مُنعت من دخول مصر: إنها جزء من ظاهرة خطيرة

 

كانت الرحلة روتينية بالنسبة لي. لقد زرت مصر العديد من المرات- في فترة حكم مبارك وخلال احتجاجات الربيع العربي، وفي الفترة القصيرة لحكم الرئيس محمد مرسي وعدة مرات خلال الحكم العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي.

ولكن هذه المرة، كان الأمر مختلفاً: عندما وصلت إلى مطار القاهرة الدولي في 12 ديسمبر/كانون الأول كان هناك شخص يحمل بطاقة باسمي ينتظرني. كنت مدعواً لحضور مؤتمر تم تنظيمه من مؤسسة إنجيلية أمريكية بالتعاون مع شركاء في مصر. ذكرت الدعوة أن اللقاء يجري تحت رعاية رئاسة الطائفة الإنجيلية في مصر وأن هدف ورشة العمل التعامل بشفافية للمؤسسات المسيحية وهو موضوع غير خلافي ولا يتعلق بالسياسة المصرية.

وكما جرى في كل زيارة سابقة قدمت جواز سفري للمسؤول وبعد نظرة سريعة قام بختم الموافقة، غير أنه بعد ثوانٍ، وبعد أن أعاد النظر على الشاشة أمامه، تراجع وشطب ختم الدخول وطلب مني الانتظار. وبعد عشر ساعات أُبلِغتُ بأنه تقرر عدم السماح لي بدخول مصر وتم ترحيلي في نفس الطائرة التي أتيت بها اليوم السابق.

إن مصر تحت إدارة المسؤول العسكري السيسي لم تعد نفس الدولة التي زرتها العديد من المرات. لقد وثق معهد الصحافة الدولي ومقره فيينا والذي أنا نائب رئيسه أن 61 صحفياً لا يزالوا يقبعون في السجون المصرية.

وقال المعهد إنه في الثلاثة أشهر الماضية تم سجن أكبر عدد من الصحفيين منذ وصول السيسي للحكم عام 2014. ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي تم اعتقال وسجن 25 صحفياً مما يجعل مصر أحد أكبر ثلاث دول تعتقل صحفيين وعاملين في الإعلام عالمياً خلال عام 2019.

ففي الشهر الماضي، تم سجن شادي زلات وهو صحفي يعمل لدى الموقع الكتروني المهني “مدى مصر”. فقد قام أعضاء من قوى الأمن المصرية بمداهمة مكاتب الموقع في القاهرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني وتم توقيف ثلاثة من الموظفين، منهم رئيسة التحرير. وقد تم استجوابهم وثم إطلاق سراحهم. وقد غرد موقع “مدى مصر” فوراً بعد الاقتحام: “اقتحمت قوى أمن بلباس مدني مقر مدى مصر في القاهرة وهناك العديد من المعتقلين وقد تم إغلاق هواتفهم الخلوية.”

وكان قد تم حجب آلاف المواقع الالكترونية المصرية بما فيهم موقع “مدى مصر” منذ فترة.

لا شك أن شهرة الموقع ومحررته لينا عطالله المعروفان عالمياً ضمنا أن يتم إطلاق سراح هؤلاء الموقوفين بسرعة ولكن العديد من الصحافيين المصريين الآخرين لا يزالون موقوفون منذ مدد طويلة.

وكما جاء في تقرير معهد الصحافة الدولي فإن إسماعيل الإسكندراني حكم عليه بالسجن لعشر سنوات لعمله الصحفي وقد كان قد قضى 1400 يوم موقوفاً قبل صدور الحكم. كما وإن المصور والصحفي عبد الله شوشة لا يزال موقوفاً منذ ستة سنوات.

أما محمود حسين من فضائية الجزيرة القطرية فهو موقوف منذ ثلاثة أعوام بدون محاكمة. ومعروف أن مصر والسعودية والإمارات والبحرين قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع قطر منذ 2017 كما وتم تطبيق حصار على الدولة الخليجية.

تعتبر مصر من أقوى الحلفاء للولايات المتحدة في المنطقة أما الحليف الآخر، وهي السعودية، فهو متهم بقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي بشكل بشع. إنّ صمت إدارة ترامب تجاه هذه الأعمال غير الديمقراطية يخلق شعوراً كبيراً بالإرهاب الفكري يردع كل من يرغب بممارسة حرية التعبير أو يدافع عن حقوق الشعوب في مصر والمنطقة.

إن الديمقراطية تموت بصمت في كافة أنحاء العالم عندما لا يتم احترام حرية الصحافة وعندما يتم التهاون مع من ينتهك هذا الحق. إن استمرار الإفلات من العقاب يعطي للدكتاتوريين القدرة على تكميم أفواه من يعارضهم ويبقي شعوبهم في الظلمة فيما يمارسون انتهاكاتهم بدون رقيب او حسيب.

قام العديدون منا على مدار سنوات طويلة بالإشارة إلى الولايات المتحدة والتعديل الأول من دستورها كمنارة مضيئة للصحافة وحرية التعبير. ورغم أن الصحافة الأمريكية تقوم بنشاط صحفي استقصائي يتم خلاله محاسبة المسؤولين وتوفير منصة للآراء المختلفة إلا أن السلطة التنفيذية في أمريكا فشلت في احترام حرية الصحافة كقيمة ذات أهمية. فعندما يصف الرئيس ترامب الصحفيين المنتقدين له بأنهم “أعداء الشعب” فإن الدكتاتوريين في العالم هم أول من يلاحظ ذلك ويتخذ منه مبرراً لقمع المعارضين الإعلاميين في بلادهم. وتشكل مصر أحد الأمثلة على ذلك.

بعد عشر ساعات من الانتظار سمح لي بالعودة إلى الأردن حيث أعمل في مؤسسة غير ربحية تدعم الإعلام المجتمعي المحلي. ورغم أنني أشعر بالأمان وأعمل بحرية في الأردن فإن هناك آخرون في أنحاء العالم يعانون من حدود إدارية ومعيقات أمنية وعقوبات فعلية.

لقد حان الوقت لإنهاء سياسات الإفلات من العقاب لكل من يقوم بتقييد الحريات وإعتقال وقتل الصحفيين بسبب عملهم المهني ليس إلّا. إن الصحافة ليست جريمة ويجب ألّا يتم التغاضي عن أي إدارة تعطي للديكتاتوريين الحرية في اقتراف مخالفات لحقوق الإنسان والحد من حرية الصحافة.

********************************************

داود كُتّاب صحفي فلسطيني وأستاذ في قسم الصحافة في جامعة برنستون الأمريكية ومدير عام شبكة الإعلام المجتمعي وكاتب في موقع المونيتر.

 

[Read this piece in English: I was denied entry to Egypt. It’s part of a dangerous trend.]

أضف تعليقك