هل الأردنيون سعداء؟
العربي الجديد _ يتردّد في مجال التنمية البشرية أنّ هناك عشر علامات تحدّد أنّك إنسان سعيد أم لا، أهمها ألّا تفكّر بالغد، وأن تملك بيتاً يأويك، ولا تغضبك أتفه الأشياء. بالإضافة إلى مؤشراتٍ أخرى لها علاقة برفاهية العيش وردّات الفعل المنطقية من عدمها على الأحداث اليومية التي تواجه الإنسان.
وبسؤال أشخاصٍ في المحيط بشكل بسيط، غير مهني، تبيّن أنّ غالبيتهم لم تتحقق لهم ثلاثة معايير من تلك العشرة، وهم بالمناسبة أناسٌ يعملون ولا يعانون من البطالة (وإن كانت غير مقنّعة). لكنّهم، في النهاية، يذهبون إلى العمل يومياً. ولديهم عائلات، وليسوا من الأردنيات والأردنيين الذين فاتهم قطار الزواج، سواء بإرادتهم أو لعدم توفّر الإمكانات المادية لذلك.
تسيطر حالةٌ عامةٌ من الكآبة وعدم الرضا على أردنيين كثيرين، وتلمس عدم الرضى بحديثهم عن واقعهم اليومي الذي غالبا ما يصفونه في نقاشاتهم وأحاديثهم بالمرير، وشكواهم الدائمة من تراجع المستوى الاقتصادي بشكل واضح، والارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات.
غياب الثقة بالجهات الرسمية هو عنوان العلاقة بينها وبين الشعب في الأردن اليوم
يكفي أن تنظر إلى وجوه الناس صباحا في سياراتهم متوجّهين إلى أشغالهم، أو على أبواب مدارس أولادهم، لتعرف ما يعانيه شعبٌ لم يلمس الراحة منذ سنوات، ولم تعد الخدمات الصحية، ولا التعليمية، ولا فرص العيش والعمل، كافيةً ولا مناسبة. مع تراجعٍ كبيرٍ في أداء حكومات متعاقبة وصل إلى غياب الأداء في الحكومة الحالية التي ينتظر الناس رحيلها من جهة ليسوا متفائلين بمن يأتي بعدها من جهة أخرى، فغياب الثقة بالجهات الرسمية هو عنوان العلاقة بينها وبين الشعب في الأردن اليوم.
لم يحتج الأمر استمزاج رأي العامة للإجابة عن سؤال ما إذا كان الأردنيون سعداء أم لا ، متفائلين أم لا، كما جاء استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، في أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، حيث جاءت إجابة غالبية الأردنيين بنسبة 79% لا يعتقدون أنّ مجتمعهم سعيد، مقابل 58% وصفوا أنفسهم سعداء، علماً أنّ العيّنة شملت كلّ المملكة وجاءت مناصفة بين الذكور الإناث.
أثارت هذه النتائج ردود فعل متباينة ما بين مؤيدٍ ومعارض، ولكن ما لا يمكن إغفاله أن مركز الدراسات رسمي تابع للحكومة وذو مصداقية، إضافة إلى أنه لا يمكن التغاضي عن الحوار في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يؤشر، بطريقة أو أخرى، إلى اختلاف التطبيقات، وإلى اختلاف أعمار روّادها وخلفياتهم الاجتماعية ومناطقهم الجغرافية، إذ يفيد بأنّ الأردنيين غير راضين ولا متفائلين. وبالتأكيد، عبّر غالبيتهم أو غالبية من عبّر عن رأيه أنه غير سعيد فعلاً!
وإلا كيف يتفق أنّ أردنيين كثيرين يرغبون بالهجرة من دون أن يحدّدوا السبب ولا الوجهة بشكل قاطع، بل بلغت نسبتهم 48% وفق نتائج دراسة حديثة أصدرها مركز "الباروميتر العربي"، إذ تفوقت العينة، وفقاً لهذا الاستفتاء، على دول تعاني من اضطرابات وحروب، كلبنان والعراق وفلسطين المحتلة.
يقترح أردنيون أن يشتمل التعديل أو التغيير الحكومي القادم على وزارة سعادة، للتخفيف من وطأة التشاؤم التي تسيطر على الأردنيين حاليا
يقترح أردنيون أن يشتمل التعديل أو التغيير الحكومي القادم على وزارة سعادة، للتخفيف من وطأة التشاؤم التي تسيطر على الأردنيين حاليا، لكن التجربة الأردنية تثبت مرارا وتكرارا أن احتياجات أساسية لها وزرات عريقة وميزانيات محدّدة لم تنجح في رفع مستوى الرضى عن أدائها، فلدينا مثلا وليس حصرا وزارتا صحّة وتعليم، والرضا عن خدماتهما في تراجع واضح. وهناك وزارة تنمية سياسية تشجع على انخراط الجميع في الحراك السياسي، وما زال الأردنيون يختارون نوابهم بحسب مفهوم العائلة والعشيرة أو المال السياسي. ووزارات أخرى عديدة، ولم تحقّق أدنى مستويات الخدمة في مجالها.
لا يخفى على أحد أنه، ولسبب ما، جرى تجريف منظّم للإدارة العامة الأردنية، حتى غابت فيها معايير الأداء العام السليم، ويلاحظ اختفاء صانعي الآليات ومتخذي القرارات الحاسمة بشجاعة وفاعلية، وتحوّل غالبية أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة إلى موظفين برواتب عليا لا أكثر.
يؤمل أن تكون لدى الأردنيين فرصة حقيقية في مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، علها تستطيع إعادة بوصلة الأداء الحكومي، بل والرسمي، نحو الهم العام ومكافحة الفساد وعدم العدالة في الفرص الذي هو، بطريقة أو بأخرى، سبب تعاسة الأردنيين في العمق وتراجع ثقتهم بكل ما هو رسمي.