يوسف دوّاس.. كاتبٌ وفنّان قصفه الاحتلال

الشهيد يوسف دوّاس

بشَعره المُبعثَر وغيتاره الذي يحتضنه جسمُه النحيل المُستنِد إلى عمود خشبي، ومن خلفه البحر. هكذا تُظهِر لنا إحدى الصور الشابّ العشريني يوسف دوّاس. صُورة كان يُمكن لصاحبها أن يكبر في قلوب مُحبّيه وأهله، وكذلك رفاقه وأصدقائه الذين عرفوه عازفاً وكاتباً، خاصة بالإنكليزية، لولا القصف الإسرائيلي الوحشي الذي استهدف أحد الأحياء السكنية شمالي بيت لاهيا، في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. ما أدّى، أيضاً، إلى استشهاد سبعة وعشرين شخصاً من عائلته. إنها جريمة إبادة موصوفة.

نشَط دوّاس في مبادرة "لسنا أرقاماً"، التي تحاول، منذ تأسيسها عام 2015، أن توثّق معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال بعيداً عن ربطها بخطاب الإحصاءات التي تحوّل تجارب الناس المريرة إلى مجرّد أرقام. ومطلع هذا العام، قدّم مقالاً بالإنكليزية حمل عنوان "من يدفع ثمَن العشرين عاماً التي فقدناها؟"، يعود فيه إلى أول أيام عيد الفطر عام 2022، وكيف دمّرت الطائرات الإسرائيلية بستانهم. يوصّف المقال كيف حاولت عائلته أن تخلق جوّاً من الأمان في مواجهة الرعب الذي حلّ عليهم، وإن كان هذا صعباً، كما يقول، "العائلة تُفضّل أن تموت معاً على أن تكون متفرّقة"، ومن يقرأ هذه الكلمات يعتقد لوهلة أنها نبوءة، لكنها في حقيقة الأمر وعيٌ عميق بالواقع.

نتساءل: ماذا لو كان هذا الشابّ مُستوطِناً، بأيّ دعاية كان الكيان سيشيّعه يا تُرى؟ وكم من مثقّف أوروبيّ سيسارع إلى هرش ضميره أمام هذه الجريمة؟

نشط في جمعية "لسنا أرقاماً" ووثّقت كتاباته معاناة أهل غزة

إلى جانب ما سبق، كان دوّاس ُمساهماً في كتاباته بموقع "الوقائع الفلسطينية"، الذي نشر، كتحية للكاتب، تسجيلاً له يُظهره وهو يتحدّث عن رغبته بزيارة مدن مختلفة حول العالم. كان ينتقل في كلامه بين موضوع وآخر باندفاع الشابّ الطموح. وعلى صفحات الموقع ذاته يستوقفنا آخر مقالٍ له وقّعه بالإنكليزية، أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي، بعنوان "زرع الكلى والولادة الجديدة: قصة حبّ فلسطينية". حيث يتناول فيه قصة زوجين من غزّة: عنان وريما، والرحلة الشاقة التي خاضاها منذ عام 2021 لعلاج الزوجة من فشل كلوي أُصيبت به. نقرأ كلمات دوّاس وهو ينتقل بنا في كلّ محطة مرّا بها، وبقدر ما يشفّ كلامُه عن حبّ كبير يجمعهما (استغرق العلاج عامين وشهراً ويومين وخمس ساعات)، يكشف، أيضاً، عن قدرته على التقاط تفاصيل معاناة الحياة اليومية التي يعيشها أهالي غزة في ظلّ الحصار الإسرائيلي المُطبق.

نعَى كتّاب ومثقّفون فلسطينيون وعرب الراحلَ، فضلاً عن أصدقائه الذين عرفوه وعملوا معه عن قرب، كما لفتت "مؤسسة تامر التعليمية"، عبر حسابها على فيسبوك، إلى أن الراحل كان عضواً ناشطاً في فِرق الشباب الأدبية التي ترعاها المؤسسة في غزة: "يراعات" و"أصوات من فلسطين".

وككاتب وعازف وناشط اجتماعي، وصاحب محاولات شعرية أُولى خطّها بالإنكليزية، ظلَّ طموحُه المستقبلي أن يصبح مُحلّلاً نفسانياً، كما كتب، في رثائه، زميل له في "لسنا أرقاماً". لا يمكن أن نقول إن يوسف دوّاس هو فردٌ واحد، وإن كان تميّزُه يدفع إلى ذلك، بل هو يمثّل طيفاً واسعاً من الشباب الغزاوي الذين استطاعوا إثبات أنفسهم، رغم كل أهوال الاحتلال التي يعيشونها.

نعود إلى صُور يوسف، فنقع على واحدة مُلتقَطة منذ عامين، يرتدي فيها قناعاً اتّقاء الوباء ويُقدّم بيده زهرة حمراء لصديق مفترض، أو ربّما لحبيبة موعودة. وأُخرى، يظهر فيها بحر غزّة ميداناً مفتوحاً لخَيله، وبصحبته شبابٌ وأصدقاء غزّاويون، مَن يدري كيف يدفعون، اليوم، عن أنفسهم الموت الإسرائيلي؟

أضف تعليقك