مزارعون تائهون في الحلول: الزيتون البعلي في الأردن في مواجهة تغير المناخ

الرابط المختصر

يكشف التقرير معاناة مزارعو الزيتون البعلي في الأردن وضعف إمكانياتهم  على التكيف المناخي

في موسمٍ يصفه المزارعون بأنه الأصعب منذ سنوات لدولة تحتل المرتبة العاشرة في إنتاج الزيتون على مستوى العالم، يتأمل المهندس الزراعي وخبير التقليم زياد العتوم أشجاره التي لم تزهر هذا العام، مرددا: "الحمد لله على أي حال."
يمتلك العتوم عدة مزارع بنظام الزراعة البعلية في محافظة جرش بمساحات 60 و100 و30 دونمًا، ويشرف على تقليم مزارع لمغتربين في المنطقة، يقول متأسفا: "لم تزهر الأشجار بالأصل، رغم اعتنائي بها، فإنتاجي هذا العام صفر، لأنها ما أمطرت بشكل كاف لحاجة الأشجار".

 

بالنسبة للعتوم، لم يكن العامان الماضيان بالمستوى المطلوب أيضا، إذ لم يتجاوز الإنتاج 40% في العام الماضي، فيما لم يتعدَّ الربع في ما سبقه، ويؤكد أن قلّة الأمطار أثرت على جميع المزارعين في جرش قائلا: "كثير من الأشجار احترقت بالكامل، وأقدّر نسبة الأضرار بين 70-90%" موضحا أن هذه الظروف ساهمت في انتشار أمراض مثل القطني، مضيفا "لو أمطرت، لما بقيت الأمراض على الأشجار."

 

من الشمال إلى الجنوب.. المعاناة واحدة

في لواء القصر بمحافظة الكرك، يعيش المزارع نايف المجالي ذات المعاناة، فلديه  500 شجرة تمتد على مساحة 30 دونما، لكنها لم تحمل إلا القليل"ما أعطت السنة الموسم المطري خفيف، إن وصلت 7 تنكات نعمة كريم." يقولها بحرقة.

 قطف مزرعته العام الماضي طنان أنتجا 24 تنكة زيت، وفي الموسم السابق 2023 انتج 11 تنكة، يصف بوادر خسارة الموسم، "بداية  زهر الشجر وعقد، استبشرت خير وصورته، ولكن بأول شهر أيار فاجأنا  بأمطار غزيرة حرقت نوار شجره كله، ولا يتوقع المجالي أن سيغطي الإنتاج تكلفة الحراث والسماد. 

 

أما في شمال المملكة، في بلدة كفرسوم التابعة للواء بني كنانة حيث تنوع التضاريس وخصوبة التربة ، يقول المزارع عمر عبيدات أن انتاجه تأثر بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات الموسم المطري، على الرغم من عنايته الدورية .

يقول عبيدات "زرع أهلي  الزيتون منذ مائة عام، امتلك اليوم 20 دونما زراعة  بعلية ، تتنوع الأصناف لدي فمن صنف المهراس، والنبالي وجروسادي الأسباني، والنبالي المحسن" ولقد  بلغ حجم إنتاج العام الماضي 13500 كيلو غرام زيتون، 200 تنكة سعة 16 كيلو غرام.

بحسب وزارة الزراعة  سجلت محافظات الشمال الغربي ( إربد، جرش، عجلون)وأجزاء من الجنوبية (الكرك والطفيلة) المعتمدة على نظم الزراعة البعلية  الأكثر تأثرا بتغير المناخ؛ لاعتمادها على الأمطار، ما يجعلها حساسة لانخفاض الهطول وتقلباته وارتفاع الحرارة الذي يزيد تبخر التربة ويقلل الإنتاجية، وبينما تنخفض المخاطر على  الزراعة المروية، لكنها تواجه ضغطا متزايدا على الموارد المائية الجوفية والسطحية، بينما تعد مناطق الأغوار والكورة  الأقل تأثرا بفضل توفر الري.

 

ثلثي مساحة أشجار الزيتون  في الأردن بعلية بما نسبته 78%، على ما مساحته 130 ألف هكتار،  ما يعني  أن المحصول في مواجهة مباشرة مع التغير المناخي.

يبين الرسم  البياني أن معظم الأراضي المزروعة بالزيتون في المحافظات تعتمد الزراعة  البعلية بنسبة مرتفعة جدًا، حيث تتجاوز 90% في إربد وجرش وعجلون، وتنخفض قليلا في الكرك (حوالي 75%).

 

معدل الهطول والآفات

 

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الزراعي المهندس مازن أبو قمر:"الزيتون يعتمد  على نظام الحمل التبادلي، بحيث تتبع سنة غزيرة الإنتاج سنة ضعيفة بطبيعتها، لكن التغيرات المناخية الأخيرة زادت من حدة هذا التباين" ويشير لانخفاض معدل الهطول المطري وتذبذبه في التوقيت والكثافة أدى إلى زيادة الجريان السطحي وانخفاض قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة، خصوصا في المناطق البعلية المعتمدة على مياه الأمطار فقط.

 

 ظروف مناخية متطرفة أخرى يجدها أبو قمر تضر بفترة الإزهار، كالرياح الجافة والعواصف الرملية، إذ تعيق العقد فتتساقط الثمار قبل نضجها، وأضاف أن إنخفاض الهطول المطري ساهم أيضا في زيادة انتشار الآفات والأمراض الزراعية، مما يضعف قدرة الأشجار على الإنتاج، لذا  يدعو أبو قمرة إلى اعتماد الري التكميلي، واستخدام الممارسات الزراعية السليمة مثل التقليم المنتظم، ومكافحة الآفات، والتسميد الجيد للحفاظ على إنتاجية وجودة الزيت.

