هل أدخلت قيود النشر والضغوط الإعلام الأردني "بيت الطاعة"؟
أمطر الإعلام الأجنبي الأردنيين بمئات الأخبار والتسريبات والتحليلات في قضية الأمير حمزة الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، منذ السبت الماضي، في الوقت الذي وقف فيه الإعلام المحلي يراقب المشهد، في ظل حظر النشر، وضغوطات منعت نشر روايات أخرى للأزمة.
ولم يمض يوم على قرار النائب العام الأردني، حسن العبداللات، الثلاثاء الماضي، نشر أي معلومات على جميع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بالخلافات بين الملك عبد الله وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة بن الحسين، حتى أصدر النائب العام الأربعاء عن استثناءين في قرار حظر النشر.
وقال النائب العام حسن العبداللات، إن قرار الحظر يستثنى منه "ما يعبر عن الآراء وحرية الرَّأي والتَّعبير".
استياء في الجسم الصحفي
قرارات حظر النشر التي طالت الإعلام الأردني في قضايا مختلفة، ومنها قضية نقابة المعلمين، وأزمة الأمير حمزة، فاقمت من عدم ثقة المواطن الأردني في الإعلام الرسمي والمحلي، وأثارت استياء صحفيين وناشري مواقع إلكترونية إخبارية، بعد أن انفردت صحف مثل واشنطن بوست التي تبث من وراء البحار تفاصيل ما يجري في المملكة.
الرئيس التنفيذي السابق لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، يقول لـ"عربي21" إن "حظر النشر لا يتجاوز حدود الأردن، ونرى أنه يقيد حرية التعبير والإعلام، ويشكل قيدا لا يتماهى ولا يتواءم مع المعايير الدولية. وحسب فهمنا القانوني، حظر النشر حسب القانون الأردني ينحصر في محاضر التحقيق؛ لذلك يجب ألّا ينسحب ويتوسع التفسير على كل قضية تثير جدل الرأي العام، مثل قضية نقابة المعلمين وقضية الأمير حمزة".
واعتبر منصور أن "الخاسر الأكبر في حظر النشر هو الإعلام الأردني، وصمته يعني استنكاف كل الجموع عن متابعته، وهو يعاني أساسا ضعفا في اهتمام الناس الذي يرون أنه غير مستقل، وبالتالي سيدفع الأردن الثمن، وسيكون دون إعلام وطني يلتف الناس حوله ويصدقون ما يتضمنه".
ودعا إلى أن "يكون الإعلام المحلي حاضرا في كل التفاصيل، وضمان تدفق المعلومات لكل وسائل الإعلام، واحترام إرادة الإعلام في حق الوصول للمعلومات".
ويتفق الكاتب الصحفي وناشر موقع وكالة نبأ الأردن الإخبارية، نشأت الحلبي، مع ضرورة تدفق المعلومات لوسائل الإعلام، قائلا لـ"عربي21": "منع النشر أمر مرفوض في كل الأحوال، فهذا قرار يحجب المعلومة عن الناس، الذي يتعطشون لمعرفة تفاصيل أكثر وحيثيات أكثر حول قضية مهمة أدخلت البلاد في منعطف خطير وهام".
وأضاف الحلبي: "هذا التعطش بلا شك سيدفع بالناس إلى البحث عن أي مصدر للمعلومة، وهنا، فإن الناس سيقعون ضحايا المعلومة المشوشة، أو الكاذبة، أو تلك التي تهدف لتعميق الشك في نفوسهم حول مصداقية المصدر الرسمي في التعامل مع هذه القضية".
وأكد في الوقت ذاته أن "منع النشر يحجب المعلومة الحقيقية، التي لا تهدف إلى أي أبعاد أخرى سوى مصلحة البلاد، وهي التي من شأنها أن تعزز ثقة المواطن بالمصدر الرسمي أولا، والإعلام المحلي ثانيا، وهنا نتحدث عن ضرب مصداقية الإعلام الأردني كذلك أمام الرأي العام، فابتعاده، أو إبعاده قسرا، عن المعلومة والتعاطي معها، يشكك الناس بمصداقية هذا الإعلام، لتخسر الدولة مستقبلا أهم منابرها، خصوصا في الأوقات الحساسة والمفصلية في تاريخ البلاد".
