من هواي على هواي

 

لم أعد أحتمل مقاومة الإنساط لضربات قلبي وهي تردد بعضاً من عباراته وكل لزماته.

لم يتبقى في عقلي مساحة لأي شيء آخر يقاطعه وهو يتحدث في أذنيّ وصدى صوته يتردد في جنبات صدري ..

 أحاول استحضار كل ما هو جاد وتافه، فلا يجد أي منها سبيلاً عليه وهو يخترق وجداني ويستغرق تفكيري ويستهلك كل عواطفي حتى أصبحت قطعة ثلج لا تذوب إلا على حرارة راحته وهو يصافحني.

صمتي يقتلني وينخر في مشاعري، ترى هل سيتركني إن لم أبوح له بما هو ظاهر للجميع؟

لم يبقى في قواميس التصميم والعزم والتأكيد مفردةً إلا وصرخت بها في وجه نفسي أمام المرآة مزدريةً خوفي ساخرةً من ترددي، ولم يبقى يمين إلا وحلفت ثم حنفت به،فكفارة التصدق بكل ما أملك وصيام الدهر يبدوان حينما ألقاه أو تلتقط أذني صوته أهون من أن أخبره بما يعلمه كل من حولي وحوله من أنني أعشقه.

ماذا لو استجمعت ما تبقى في نفسي المستباحة من بقايا قوى تبعثرت على سيل كلماته الآسرة وبدأت ألمِّح له أنني أحبه. . . فقاطعني ثم صمت. . . ثم خطف تنهيدةً مصطنعةً من سقف حلقه وقال: "أنتي صديقة عزيزة"، أو تلبسته روح شكري سرحان ومريم فخر الدين وجيل الأبيض والأسود، فابتسم ابتسامة الفيلسوف الناضج وربت على ذراعي وقال: "خلينا خوات أحسن"! يا إلاهي! هل أضحك ساعتها من هذا الإِفّيه أم أبكي! لكنه ليس بهذا السخف، قد يكون قلبه مع غيري وعقله في فلك آخر يدور، لكن وإن حاولت أن أخبره بمشاعري فمن المؤكد أنه لن يعيش الدور ويحاول عدم رؤيتي "رأفتةً بي، يا حرام.."! يا إلاهي كم كان جمهور سينما زمان خالي البال وساذج.

 

أسوأ ما سيحدث أنني سأشعر بجرح سطحي إلى متوسط في الكبرياء لأنه لم يبادلني ما أعطيته وأعطيه، ثم سرعان ما سيلتأم جرحي حينما أقنع نفسي أنه لم يرفضني لأنه أصلاً لم يقبل بغيري وأنه أسير تجربة سابقة سأخترعها في مخيلتي جعلته يعاني من رهاب الحب، أو ربما من الأفضل أن أقتنع –ما دمت أنسج من هواي على هواي- أنه في الحقيقة يحبني لكنه ذو طبيعة جادة وكلاسيكية تجعله لا يستطيع التعبير عن مشاعره بالكلام، ولن أسأل نفسي بعدها وهل يعبر عنها بالأفعال أصلا؟ فكثرة السؤال عن أشياء خفيت عنا والثرثرة ليست من حميد الطباع.

ها هي الساعة العاشرة، وها هو ميعاد نومي قبل موعدي الذي لن ينتهي مع ثلث الليل الأخير، لأستيقظ على صوته أو دفء أنفاسه أو حنو ذراعه وهو يطوق عنقي.. ثم أقسم بالله العظيم أن أناديه غداً وأطلب منه أن نجلس بمفردنى، ثم سأقف أمامه وهو جالس، ثم سأنظر نحو الباب لأتأكد أن لا أحد يراني سواه، ثم سأضع يدي على كتفيه وأهمس في شفتيه: "لم أعد أحتمل.. أحبك ولا أريد منك جواب، فأنا لا أسألك بل أخبرك بما ليس لي فيه يد وليس لك فيه قرار.. نعم أقسم أنني سأفعل ذلك.. وإن تجمد وصمت.. فسوف أتركه وأعود لألقاه في اليوم التالي وكأن ما رآه وأحسه وسمعه كان حلم باغته في سِنة نوموقت القيلولة.

ها هو موعد قدومه.. هذا هو صوته.. إنه قادم.. ها قد وصل.. سأفعل.. نعم سأفعل..

ليتهم يحولون الراتب اليوم لأطعم 10 مساكين بدلاً من أن أحرم شرب قهوة الصباح معه غدا.

أضف تعليقك