريحات بهذا الخصوص.

 

كل هذا دفعنا لمحاولة أخذ رد من الوزير قبل دخوله اجتماع في مؤسسة الغذاء والدواء بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2015، لكنه وعد بإجراء مقابلة خلال أسبوع. ولم يتحقق الوعد حتى تاريخ نشر التحقيق.

 

الغذاء والدواء: ليست مسؤوليتنا

 

وفي الوقت الذي تؤكد فيه أن العلاج بالأكسجين المضغوط غير معتمد من قبلها لعلاج التوحد، وأن من يستخدمه مخالف، تفيد المؤسسة بأنها غير مسؤولة عن الرقابة على استخدام الأكسجين المضغوط في العيادات والمراكز الخاصة، لكون الأكسجين ليس دواءً، وفق مدير عام المؤسسة العام للغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات.

 

يبرر عبيدات عدم المتابعة بأن الرقابة على هذه العيادات من اختصاص نقابة الأطباء ووزارة الصحة، مؤكدا أن دور المؤسسة ينصب في الرقابة على استعمال الأدوية وتداولها. لكنه يردف: "لن نتخلى أو نتهرب من مسؤولياتنا في الرقابة على الأدوية في الأردن.. بوعدك أن ننسق مع نقابة الأطباء ووزارة الصحة للتفتيش على هذه العيادات".

 

على أن نقيب الأطباء الدكتور هاشم أبو حسان يرد على ذلك: "النقابة ليس لها دور فيما يتعلق بالأدوية مهما كانت؛ فهي من اختصاص المؤسسة العامة للغذاء والدواء، وأي دواء مزور، مهرب، غير مسجل، أو منتهية صلاحيته هو من اختصاص المؤسسة".

 

قانون المؤسسة العامة للغذاء والدواء - مؤسسة حكومية شبه مستقلة- رقم41 لسنة 2008، حدد أهدافها بضمان سلامة الدواء وفعاليته وجودته ورقابة على الدواء أو إي مواد أخرى ينص عليها قانون الدواء والصيدلة.

 

ويعرف قانون الدواء والصيدلة رقم 12 لسنة 2013، كلمة دواء: "بأي مادة أو مواد فعالة؛ والتي تؤدي عملها في تشخيص، أو معالجة، أو شفاء، أو وقاية من الأمراض في الإنسان، أو التي توصف بأن لها هذه المزايا".

 

رئيس دائرة طب الأطفال في مستشفى الملكة رانيا العبد الله التابع للخدمات الطبية الملكية العميد الدكتور صالح العجلوني يناشد المؤسسة العامة للغذاء والدواء بتشديد رقابتها على هذا العيادات التي تستخدم الأكسجين المضغوط كدواء للتوحد، لكونها ممارسة غير علمية، وغير صحيحة.

 

النقابة مقصرة

 

يبرر نقيب الأطباء وجود عيادات خاصة مخالفة، بأن النقابة لا تستطيع أن تتابع العدد الهائل من العيادات. فهناك حوالي 28 ألف طبيب مسجل في النقابة وحوالي 10 آلاف طبيب في القطاع الخاص، وقرابة 4 آلاف عيادة خاصة في مختلف أنحاء المملكة.

 

ويشدد أبو حان على "النقابة ليست مقصرة".

 

النقابة لا تستطيع أن تتحرك؛ لعدم وجود معلومات عن شيء خطأ أو شكاوى لديها ضد عيادات علاج التوحد باستخدام الأكسجين المضغوط، بحسب أبو حسان.

 

يعلل أديب عكروش جد الطفل وليم المصاب بالتوحد، عزوفه عن تقديم أي شكوى بعدم إيمانه بقدرة المؤسسات المعنية على تحصيل حقه أو فعل أي شيء.

 

ويتساءل "لمن أشتكي؟ إذا أنا يعتبر حالي متنور وما قدرت أعمل شيء، كيف الناس البسيطة؟ يمكن تعمل معركة بالسلاح الأبيض"!

 

المحامي المتخصص في القضايا الطبية زياد حدادين ينصح المتضررين باللجوء إلى "القضاء كونه الجهة الوحيدة المحايدة والعادلة، على عكس النقابة التي تهدف إلى حماية منتسبيها".

 

يتابع "اللجوء إلى القضاء يحمي النقابة أيضا، من تشكيك الشخص الذي يلجأ إليها، بوصفها الحكم والخصم في آن واحد في الشكاوى المقامة على منتسبيها".

 

ويحظر قانون نقابة الأطباء في المادة 10: "على الطبيب اللجوء إلى أساليب يمكنها أن تسف (تسيء) بمهنة الطب؛ وبخاصة ما يدخل في زمرة الغش، والتدجيل، والادعاء باكتشاف طريقة للتشخيص، أو العلاج غير المثبتة علمياً".

 

كما يحق لمجلس النقابة التفتيش على عيادات الأطباء كلما رأى ضرورة لذلك، وفق المادة 9 من قانون النقابة.

 

وكل طبيب يخالف قانون النقابة أو يخل بواجباته المهنية يعرض نفسه لإجراءات مجلس التأديب في النقابة التي تتراوح بين عقوبة التنبيه، والمنع النهائي من ممارسة المهنة، وفق قانون النقابة.

 

عضو مجلس نقابة سابق رفض ذكر اسمه، يأخذ على مجلسها ولجان التأديب فيها تضامنهم السلبي مع منتسبي النقابة لغايات انتخابية أو مصالح شخصية. لكن نقيب الأطباء ينفي ذلك.

 

النقابة لم ترد على طلب الحصول على المعلومات المرسل إليها من معدي التحقيق في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، والمكون من تسعة أسئلة تستفسر عن عدد وطبيعة إجراءات النقابة بحق العيادات الطبية المخالفة، وعن عدد جولاتها التفتيشية على العيادات الطبية.

 

في ظل تقاعس وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمؤسسة العامة للغذاء والدواء عن القيام بواجباتهم الرقابية، سيبقى عز الدين وغيره من أطفال التوحد، فئراناً للتجارب لتجار الأوكسجين.

 

 وستنشر قناة (العربي) الفضائية نسخة مرئية من التحقيق يوم الأحد الموافق 29/3 في تمام الساعة السابعة مساءً

*هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمان نت، وبدعم وإشراف شبكة "أريج" إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية www.arij.net .

 

أضف تعليقك