ماذا سأقول لحفيدتي عن حديقتها المدمرة بالقدس؟
ثلاث ساعات ونيّف كانت كافية لتعيث جرافات الاحتلال الخراب بحديقة سمير شقير ، العشرات من أشجارها المعمرة قُلعت، تُربتها الخصبة جُرفت، وحُطمت الغرف الحجرية القديمة التي رصت حجارتها أيادٍ لم تخمن يوما ما أن تدمرها جرافات الاحتلال أثناء اقتحامها لوادي الربابة في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك بالقدس المحتلة.
ففي (26/1) من العام الجاري، وبعد أن أعلنت قوات كبيرة من جيش الاحتلال بلدة سلوان منطقة عسكرية مغلقة، مانعة الطواقم الإعلامية والطبية من دخولها، شقّت جرافات الاحتلال طريقها إلى منزل المحاضر في جامعة القدس سمير شقير عبر قلع وتكسير كل ما وقف أمامها من أشجار يتجاوز عمر بعضها مئات السنوات، وأخرى زرعت عقب ولادة كل ابن من أبناء شقير، "اعتنيت بها كما اعتنيت بأبنائي، زرعتها وقلمتها وأسقيتها وداويت جروحها، تماما كما أفعل مع أبنائي". قال شقير لـ هُنا القدس.
ساعات يومية، خصصها شقير وأبناؤه وأحفاده في زراعة أشجار الزيتون والليمون والبرتقال والأجاص والتفاح والعنب بالحديقة، زرعوا بينها النعناع والجرجير والميرمية والزعتر، إلا أن ما تسمى "سلطة البيئة الإسرائيلية" رأت أنها تخل بمظهر مدينة القدس وقررت تدميرها، فرؤية أراضي المقدسيين جرداء قاحلة هو ما يخدم مخططاتها الهادفة للاستيلاء عليها.
"كنت أحب الاعتناء بدالية العنب وقد تجاوز طول أحد أقطافها نصف المتر، قدمت صورة قطف العنب وصور للأشجار الأخرى للقاضي في محكمة الاحتلال الذي تهرب من السبب الذي جعله يصدر قراراً بقتل حديقتي ووضعته في موقف محرج، وسألني بعد رؤية الصور باستغراب "هل هذه فعلا حديقتك؟!".
"كل يوم جمعة أصطحب أحفادي إلى الحديقة وأعطيهم دروسا في الاعتناء بالأشجار ورعايتها وضرورة التمسك بالأرض، نقضي أوقاتا ممتعة ويسرقنا الوقت ولا ندري به، ولكن الآن أين سنذهب؟"، قال شقير الذي بات يحضّر أجوبة لأحفاده الصغار عن أسئلة يتوقع أن يطرحوها عليه عن سبب تدمير حديقتهم.
ولم يقتصر تدمير الجرافات لحديقة شقير فقط، بل امتدت لأجزاء من المبنى السكني المكون من (20) شقة ويقطن فيه شقير وأبناؤه وأخوته، ما أدى لاهتزازات عنيفة بأساسات المنزل الذي بات معرضاً للانهيار في أي وقت، إضافة لتدمير بركسات قريبة وتجريف الأراضي المجاورة لعائلة سمرين وشويكي، وقال شقير،" ما قامت به جرافات وقوات الاحتلال نابع عن حقد وكره وغضب ضد المقدسين، فلا ذريعة مقنعة لكل هذا التدمير".
ذريعة الاحتلال للهدم كانت "عدم وجود ترخيص للبناء"، وهي ذريعة يسوقها الاحتلال عند كل عملية هدم وتدمير لممتلكات المقدسيين رغم أنه لا يمنح تراخيص بناء لأي مواطن كوسيلة لتضييق الخناق ودفعهم للرحيل عن المدينة.
شقير وعائلة سمرين وشويكي رفعوا قضية ضد قوات الاحتلال في المحكمة "الإسرائيلية" للمطالبة بتعويضات عن الأضرار الهائلة التي لحقت بممتلكاتهم، وخاصة بعد إدراكهم أن ما أصدرته المحكمة لم يتضمن إلحاق هذا الحجم من الأضرار في ممتلكاتهم، مطالبين بإرسال مخمن قانوني لتقدير الأضرار وتعويضها والسماح لهم بإعادة إعمار أراضيهم.
أسئلة أحفاد شقير عن أرجوحتهم المبتدعة على أغصان حديقتهم التي أقتلعت أشجارها من جذورها يبدو أنها ستسبق القرارات القادمة لمحكمة الاحتلال، التي قد تسمح لهم بإعادة إعمارها، ولكن الأرجح وكسابق قراراتها أن التدمير والمصادرة هو السباق، والتعويض سيبقى رهن المماطلة، عائلة شقير لن تسمح لليأس بالتسلل إليها، وستبذل جهدها للحفاظ على أراضي القدس وأشجارها.
المصدر شبكة هُنا القدس للإعلام المجتمعي