قانونيا
وفي مطالعة قانونية نشرها مركز إحقاق للدراسات القانونية، بينت حدود حظر النشر في القانون الأردني، وقالت إن الحظر ينحصر في "إن المادة (39) من (قانون المطبوعات والنشر وتعديلاته رقم 8 لسنة 1998) تحظر على المطبوعة الصحفية نشر محاضر التحقيق المتعلقة بأي قضية قبل إحالتها إلى المحكمة المختصة، إلا إذا أجازت النيابة العامة ذلك.
كما كفل الدستور الأردني أن تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، وتقضي أيضا بأنه لا يجوز تعطيل الصحف ووسائل الإعلام ولا إلغاء ترخيصها، إلا بأمر قضائي وفق أحكام القانون.
الإعلام يعاني وخائف
وأكد صحفيون أردنيون أن معاناة الإعلام المحلي تتمثل في "حظرين"، حسب الصحفي جهاد أبو بيدر، وقال لـ"عربي21": "نعاني من حظر التجوال الشامل يوم الجمعة والجزئي باقي أيام الأسبوع، بالإضافة لقرارات حظر النشر، ومنع تداول معلومات حول الأحداث الأخيرة".
وقال إن "مطبخ الدولة لا يعي أن سلاحه الأول يجب أن يكون الإعلام، لا أن يلجمه ويمنعه من الحديث عن قضايا تهم المواطن الأردني، ما يدفعه إلى التوجه خارجيا إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات قد لا تكون صحيحة ومغلوطة، وهنا عندما تقرر الجهات الرسمية منع الإعلام، فهي تحاصر نفسها في البداية، اليوم لا يوجد شيء اسمه منع انسياب المعلومات في ظل الإعلام الحديث".
وتابع: "اليوم لم نعد نجرؤ على الكتابة؛ خوفا من القانون والعقوبات المفروضة علينا، على الدولة أن تعي وهي تخوض حربها بأنه يجب أن يكون الإعلام في مقدمة الصفوف، وأن يحصل الإعلام على المعلومة من مصدرها لطمأنة الناس، وأن تكون المعلومة شفافة. وحقيقة، اليوم الإعلام يشعر بالخزي والعار كونه لم يستطع مواجهة سيل المعلومات من الصحافة الأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي".
وأضاف أبو بيدر: "والصحفي محدد بسلطة القانون والضغوطات، والمفترض هو من يخرج على الإعلام الأجنبي لإيصال رسالة بعيدة عن التشكيك، لكن هنالك محاولة ممنهجة لقتل الإعلام الأردني، وللأسف نحن كإعلاميين أردنيين دخلنا بيت الطاعة لأننا لم نقل لا".
غياب وتخبط
وسادت حالة من التخبط الرأي العام الأردني عقب الاعتقالات الأمنية التي طالت مسؤولين مساء السبت الماضي، ووضع الأمير حمزة في إقامة جبرية في منزله، في ظل غياب تغطية محلية للحدث.
وانشغل الرأي العام الأردني بما نشر من أخبار وتسريبات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، منتقدين غياب الرواية الرسمية. محمود أبو هلال من العاصمة عمان قال لـ "عربي21" إن "الرواية الرسمية غابت، وبالتالي الإعلام الرسمي في اللحظة والموقف والحدث الذي يفترض أن تظهر فيه، فيما حضر المواطن الصحفي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وتابع: "رغم التمويل المادي والأجور والرواتب الشهرية، والدعم والتسهيلات، نجد أن الإعلام الرسمي يخفق، ويبدو ضعيفا ومهزوزا عند حدوث أزمة ما أو حدث طارئ، ونكون أحوج إليه، في ظل هجمات إعلامية خارجية شرسة، ومحاولات لتضليل إعلامي".
أما سائق التاكسي محمد أبو صفية، فعلق: "أين الإعلام الرسمي؟.. المفترض أن يكون هناك بيان رسمي للإعلام العالمي يتحدث عن الأردن، ومع الأسف الشديد الحكومة في نوم عميق".
وظل الأردنيون طيلة الأيام الماضية مع العديد من الأسئلة، بالمقابل حصلوا على القليل من الإجابات منذ انتشار تسريبات قضية الأميرة حمزة، وحتى عقب كلمة الملك، ثارت العديد من الأسئلة التي لا يزال الشارع بانتظار إجابات لها.