ماذا بعد المصادقة على اتفاقية منع التحرش في بيئة العمل؟
يسابق الأردن الزمن في الوصول إلى المصادقة على اتفاقية 190 المتعلقة بالقضاء على التحرش والعنف في بيئة العمل، ليكون أول طرف عربي فيها، بعد ثلاث سنوات فقط على تبني منظمة العمل الدولية لمبادئها وإطلاقها.
الاتفاقية، حال المصادقة عليها، تحتم على الأردن عدة إجراءات خلالها وبعدها، قد تصل إلى إجراء تعديلات على بعض التشريعات والبرامج حتى تتواءم مع طبيعة الاتفاقية ومبادئها.
وزارة العمل بدأت فعلاً في إجراءات المصادقة على الاتفاقية، ليرتفع عدد اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صادق عليها الأردن إلى 27 اتفاقية.
تقول أخصائية النوع الاجتماعي في منظمة العمل الدولية ريم أصلان إن المصادقة تدل على اهتمام الأردن بتوفير بيئة عمل خالية من العنف والتحرش في بيئة العمل، حيث لا تحصر الاتفاقية ممارستهما في مكان العمل وحسب، وإنما تشملهما في أي مكان أو بيئة لها علاقة بالعمل كالمؤتمرات والمواصلات.
وتبين أصلان، في حديثها لـ"المرصد العمالي الأردني"، أنّ الاتفاقية لا تغطي فقط العاملين والعاملات بشكل رسمي، وإنما تغطي المتدربين والمستشارين والعملاء الموجودين داخل مكان العمل، وما جاء في ذلك كان جديدا على الاتفاقيات.
وتوضح أن تبني المنظمة لهذه الاتفاقية جاء لأنّ معظم التشريعات في العالم تفتقر لنصوص واضحة وصريحة لمنع التحرش والعنف في عالم العمل، ما جعل معظم الدول الأعضاء في منظمة العمل تصادق عليها.
وتشير إلى أنّ بعض الدول كانت "سباقة" رغم عدم مصادقتها على الاتفاقية، من خلال إيجاد برامج وتشريعات تحمي من العنف والتحرش في بيئة العمل.
وفيما يخص الأردن تقول أصلان أن المملكة شهدت عدة برامج وإجراءات، أولها تحديد الفجوة القانونية في الأجور، وثانيها صياغة استراتيجية للقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل، بتوافق منظمة العمل الدولية واللجنة الوطنية لشؤون المرأة ونحو 50 منظمة مجتمع مدني بمشاركة نقابات عمال الأردن وغرف التجارة والصناعة.
كذلك جرى اعتماد عدة أدوات لتحديد مستوى المخاطر ومعرفة الثغرات الموجودة في كل منشأة التي تعرض العاملين والعاملات للخطر، واعتبرت أصلان أنّ هذه الأدوات "وقائية أكثر مما هي علاجية" لضمان عدم حدوث العنف والتحرش.
وترى أنّ الأردن يجب أن يعكس مصادقته على الاتفاقية في البرامج والتشريعات خصوصا وأنّها تغطي جميع المرتبطين بالمؤسسة على اختلاف نوعهم الاجتماعي.
أمّا علا بدر الباحثة في قضايا المرأة العاملة فتؤكد أنّ أهمية المصادقة على الاتفاقية تنبع من أهمية موضوعها، ذلك لأنّ العنف والتحرش قد يشكلان عاملين بارزين لانسحاب النساء من سوق العمل، كما أنهما يحدان من التقدم والتنمية واستدامة العمل وتطوير المنشآت الإنتاجية، كما يمسّان الكرامة الانسانية.
وتقول بدر لـ"المرصد العمالي الأردني" إنّ أساس مكافحة العنف لا ينحصر في مكان العمل، ما يوجب انخراط الحكومة والعمال، وهذا ما تضمنه الاتفاقية.
