Chapeau!” عزمي محافظة
الهستيريا التي تصاحب الأوبئة والكوارث والحروب والأزمات لا تقل خطورةً عن ملمّاتها لما تحدثه من ضبابية في الرؤية وتخبط في اتخاذ القرارات خصوصاً في بواكير الأحداث.
الغريب أن منطق العلم وخبرة العلماء في الدول ذات الأنظمة الشمولية ودول “KG1”” و “KG2” ديمقراطية"؛ لا تشفع في كثير من الأحيان لدى صانعي القرار والسواد الأعظم من الشعوب فيها لتوجيه البوصلة وجهتها الصحيحة، ليطغى دائماً ميل وقبول جمعي للتمترس خلف سلطة عليا ذات قوة وجبروت يسلم لها الزمام فتتصدر شخصياتها المشهد وتديره بإسلوب ولغة تجمع بين حزم الآباء وحنو الأمهات وبطبيعة الحال؛ تفرد القرار وإحادية تحديد المسار.
هذه الحالة من التحوصل بدورها مؤقتة سرعان ما تبدأ بالتلاشي مع استعادة الناس لحواسهم وإحساسهم وخروجهم من شرنقة خوفهم، ليبدأ المجتمع تعافيه النفسي والعاطفي، لتتلو ذلك مرحلة التقييم والسؤال عن التالي، ليكتشف أنصار التقوقع بالأمس أنهم أول ضحاياه اليوم وكل يوم، فالاختباء قد يرجئ مواجهة المشكلة لحين لكنه لن ينهيها بحال، فما تختبئ منه سيبقى في انتظارك حتى تعود، فإذا عدت مجرداً من كل سلاح ستجد ما فررت من مواجهته يطلبك بإصرار وتوحش. استراحة المحارب هدنة بعد قتال يعقبها قتال لتنتهي الحرب بانتصار وهزيمة، فهل أعددنا السلاح الفعال لخوض معركة الوباء ومباشرة النزال؟
الدكتور عزمي محافظة قامة وطنية لها احترامها وتقديرها، كان وما يزال صوتاً جريءً وعقلانياً نادى ونحن في عين العاصفة حيث غلبة صوت صافرات الإنذار؛ بضرورة تحكيم المنطق والعلم والخبرة وعدم الانجرار نحو تأزيم الأزمة بحلول وقرارات غير مدروسة بعناية ولا قائمة على أسس علمية استقرائية دقيقة، مع أنها حظيت في حينه برضى العامة الباحثين عن قشة الغريق الموهوم، لتتضح عدم جدوى كثير منها بل سوء عاقبتها على المدى القصير والمتوسط وربما الطويل.
عزمي محافظة كان يحذر مع مجموعة كبيرة من أطباء وخبراء العالم أن العلم يأبى قبول نظرية "الأصفار" وإعلانات "الخلو من الفيروس" التي من شأنها تضليل الرأي العام، في المقابل، يدعو محافظة مستنداً إلى التحليل والتأصيل العلمي والإحصائي إلى عدم استمراء فرض الحظر بوصفه إجراءً يحول دون تفشي الوباء، إذ أن التعايش واتخاذ الحيطة والحذر من خلال ارتداء الكمامات واتباع قواعد التباعد والسلامة وتشديد الرقابة عليها، هو الحل الاستراتيجي طويل الأمد الذي يراه محافظة مفضياً إلى تقليص معدل الإصابات والحد من تفشي العدوى.
لن نردد مع جموع المتسائلين تساؤلهم عن الثمن الباهظ لفرض الحظر الشامل لمدة شهرين تقريباً مع بداية الأزمة حينما كانت معدلات الإصابة في حدودها الدنيا والرجوع عن هذا الحل مع تزايد المعدلات بشكل لافت، ولن نناقش آثار ما ترتب على ذلك من ارتفاع في معدلات البطالة وانخفاض في مستوى الدخل، فهذه أمور قد تبررها متلازمة "قرارات ردّ الفعل السريع الناجم عن الخوف والترويع" التي تصاحب الأزمات الكبرى، ولن نعيد طرح الأسئلة حول إدارة المعابر وفاعلية إجراءات مراقبتها التي أقر المعنيون برصد ثغرات فيها، إلا أن ما لا يمكن تجاهله هو الإصرار على تكرار تجربة الحلول ذات الطابع العسكري التي أثبتت عدم فاعليتها والمستنسخة من تجارب دول بوليسية مثل الصين وغالبية الدول العربية، في الوقت الذي كانت فيه دول ديمقراطية أخرى تسطر تجارب ناجحة مبنية على أسس وقراءات واستنتاجات علمية محضة، هناك حيث يتصدر المشهد الأطباء المتخصصون في علم الفيروسات والأوبئة والخبراء والعلماء الذين يفرضون على السلطة ما يجب فعله وما ينبغي تلافيه ومن هي الفئات الأولى بالحماية والرعاية لكونها أكثر عرضةً لخطر الإصابة ومضاعفاتها... في تحييد كامل وواضح لآرائهم وتوصياتهم عن أي تأثير سياسي أو إداري غير مهني، مستنيرين بآراء فرق متعددة التخصصات لبيان الآثار الاقتصادية والنفسية والتعليمية والاجتماعية لكل قرار يتخذونه وكل إجراء يوعزون للحكومة القيام به.
عزمي محافظة من وجهة نظري ووجهة نظر كثيرين؛ صوت العقل في أزمة عصفت متلازماتها الانفعالية بكثير من العقول وبالمنطق والمعقول، فهل آن الأوان لنستمع لصوته بدلاً من سماع دوي الصافرات التي تعلن عن بدء الحظر ونهايته؟
عزمي محافظة، تحية و “Chapeau!”.