صدرَ الكتابُ عن وزارةِ الثّقافةِ الأردنيّة، منشورًا سنةَ سبعٍ وألفينِ، ويتألّفُ من ثلاثةِ مواضيعَ، مخصصةً في شعرِ عرار، وفدوى طوقان، والشِّعرِ الأردنيِّ، موزّعةً على مئةٍ وثماني صفحات. ينطلقُ الشّرعُ في كتابِهِ من أرضيّةٍ أيدلوجيّةٍ اشتراكيّةٍ، في تخطّي مواقعِ الشُّعراءِ الجغرافيّ، مؤمنًا بأنَّ الشُّعراءَ العربَ يشتركونَ بالهمِّ والهُويّةِ الواحدةِ. من هنا، فإنَّ عنوانَ الكتابِ كما يظهرُ للقارئ بأنَّ هناكَ حرفًا محذوفًا، وهو حرف العطف الواو، لم يكن ـ في رأيي ـ بريئًا وعفويًّا، ليمثّل دليلاً قاطعًا على رؤيةِ المؤلِّفِ، في محاولةِ جَسْرِ الحدودِ الفاصلةِ بينَ الشّعرِ الأردنيِّ والفلسطينيِّ.
في المقالِ الأوّلِ الموسومِ بعنوان عِرار والطّروحات الشِّعريّة الحديثة، أتفقُ مع الشّرع بأنَّ الباحثَ محمود المطلق أساءَ التّقديرَ لشعرِ عرار تمامًا، كما الحال بالنّسبةِ لرأي الكثيرين من غير المتخصصين في الدّراساتِ الأدبيّةِ والنّقديّةِ، وأزيدُ هنا لأقولَ بشيءٍ من التَّحفظِّ: بأنَّ الدّراساتِ النَّقديّةَ في الخمسينياتِ عكستْ مستوى متعجّلًا، وإذا كنّا نوافقُ المطلق على أنَّ شعرَ عرار موجّهٌ للأردنيينَ، فكيف سنوافقهُ على أنّ عرارًا لم يوجّه شعرهُ وتفكيرهُ إلى الضّميرِ الإنسانيِّ؟
يقول الشّرعُ بأنَّ عرارًا يتجه بروحٍ ليبراليّة، ووعيه جزءٌ من الوعي الشِّعري العربيّ الحديثِ، القائمِ على التّساؤلِ والبحثِ عن قيمٍ جديدةٍ، مضيفًا بأنّ عرارًا لم يكن معزولاً عن الفكرِ العربيّ، ويضرب مثالاً على شعراءَ كفرنسيس المراش، وإلياس أبو شبكة، وجبرائيل دلال، وجميل صدقي الزّهاوي، وجبران خليل جبران، وأحمد زكي أبو شادي، وغيرهم، كمثالٍ ساطعٍ على إحساسِ عرار الواعي بتجاربهم الشِّعريّة ومدى تأثيره في شعرهم. ويتابع الشّرع بأنَّ عرارًا شأنهُ شأنُ الشّعراءِ العربِ المتنوّرينَ، يرصدُ كلَّ ما يجري على أرضِ الواقعِ، ويستشعر الخطرَ، ويتمرّد على القيمِ، ويشككُ في سلطةِ الممنوع والمقدّس، ويتحرّش بالثابت، ويمثّل واحدًا من الشّعراءِ المتحرّرين. ويرى الشّرع بأنّ شخصيّةَ عبّود في شعرِ عرار، تمثّلُ رمزًا اجتماعيًّا ودينيًّا وسياسيًّا. ويرى بأنَّ أقوالَ عِرار في الخمرةِ تحملُ في طيّاتها حسًّا وجوديًّا مبكرًا في الشّعرِ الحديثِ، لا نجدُ نظيرًا لهُ إلّا في شعرِ أولئك الذين انحازوا للرّوحِ الإنسانيةِ وللإنسان. يقيمُ الشّرع مقارنةً بينَ عِرار والشّعراء، مقدّمًا نصوصًا شعريّةً تمثّل النّزعةَ الإنسانيّةَ، مستخلصًا بأنّ عرارًا لا يختلف عن تصوّرات الشّعراء في الإنسان، خارجًا بأنَّ عرارًا مؤسس النّزعةِ الإنسانيّةِ في الشّعرِ العربيِّ الحديثِ. يرى الشّرع بأنّ طروحاتِ عِرار تلتقي مع طروحاتِ الشّعرِ الرّومانسيّ في التّشكيكِ في معنى الفضيلة والمورث.
يقفُ الشّرع في المقالِ الثّاني على موضوعِ فدوى طوقان ما بينَ قيدِ المرأةِ العربيّةِ وفضاءِ الشِّعرِ، متناولاً أربعة دواوين شعريّة: وحدي مع الأيامِ، ووجدتُها، وأعطنا حبًّا، وأمام الباب المغلق كنموذجٍ على تبرّمِ الشَّاعرةِ، وإحساسِها بثقلِ القيودِ الاجتماعيّةِ التي تحولُ بينها وبينَ الانطلاقِ في الحياةِ والإبداعِ الشّعريِّ في ممارسةِ تجربةِ الحبِّ والعشقِ، في المقابلِ، لا يغفلُ الشّرع بالقولِ بأنّ فدوى طوقان حظيتْ من الانفتاحِ الاجتماعي ما لم يُتَح لغيرها من الشّعراءِ الذّكور، مشيرًا إلى أنّ شعر فدوى طوقان ينزع نزوعًا رومانسيًّا في نبلِ العاطفةِ، وسموِّ الإحساسِ المترفّعِ عن الابتذالِ والبوحِ السّاقط، وبهذا، نلاحظُ أنّ الرّؤيةَ في دواوينِ فدوى طوقان وفقَ تحليلِ الشّرع ترتسمُ ضمنَ ثنائيّةِ النّسقِ المُشرقِ والمُعتمِ، وتسيرُ في خطّينِ متقابلينِ:
- المشرق: انشغال فدوى بهمومها في محاولةِ البحثِ عن ذاتِها في ديواني وحدي مع الأيام ووجدتها.
- المعتم: انشغالها في ديواني أعطنا حبًّا، وأمام الباب المغلق بجلاءِ تجربتها المثقلة بالألم ومرارة الفشل.
يتطرقُ الشّرع في المقالِ الثّالثِ إلى طبيعةِ النّزعةِ التّأمليّةِ في الشِّعرِ الأردنيِّ وإشكاليّة التّلقي، لافتًا النّظرَ إلى الأصواتِ الشِّعريّةِ الجديدةِ، كالشَّاعرِ حسين جلعاد، ونضال برقان، وناصر شبانة، ملاحظًا أنَّ النّزعةَ التّأمليّةَ في الشِّعرِ الأردنيِّ، تمثّلتْ في مرحلةٍ متأخّرةٍ بالمقارنةِ مع نظيرِهِ في الشِّعرِ العربيِّ، مشيرًا إلى أنَّ الشِّعرَ الأردنيَّ يتخذُ من حكايا الخلقِ موضوعًا للحوارِ، واجدًا التفاتاتٍ وإشاراتٍ لتخريجاتِ من كبارِ ممثلي الشِّعر العربي من أمثال محمود درويش، وصلاح لبكي، وأدونيس، وأحمد زكي أبو شادي، وغيرهم.
والخلاصة، فإنَّ كتابَ مقالات في الشِّعرِ الأردنيِّ الفلسطينيِّ على الرّغمِ من محدوديةِ موضوعاته، إلّا أنّهُ كثيرُ الفائدةِ.