 

 

يشير التقرير الإحصائي لوزارة الزراعة للفترة ما بين 2019 و2023، كما يوضح الرسم البياني تذبذبا في معدل هطول الأمطار في إربد وصل إلى نحو الربع خلال عدة مواسم، في المقابل، تجاوز التراجع في جرش النصف، بينما سجلت الكرك انخفاضا أقل بنسبة بلغت نحو 14%. .

 

انعكس ذلك على الإنتاج، ففي اربد تراجع للربع  بين عامي 2021-2023م  (من 70,578 إلى 54,616 طن) مع زيادة طفيفة في المساحة تقدر 5% ، وفي عجلون شهد تذبذبا، بينما انخفض في  الكرك 14%  ولقد انخفضت المساحة نحو 4% .

 


 

تعزز النتائج ما خلصت إليه دراسة أردنية نُشرت في أغسطس 2024 بعنوان "رسم خريطة مستقبل الذهب الأخضر: رؤى معتمدة على نظم المعلومات الجغرافية لتحديد أفضل المناطق زراعة الزيتون في الأردن في ظل تغير المناخ"، أعدها عدة باحثون، أكدت الدراسة على ضرورة ربط معدل الهطول بالأصناف المناسبة، موضحة أن المناطق التي تتلقى 400–600 ملم سنويا ملائمة للزراعة البعلية كما في المناطق الشمالية الغربية من الأردن، بينما تحتاج المناطق الأقل 400ملم إلى ري تكميلي  وتدخلات لتحسين الأصناف واستخدام التحليل المكاني (GIS) لدعم صناع القرار الزراعي.

 

الحلول بين الممكن والمستحيل

 

يبقى التطبيق العملي في المزارع أكثر تعقيدا، حيث يواجه المزارعون قيودا واقعية من حيث الموارد المائية، الأصناف المزروعة، وأساليب الري والصيانة، يقول  زياد العتوم:" لو قلنا ري تكميلي، في جرش ما في آبار نقدر نعالج الظروف مثل ما هو في الجنوب أو في المفرق، فالبئر الارتوازي هناك يضخ 300 متر في الساعة، ويسد حاجة الأشجار."

 

يزرع العتوم  صنفي النبالي والسوري البلدي، ويقول أن الصنفين تأثرا هذا العام، لكنه يوضح أن الصنف السوري المزروع في المناطق المرتفعة لا يعطي إنتاجا مماثلا لما يحققه في بيئته الأصلية، والعكس الصحيح بالنسبة للنبالي، وأشار إلى أن كثيرين يتجهون حاليا إلى زراعة الزيتون دون التحقق من نوع الأشتال، إذ يشترونها من المشاتل اعتمادًا على أمانة البائع الذي يؤكد أنها مناسبة للمنطقة، ليكتشفوا لاحقا عكس ذلك أحيانا.

 

ومن منطلق تحسين الأصناف أجرى العتوم كخبير تقليم العديد من عمليات التطعيم (Grafting) ، فحول بداية العام الحالي أصناف في مزارع جرش والزرقاء إلى أنواع أكثر صمودا  أمام تغير المناخ، وأشار ان نجاح العملية يعتمد على خبرة المهندس وعمر الشجر منهوها أن انخفاض موسم مطري قد يتسب بتأخر أو فشل الإنبات.

 


 

 

 

أما المجالي فيزرع الصنف الرومي، ويؤكد أنه الأجود في الكرك، لكنه لم يؤت ثماره لعامين متتاليين، وقد تواصل مع مديرية الزراعة والإرشاد الزراعي، التي زودته بتنك رشّ فطري بسعر رمزي على حدّ قوله، لكنه لم يسمع بحلول غير تقليدية لحماية موسم الإزهار، رغم أنه جرّب جميع الطرق المتاحة،  ويستند في خبرته إلى ما يقرأه ويتبادله مع غيره من المزارعين عبر مجموعة "مزارعو الأردن" على مواقع التواصل الاجتماعي. 

لا حلية للمجالي للري التكميلي  يقول:" مزرعتي تحتاج بالموسم الواحد 3 تنكات إلى أربع، كل نقلة 35 دينارا فيها 30متر" ويضيف أن مزرعته مجاورة لكلية الزراعة جامعة مؤتة، كان يتوقع أن يجد تعاونا للعناية بها من قبل الطلاب على الأقل.

بدوره يؤكد الخبير أبو قمر على أن شجرة الزيتون تتطلب عناية تكاملية؛ لتتمكن من الاستمرار في الإنتاج ضمن الظروف المناخية المتغيرة، ويدعو العتوم وزارة الزراعة لتكثيف جولاتها الإرشادية للمزارع ومتابعة الموسم أولا بأول على أرض الواقع لتخفيف حدة الخسائر.

 

وفي ردّها وزارة  الزراعة حول الجهود المقدمة  لمساعدة المزارعين على التكيف وتخفيف أثر تغير المناخ، أكدت الوزراة أنها   تعمل بالتعاون مع الجهات الشريكة على تنفيذ حزم من التدابير للتكيف مع تغير المناخ، تشمل التوعية والتدريب على الزراعة الذكية مناخيا، وإدخال تقنيات ريّ أكثر كفاءة، وتحسين الأصناف المزروعة لتكون أكثر مقاومة للجفاف والحرارة، إلى جانب إدارة المراحل الحرجة للإزهار والإنتاج؛ لضمان استدامة الموسم وجودة المحصول، دون أن تصرح عن النتائج ومناطق المعالجة.