وزارة صحة أم وزارة كورونا؟
تتحمل وزارة الصحة مسؤولية في مواضيع مختلفة ومتعددة منها إدارة المستشفيات والتأمين الحكومي ومنها دائرة الامراض السارية وغير السارية ومنها صحة المرأة والطفل والتوعية الصحية والأمراض الصدرية وصحة ذوي الاعاقة والصحة النفسية والرقابة الصحية والتمريض وطب الأسنان والطب الشرعي وبنك الدم والتمريض والمختبرات وزراعة الأعضاء وغيرها.
والمعروف أن وزير الصحة بصفته عضو مجلس الوزراء لديه مسؤوليات وطنية منها كل ما يتعلق بالصحة والاقتصاد الوطني وحتى العلاقات الدولية فيما يتعلق بالصحة مثل البعثات الطبية وشراء الحاجات الطبية وترتيب أولويات الدعم الدولي للقطاع الصحة وغيرها.
أوردت كل هذه المسؤوليات للتوضيح ليس فقط أهمية وزارة الصحة ولكن حاجة من يقف على هرم هذه الوزارة الهامة ضرورة إيجاد توازن بين ما تقوم به الوزارة ووزير الصحة - مشكوراً- فيما يتعلق بمحاربة وباء الكورونا وبين كافة الامور الاخرى الموجودة.
فما الفائدة مثلا في السيطرة على وباء الكورونا وعدم تجاوز عدد الوفيات الى العشرات في حين يموت سنويا في الأردن تسع الالاف شخص متأثرين بأمراض متعلقة بالتدخين؟
وما الفائدة من وجود عدد قليل نسبيا من الإصابات في الأردن من وباء الكورونا في حين زادت بشكل كبير حالات العنف المنزلي وحالات الغائبة وغيرها من الأمراض النفسية؟
وما الفائدة من وضع كافة الكوادر الطبية في محاربة الكورونا في حين يبدو أن مهمة مراقبة الأغذية وغير ذلك تم التراجع فيها مما يسمح لضعاف النفوس من إجراءات تسببت في تلوث شحنات الدجاج الى منطقة عين الباشا؟
وما الفائدة من منع صالات الاعراس من العمل ضمن شروط صحية وتحت رقابة المفتشين الصحيين في حين الالاف الناس يشاركون في اعراس واتراح في البساتين وعلى سطح المنازل وغيرها من الأماكن غير المنظمة لتلك الأحداث؟ فمن قرر منذ مدة عقد قران ابن او شقيق فإن منع الاحتفال في الصالات لن يوقفه من ذلك مما يعني الأمر السوء من ناحيتين حيث لم يتم احترام التباعد وعدم أكل المناسف من صدر واحد من ناحية ولم تستفيد صالات الاعراس والقطاع بأكمله بسبب منعه من العمل. وما الفائدة من وجود منع للوصول السياح من دول خضراء او من قام بفحص قبل الوصول وفحص عند الوصول وتم تنزيل تطبيق امان ويكون ضمن مجموعة معروفة لها مسار ومناطق تواجد معروفة؟
كنا نتحدث مع صديق في احدى المدن الامريكية وسألني عن عدد الإصابات في الأردن بالكورونا ذلك اليوم وكانت إصابة واحدة محلية. فضحك وقال انه عندما تكون 200 إصابة في مدينتنا نعتبر أن الوضع في تحسن وأنه وضع مقبول.
إذا فالمطلوب إيجاد توازن بين محاولة السيطرة المطلقة (والتي هي شبه مستحيلة) وتقبل نسبة مخاطرة معقولة. إن الدعوة للتوازن لا يعني تراجع الانجازات الهامة في محاولة السيطرة التامة على توسع وباء الكورونا كما وان التوازن لا يمنع في أي وقت العودة الى التشديد في حال وجود حاجة حقيقية لذلك ضمن مبدأ التوازن.
قد يقول قائل إن هناك حاجة للعديد من الجرأة للحد من الوفيات خاصة في بلد ضعيف الإمكانيات الصحية والذي لا يتحمل وجود أعداد كبيرة من المرضى ولكن الأمر ليس بهذه السهولة.
فمثلا يمكن منع التدخين كلياً لتوفير وفيات امراض التدخين او يمكن منع التنقل بسيارات خاصة او غير ذلك لتوفير أرواح من تزهق في حوادث السير، الا ان الامر غير منطقي.
للحياة متطلباتها يجب أن تسيير ولابد ان لكل امر نسبة معينة من المخاطر. فهل من المنطق أن نصر على نسبة تقارب الصفر من مخاطر الكورونا في حين نسمح بنسب متفاوتة لأمور أخرى؟ فمن المعروف انه لا يمكن وقف التدخين كليا او منع السيارات الخاصة من التنقل أو غير ذلك من أمور قد تقلل الوفيات لكنه من شبه المستحيل وقفها كليا.
التوازن يطلب مساواة في المخاطر ومقاربة في القرارات المقيدة بحيث يكون هناك درجة معقولة من الوقاية مع إجراءات ممكنة للاستمرار مجريات الحياة من التعليم والعمل والسفر.
طبعا هناك أنصار كثيرون لسياسة التقييد الشامل وهناك من يؤيد بدون أي تردد استمرار التشديدات والعودة للحظر وغيره من التشديدات (عدد من المطالبين بذلك يقومون بكسر التقييد لأنفسهم) ولكن يجب ان لا تخضع قرارات الدولة الأردنية (وليس فقط الحكومة) الى رأي من جهة واحدة.
لا شك أن لكل جهة وزن ولرأي وزارة الصحة وزناً كبيراً ولكن حتى رأي وزارة الصحة بكافة مكوناتها واهتماماتها يجب أن يكون معروض لنقاش وطني من خلال تشابك مع المجتمع وليس فقط من خلال ايجاز باتجاه واحد او مؤتمر صحفي محدود الفائدة لا يعكس التنوع الفكري والآراء المختلفة لبلد بأكمله.
أحيان يشعر المواطن والمقيم في الأردن ان هناك جهة كاملة المعرفة وأن باقي الشعب لا رأي لهم لأنهم يجهلون كل ما يعرفه صاحب القرار رغم أن العلم اليوم موجود في متناول الجميع.
إن التوازن ضروري وممكن وتقبل نسبة معقولة من المخاطرة ليست امراً سيئا لدولة أصلا تعاني من مشاكل اقتصادية وبطالة عن العمل عالية فمن الضروري أن يتم اخذ الأمور الاقتصادية والنفسية وغيرها بعين الاعتبار وليس فقط مخاطر محدودة لإمكانية توسع الوباء.
اما فيما يتعلق بالكورونا فنحن بحاجة الى وزارة او على الاقل دائرة متخصصة في مرض الكورونا في وزارة الصحة كي يكون هناك اهتمام من قبل الوزارة في الصحة العامة للجميع بما فيها الصحة الجسدية والنفسية وباقي الأقسام الموجودة ضمن هيكل وزارة الصحة.