وترى أنّ أول خطوة واجبة على الأردن بعد المصادقة، هي العمل بمبادئها ونصوصها، وبعد ذلك تعديل البرامج والتشريعات لتوائم الاتفاقية وبنودها، ذلك لأنّ بعض التشريعات تفتقد لذلك.
والأهم من ذلك، وفق بدر، "تجريم ممارسي التحرش والعنف في عالم العمل"، إذ أن غياب عقوبات رادعة تحاسب منتهكي الأخلاقيات وأصول العمل والقيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية، يشجع على المزيد من ممارسة هذه الانتهاكات.
وتطالب بدر بوضع آليات وخطة تنفيذية لرصد وتوثيق الانتهاكات الخاصة بالعنف والتحرش والتمييز في بيئة العمل حتى يتم معالجتها وإنصاف الضحايا وحمايتهم قانونياً واجتماعياً، إضافة إلى ضرورة تطوير وسائل التواصل والرقمنة للتواصل مع العمال والعاملات وتطوير الإعلام الرقمي لتسليط الضوء على القضايا العمالية.
وترجح، في حال الاستجابة لذلك، حشد مواقف داعمة ومساندة للعاملين والعاملات وقضاياهم، والوصول إلى قاعدة بيانات تتضمن جميع البيانات العمالية لضحايا العنف لحصر الظاهرة وكشفها.
وكان الناطق باسم وزارة العمل جميل القاضي أكد أنّ الوزارة شرعت فعلاً بالإجراءات للمصادقة على الاتفاقية 190 التي تبنتها منظمة العمل الدولية في 2019
وأوضح القاضي، في تصريح إلى "المرصد العمالي الأردني"، أنّ ذلك جاء بعد عرض الاتفاقية على اللجنة الثلاثية لشؤون العمل في اجتماع عقد نهاية حزيران الماضي وبحضور أطراف الانتاج الثلاثة.
وبين أنّ الاتفاقية لا تشترط عرضها على مجلس الأمة للمصادقة عليها، لأنّه لا ينطبق عليها ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 33 من الدستور التي تنص على أن "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس فـي حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ولا يجوز فـي أي حال أن تكون الشروط السرية فـي معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية".
ووفقاً للقاضي فإنّ ذلك يعني نشرها في الجريدة الرسمية بعد انتهاء إجراءات المصادقة عليها.
وتبنت منظمة العمل الدولية في مؤتمر العمل الدولي عام 2019 إطلاق الاتفاقية، بهدف تعزيز بناء بيئة للعاملين والعاملات خالية من العنف والتحرش.
وأوصى مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية في أكثر من مناسبة بتوقيع الأردن على هذه الاتفاقية بغية الحد من العنف والتحرش في بيئة العمل في مختلف القطاعات.
وكشفت دراسة أصدرها المركز في 2021 أن أكثر من 77% من المبحوثات وعددهن 380 سيدة عانين من عنف جنسي في مكان العمل حيث تجاوزت نسبة التحرش اللفظي وحده 83 بالمئة.
وأوصت الدراسة ذاتها بضرورة إيجاد تعاريف قانونية لتحديد العنف الواقع على النساء العاملات وبخاصة العنف الجنسي كجزء لا يتجزأ من المشكلة على غرار ما قامت به المكسيك وبوليفيا وتونس.
ودعت إلى مراجعة القوانين والتشريعات المرتبطة بحماية النساء من العنف الوظيفي ومراقبة تنفيذ هذه القوانين من قبل جهات مختصّة، ومواءمتها مع الاتفاقيات والمعاهدات موضوعاً وشكلاً بما يضمن حق النساء في المواطنة الكاملة، من خلال تقديم مقترحات بهذه القوانين الى الجهات المختصة والاستفادة من تجربة أميركا اللاتينية في إيجاد قانون يجرم العنف السياسي والتحرش الجنسي، أو إدراج نصوص تتعلق بالعنف ضد النساء في أماكن العمل ضمن في قوانين العقوبات أو الجرائم الالكترونية.