هدف ذاتي كان يمكن تجنبه
كان يمكن أن تقوم مؤسسة "هيومن رايتس ووتش" عقد مؤتمرها الصحفي يوم الثلاثاء حول الوضع الفلسطيني في أي من المؤسسات المحلية في الأردن ولكنها اختارت مكانا عاما- أحد فنادق عمان. قد تكون المطالبة بعقد مؤتمر صحفي في فندق مثل فندق لاندمارك أمرا طبيعيا حيث تقام مؤتمرات وورشات عمل يوميا.
ولكن الطلب بعقد مؤتمر صحفي لمدير "هيومن رايتس ووتش" في فلسطين وإسرائيل والمبعد من الطرف الإسرائيلي أمر في غاية الأهمية، حيث كان من المفترض أن يعلن عن تقرير مكون من 92 صفحة يفضح سياسات إسرائيل المتعلقة بالشعب الفلسطيني وخاصة في رفض توفير الحقوق المدنية والسياسية للشعب الفلسطيني كما يفرضه القانون الدولي الإنساني على دولة احتلال.
ولكن الأمور لم تسر كما كان من المفترض أن تسير. فرغم قيام ممثل المؤسسة العالمية المرخصة لدى وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية بدفع مسبق بدل استئجار القاعة في فندق لاندمارك إلا أن المسؤول في الفندق وفي آخر لحظة أبلغ منظمي المؤتمر باعتذارها عن عقد المؤتمر وذلك لسبب عدم الحصول على موافقة من الجهات الأمنية. تنص المادة 128 ا من الدستور الأردني في تعديله بعد الربيع الأردني أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو أن تمس أساسياتها." فحيث كان انعقاد الاجتماعات العامة بحاجة إلى موافقة مسبقة أصبح المطلوب فقط الإعلام لا أكثر.
ولكن ذلك التعديل المهم لم يستمر تطبيقه لمدة طويلة حيث تآكل الأمر وأصبحت الدولة ومن خلال الأجهزة الأمنية والحكّام الإداريين كمحافظي المدن تستطيع منع الاجتماعات فقط من خلال الضغوط غير المباشرة على أصحاب القاعات العامة والفنادق.
ففي حين كان يسمح بعقد اجتماعات عامة فقط بمجرد إعلام الجهات الأمنية قبل 48 ساعة، تراجع القرار وأصبح على من يرغب بعقد لقاء عام أن يحصل على موافقة المحافظ والجهات الأمنية. أيدت "هيومن رايتس ووتش" احتجاجات المجتمع المدني حول الموضوع وأصدرت تقريرا ينتقد الضغط على أصحاب القاعات والفنادق بمنع عقد أي لقاء لا ترغب الدولة الأردنية به. ويبدو أن ذلك الانتقاد أزعج البعض في الدوائر الأمنية وعندما جاء دور "هيومن رايتس ووتش" لعقد اجتماع عام حاول البعض بدون أي تفكير أو تخطيط الانتقام ضد المؤسسة ولكن ذلك الانتقام السخيف أثبت موقفهم.
المنظمة اتبعت الطريق الروتيني وحجزت القاعة في الفندق لعقد المؤتمر الصحفي الذي كان مقرر عقده الثلاثاء الساعة 11. ورغم الدفع المسبق والحصول على حجز القاعة إلا أن مسؤول القاعة في الفندق لم يستطيع ضمان عقد المؤتمر دون الحصول الموافقة الأمنية. وفعلا لم تصل الموافقة وبذلك قام مسؤول الفندق بإعلام المؤسسة العالمية أن مؤتمرها لن يعقد بسبب تعذر الحصول عليها.
قامت "هيومن رايتس ووتش" بالإعلان عن عدم عقد المؤتمر الصحفي بسبب عدم السماح له من قبل الجهات الأمنية الاردنية. فيما سارع المسؤولون الأردنيون بالقول إنهم لم يمنعوا إقامة المؤتمر وفعلا بعد مرور وقت المؤتمر بعدة ساعات تم إعلام المنظمين بتراجع الجهات الأمنية عن قرار المنع، ولكن بعد الضرر الذي كان يمكن تجنبه بسهولة لو كان هناك تجانس والالتزام بالدستور والقانون.
يا لها من مفارقة، فبعد أن كان الأردن على وشك أن يسجل نقطة مضيئة باستضافة عمر شاكر مدير "هيومن رايتس" المبعد من إسرائيل، سبب قرار غير مدروس فضيحة ولو مؤقتة للأردن بمنع إقامة مؤتمر صحفي لمؤسسة "هيومن رايتس ووتش".
المؤتمر الصحفي عقد في اليوم التالي ولكن الضرر للأردن تم. فهل من معاقبة أو مراجعة لمن اتخذ القرار الخاطئ أو من تقاعس بأخذ القرار الصحيح بحق مؤسسة عالمية تعمل قانونيا في الأردن ومسجلة لدى وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية.
مرة أخرى يسجل الأردن هدفاً في مرماه بسبب إهمال أو بسبب محاولة خاطئة وغير مدروسة لمعاقبة مؤسسة عالمية مثل "هيومن رايتس ووتش".
إن الإصلاح السياسي في الأردن ممكن وقريب المنال ولكنه يبدأ باحترام صارم وجدي للدستور والقوانين. ففي الحكومات الديمقراطية يعاقب من يخل بتنفيذ الدستور والقوانين حتى ولو كان عضواً في الجهاز الأمني.
عند التعيينات للمواقع المتقدمة في الدولة الأردنية يقسم كل مسؤول مدني كان أو أمنى أمام جلالة الملك بالالتزام بالدستور والقانون، ولكن من الواضح أن هذا القسم غير مطبق في كل الأحوال ويتم التلاعب وتجاوز الدستور من خلال محاولة استرجاع السيطرة الأمنية على حق سياسي كفله الدستور.