من وحي التركواز

الرابط المختصر

 

 إنه محترف البحث عن الموجود.. إنه مخادع لنفسه ماهر.. يرسم صورةً لمن يشاء كيفما يشاء.. كانت آخر صورة رسمها لها وهي ترتدي فستاناً فاتناً تركوازي اللون أخذ منه وجهها المستدير نفحةً من زرقته الهادئة في مقابل لمعة من بياض رصين أغدق وجهها وذراعاها به عليه.. كانت تنظر إلى الباب.. لا شيء سوى الباب. وكان ينظر إلى انعكاس وجهها على فستانها ضوءً خافتاً كأنه شمعة في رمقها الأخير.. لم يكن لديه ما يقوله بينما ظلت مختبأةً في صمتها.. شعر لوهلة أنها لربما تكون حلم غيره وواقع آخرين.. إنه يمقت العبور على العلاقات لكنه لا ينفر من العلاقات العابرة.. يكره الانفراد والتفرد إلا في الحب.. لا يكل من البحث عن نجمة يدور حولها وتدور حوله.. يحجب نورها لتتوهج بين ذراعيه وتحرق ذكريات لم تفلح عجلة الزمن في طيّها.. فاتها أنه ملول.. يمل حتى من نفسه.. من حاضره.. ألا تراه يجتر الماضي بآلامه، ولا يهرب منه إلا إلى خيال أو حلم متعته ألّا يتحقق.. هكذا هو.. لفافة من اللا منطق بمعايير أبطال وجمهور ملهاة الحياة.. لأول مرة يقرر أن يبادر إلى الرحيل.. كان إمام المبادرين وآخر المودعين.. لربما نفد صبره.. أو قد يكون جف نهره.. أو ضاق بها صدره.. أو خشي أن يسبقه عمره.. إنه في سباق لا يتوقف مع نفسه.. إن سبقته انكسر وإن سبقها ترنح وتمايل ليسقط في قعرها مرةً أخرى.. تدفق في جسده الأدرينلين كأنه صيحة يوم القيامة.. تعرقت جبهته..رأى حمرةً تلوث تزاوج وتمازج لون فستانها ووجهها.. إنها حمرة وجهه التي لم يألفها من قبل..  فلا يذكر أن أحداً قال له البتة أن في وجهه احمرار، حتى حينما كانت حرارة جسمه ترتفع.. استدار لينظر مثلها نحو الباب الذي لم يغلق أبدا.. خرج.. بقيت.. لم يعد.. بقيت للأبد، لا تنتظره وإنما تنتظر حَمّار أحلامها وكبش واقعها.