مشروع قانون الضمان الاجتماعي.. ملاحظات وتعديلات واجبة
أتفق مع كلام مدير الضمان الاجتماعي الدكتور حازم الرحاحلة أن الهدف من تعديلات قانون الضمان هو توفير منظومة حماية اجتماعية أكثر صلابة للفئات محدودة، ومتوسطة الدخل، إضافة إلى دعم الاستدامة المالية للمؤسسة على نحو يخدم الأجيال القادمة، والمتعاقبة.
لا نقاش على أن للجميع مصلحة في تعزيز قوة مؤسسة الضمان، وملاءتها المالية، ولا نشكك في صدق نوايا مديرها، وكل العاملين فيها، ولكن في التفاصيل، وفي آليات تحقيق الأهداف قد نختلف.
نُدرك أن مدير الضمان لا يستطيع أن “يُباطح” مخرز الحكومة وحده، ونعلم علم اليقين أن استقلالية مؤسسة الضمان عن الحكومة محدودة جدا، رغم أن أموالها للمؤمن عليهم، ونعرف طوال العقود الماضية كيف تسببت القرارات الحكومية في خسائر فادحة في صندوق استثمار أموال الضمان، وقيل الكثير عن مسؤولين في الحكومة، والضمان كيف طوعوا قانون الضمان، وأنظمته لاستفادتهم، وتحسين تقاعدهم؟
لا أعارض تعديل قانون الضمان، وإضافة منافع جديدة، وامتيازات للمشتركين، والاختلاف من يتحمل كلفة ذلك، وهل يجوز أن نضع وزر ذلك على ظهر المشتركين الذين يئنون من الصعوبات الحياتية؟
يتحدث مدير الضمان عن التعديلات المقترحة، فيشير إلى أنها ستسمح لعشرة آلاف أسرة من أسر الأيتام الاستفادة من الرواتب التقاعدية، و 18 ألف متقاعد من زيادة الحد الأدنى لرواتبهم، و 20 ألفا من أسر المشتركين الاستفادة من دعم التعليم العالي.
خلال لقاء هيئة تنسيق مؤسسات المجتمع المدني “همم” مع مدير الضمان كانت أكثر نقطتين خلافيتين هما إلغاء التقاعد المبكر، والتأمين الصحي.
شخصيا لا أؤيد التقاعد المبكر، وأنا لجأت للتقاعد المبكر وعمري يزيد على 58 عاما، ولم يتبق لي لتقاعد الشيخوخة إلا أقل من عامين بسبب جائحة كورونا، وتعطل عملنا، وعلى الضمان الاجتماعي الإجابة على سؤال؛ لماذا يلجأ العاملون إلى التقاعد المبكر؟، وتحاول المساعدة في حل هذه الإشكاليات،
وأعتقد هذه الخطوة تحتاج إلى مشاورات مجتمعة أكثر، وأن يدرس أثرها على المشتركين، وتحديد عمر التقاعد المبكر بسن 55 للذكور ، و52 للإناث لمن لديه اشتراكات أقل من 7 سنوات، في حين اعتبارا من بداية عام 2026 سيلغى التقاعد المبكر كليا لمن لديه أقل من 36 اشتراكا، وسيصبح تقاعد الشيخوخة 62 للذكور، 59 للإناث، هذا توجه ليس سهلا هضمه في مجتمع تتدنى فيه الأجور، وتزداد نسب البطالة، وترتفع بوتيرة متسارعة كلف الحياة، هذا عدا عن أن منظومة تشريعات العمل لا تحمي كبار السن من الاستغناء عنهم، ولا يتوفر غطاء تأميني للبطالة.
أما التأمين الصحي فهو مطلب للجميع منذ سنوات طويلة، وقيام الضمان بهذه الخطوة الشجاعة ضرورة، والمشكلة أن مشروع القانون الجديد يحمل كلفة التأمين الصحي كاملة للموظفين والموظفات، ولا يتشارك أصحاب العمل في ذلك، والأهم والأخطر أنه يعفي الدولة من مسؤولياتها، وهذا غير منطقي، وغير مقبول!
توفير الخدمات الصحية مسؤولية الدولة، ولا يجوز التنصل منها، وكان يجب أن تساهم في دعم صندوق التأمين الصحي للضمان الاجتماعي فهو يخفف عنها فاتورة العلاج، وأيضا الإعفاءات الطبية من الديوان الملكي، ورئاسة الوزراء، ولهذا يجب أن تكون شريكا متضامنا في تحمل التكاليف من المخصصات المتوفرة في الموازنة العامة للدولة، وهذه خطوة إصلاحية على طريق التأمين الصحي الشامل الذي تتحدث عنه من سنوات.
آخر نقطة إشكالية، طريقة وآلية الحسبة التقاعدية الجديدة استنادا إلى معدل الأجور، هذه الطريقة كانت ستكون منصفة، لو كانت الأجور معدلاتها أفضل في بلادنا، وكانت الدولة تتكفل بكبار السن بعد تقاعدهم مثلما هو الحال في أوروبا، حيث تؤمن لهم مجانا وسائل النقل، والرعاية الصحية والاجتماعية، أما تغيير طريقة الاحتساب دون النظر لواقعنا ففي ذلك ضرر، وإجحاف للمشتركين والمشتركات في الضمان.
نريد أن يصبح الضمان الاجتماعي أكثر استقرارا حتى لا نسمع من يخيفنا، ويذكرنا بأنه لن يستمر، وسيفلس، ولكن نريد أن تبقى بوصلته في كل الأحوال حماية المشتركين والمشتركات أولا، وأخيرا.
*نقلا عن صحيفة الغد