مطلب الأردن بإعادة حق الأوقاف في تنظيم سياحة شرعية للأقصى
يعتبر المسجد الأقصى- الحرم القدسي الشريف - معلم ديني وتاريخي وهو جزء من القدس القديمة الموقع الأثري الذي تم إدراجه من قبل اليونسكو كموقع تراث عالمي بطلب من الأردن منذ عام 1981. ورغم أن المسجد الأقصى موقع للعبادة للمسلمين إلا أن وضع الأقصى التاريخي يفرض على القائمين عليه ومن حقهم - وزارة الأوقاف الأردنية ومجلس الأوقاف المقدسي- حمايته وتنظيم الزيارات كما كان الوضع قائما حتى عام 2000.
وقد شكل خلاف على الموضوع توصل الجانب الأمريكي والأردني والإسرائيلي إلى معادلة بسيطة. ففي تشرين أول 2014 اجتمع وزير الخارجية الامريكية جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع جلالة الملك عبد الله في عمان وتم التوصل الى تفاهم يقول إن الأقصى مكان عبادة للمسلمين وزيارة لغير المسلمين، مثله مثل مسجد الملك عبدالله الأول في العبدلي وهذا حال مئات المساجد التاريخية في اسطنبول والقاهرة وغيرها من مدن العالم.
ولكن رغم الاعتراف الدولي بالوصاية الهاشمية على الـ 144 دونما الذي يشكله المسجد الأقصى والتفاهم مع الاحتلال حول كيفية إدارة المسجد إلا أن هناك خلافات حادة لا تزال تهز أركان تلك التفاهمات وتهدد أي استقرار وهدوء مؤقت قد يتشكل بين فترة وأخرى.
للمسجد الأقصى عشرة أبواب أحدها (باب المغاربة) صادرت قوات الاحتلال مفاتيحه منذ 1967 وترسخت السيطرة الأمنية الإسرائيلية عليه منذ تشرين أول 2000 ففي حين هناك مشاركة مفروضة في الحراسة بين حراس الأقصى التابعين لوزارة الأوقاف الأردنية وأفراد من الشرطة الإسرائيلية على كافة الأبواب يمنع حراس الأقصى من الاقتراب لباب المغاربة من الخارج وممنوعين من توجيه السياح غير المسلمين الذين يدخلون من ذلك الباب. ورغم أن أعدادهم تتجاوز ال1000 الى 1500 يوميا إلا أنهم سياح غير شرعيين المقتحمين للمسجد مادامهم يدخلون بدون إذن الأوقاف بحراسة الشرطة والقوات الخاصة التابعة للاحتلال.
وإذا كان من المعروف أن وحدانية تطبيق مبدأ إدارة شؤون المسجد الأقصى تعود للأوقاف الإسلامية الأردنية فمن الطبيعي أن يكون موضوع زيارة غير المسلمين أيضا ضمن مسؤوليات الأوقاف ومن خلال مداخل متفق عليها وتوقيت متفق عليه وشروط زيارة متفق عليها كما هو الوضع في أي مكان ديني تاريخي كان كنيسة القيامة أو معبد أيا صوفيا في تركيا او المعبد الذهبي للسيخ في ولاية البنجاب الهندية ام كاتدرائية نوتردام في باريس او كنيس "الغريبة" في تونس وهو أقدم معبد يهودي في افريقيا. في كل هذه الأماكن يوجد لمكان العبادة نظام واضح معلن ومدخل واحد وترتيب وقتي وفيما يتعلق باللباس متفق عليه للزوار بحيث يحترم المؤمنين وعبادتهم ويرتب الأمور الأخرى.
لقد كان الوضع كذلك في المسجد الأقصى ولغاية اندلاع الانتفاضة الثانية والتي جاءت على إثر القمع الدموي الإسرائيلي للمظاهرات الاحتجاج على الزيارة الاستفزازية لرئيس المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرئيل شارون في 28 أيلول 2000. بعد تلك المواجهات قام الاحتلال بالسيطرة المطلقة على باب المغاربة وتم طرد حراس الأقصى التابعين للأوقاف الأردن وتوجيه السياح الأجانب للدخول للمسجد من خلال باب المغاربة دون اخذ اذن او التنسيق مع دائرة الأوقاف.
ومنذ ذلك الوقت ضعفت سيطرة دائرة الأوقاف في القدس على أحد أهم بوابات الأقصى وأصبح موضوع الاقتحامات الشغل الشاغل للجميع. الا ان المشكلة لم تعد فقط متعلقة بعدد من اليهود المتطرفون الذين يقتحمون الأقصى بل أصبح باب المغاربة المدخل الرئيس للغالبية السواح الذين يرغبون بزيارة الأقصى بعد زيارة حائط البراق (الحائط الغربي حسب تعريف الجانب الإسرائيلي). وبدلا من قيام السائح الأجنبي غير المسلم من الدخول من الباب الرئيس وهو باب المجلس والحصول على بطاقة دخول من دائرة الأوقاف الإسلامية أصبح الغالبية تدخل بدون أي رقابة أو تنظيم من جانب الأوقاف الإسلامية صاحبة إدارة المسجد.
هناك العديد من الأجانب الذين يزورن المسجد الأقصى عن طريق باب المغاربة بدون معرفة بخطئهم ومخالفتهم لما هو متعارف عليه. ولكن المسؤولية ليست فقط على السائح بل إن كنا صريحين يجب الاعتراف أنه تم الاستسلام للوضع المفروض من قبل الاحتلال وفقد موظفو دائرة الأوقاف الإسلامية من استرجاع حقوقهم في إدارة المسجد والسيطرة على كافة الزوار بغض النظر عن ديانتهم وأهدافهم.
ولعلاج هذا الأمر يجب أن يتم تمكين إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس من خلال إجراء خطوات عملية على الأرض والمبادرة بحملة وطنية لإقناع السائح الأجنبي ضرورة احترام إرادة أصحاب الشأن واستخدام الباب الشرعي لزيارة الأقصى.
قد يتطلب هذا وضع إشارات واضحة في البلدة القديمة توضح المدخل الشرعي للسياح كما هناك ضرورة لوزارتي السياحة الأردنية والفلسطينية العمل معا لإصدار بروشورات ووثائق تعطى لكل سائح أجنبي يرغب بزيارة القدس معرفة أين هو المدخل الشرعي واهمية استخدامه. كما هناك ضرورة لإصدار فيديوهات والنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبين النشطاء العالميين والكنائس والمؤسسات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني لإعلامهم بأن زيارة الأقصى يجب ان تتم عبر المدخل الشرعي والوحيد للأقصى وهو باب المجلس.
لقد سجل مجلس الأوقاف الجديد خطوات هامة وشجاعة في استرجاع السيطرة على باب الرحمة ومن الممكن بل من الضروري أن يتم العمل على استرجاع شرعية الأوقاف في إدارة ملف السياحة في المسجد الأقصى المبارك.
ان الامر السياحي يتطلب تعاون وتنسيق على أعلى المستويات بين الحكومتين الفلسطينية والأردنية وبالاساس مع صاحب الوصاية الهاشمية.
لقد وقع الرئيس الفلسطيني وجلال الملك عبدالله اتفاق هام بتاريخ 31 آذار 2013 يتوفر للجانب الاردني اتخاذ القرارات الخاصة بالأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس و للجانب الفلسطيني حق السيادة على كامل القدس الشرقية بما فيها المقدسات. ان توحيد مدخل السائح الاجنبي واعلان باب المجلس أنه المدخل الشرعي للأقصى سيلعب دورا هاما في اعادة البوصلة وترسيخ الحق لأصحابه الشرعيين.