للهكاري معاناته وللمسؤولين اهتماماتهم ولا مجال للالتقاء
محال موصدة، وأخرى اعتادت ألا يزورها سوى صاحبها، وبيوت طرد منها أهلها، وأكوام نفايات ملقاة هنا وهناك، وحَيُّ حرم أن يسمع صوت ضحكات أطفاله، فتمشي وتقطع أمتارًا فيه لا تلمح سوى القليل من الملامح العربية والكثير من الملامح الغريبة التي تجول حي هكاري بباب السلسلة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
وسط الحي ترى سعدي أبو عصب (64) عامًا، لا يتزحزح من أمام منجرته رغم أن الكهرباء مقطوعة عنها منذ زمن بسبب تراكم الضرائب والغرامات الباهظة التي يفرضها الاحتلال، فترى المعدات علاها الصدأ، فأبو عصب لا يستخدم معداته، ويكتفي بفتح منجرته خوفًا من استيلاء المستوطنين عليها.
" كأن الحي يشهد منعًا أبديا للتجول"، قال أبو عصب لـ"هُنا القدس"، فهو يجلس اليوم بطوله أمام منجرته ولا يمر عليه سوى واحد أو اثنان والعديد من المستوطنين الذين استولوا على المحال والبيوت في الحي.
ويبين، فوق ما يرتكبه الاحتلال بحقنا، يرتكب المسؤولون الفلسطينيون انتهاكات أخرى بحق الحي بتهميشهم له وعدم زيارته أو دعم المحال التي تتواجد فيه، " اهتمام المسؤولين يتركز على سوق السلسلة والواد، واللذان يعتبران واجهة للبلدة القديمة أمام الزوار والسياح".
وعرض المستوطنون على أبو عصب مرات عديدة شراء منجرته، إلا أنه رفض وأصر أن يبقى متمسكًا بها ، "كنت أشهر نجار في البلدة القديمة إلا أني لا أعمل بخمسة شواقل هذه الأيام".
ولحي هكاري موقعه الاستراتيجي المميز، حيث يربط بين أربعة أحياء، تبلغ مساحته (24)قيراطًا، استولى المستوطنون على (14قيراط)، يقطنه ست عائلات من المستوطنين، و(16 عائلة عربية) تبلغ عدد أفرادها (70 فردا) كل (10 أفراد) يعيشون في غرفة واحدة.
تيسير شبانة أحد سكان الحي، قال لـ"هُنا القدس" :"الحي يعتبر بؤرة استيطانية مهمة لقربها من حائط البراق والمسجد الأقصى، ويحاول الاحتلال إحكام سيطرته عليه من خلال طرد ما تبقى فيه من مقدسيين، مشيرًا إلى أنهم يطلقون عليه اسم "الحي اليهودي المتجدد" ولتحقيق أهدافهم في تحويله لبؤرة استيطانية قاموا بإنشاء جمعيات استيطانية وكنيس "كريسيا" اليهودي إضافة إلى ياخور لتعميد صبيتهم وإقامة المحاضرات العسكرية.
وأضاف شبانة، أن المستوطنين يستولون على العقارات بالحي بطريقة شرعية بنظر الاحتلال وذلك عن طريق قانون "حارس أملاك الغائبين"، مشيرا إلى أنهم استولوا بهذه الطريقة على منزل غازي سلوم حيث أعطوه مدة (55يوما) للخروج من البيت ونقلوا ملكيته لهم.
ويعاني الحي بشكل كبير من إهمال بلدية الاحتلال له، حيث لا تقوم بجمع النفايات ولا تقدم الخدمات التحتية، وللحد من تراكم النفايات يقوم شبان الحي بجمع النفايات وجمع الأموال من الأهالي لإخراجها، وتعاني العائلات المقدسية بالحي من تردي أوضاعها المعيشية والتي أدت لخروج أبنائها من مدارسهم وجامعتهم.
حسام مجاهد (31عاما) ورث عن أبيه وجده محلًا وسط الحي، تبلغ مساحته 130) مترًا)، مهدد بالمصادرة وبحاجة لترميم وإصلاح، وكان مجاهد قد وجه مناشدته عبر هُنا القدس في تقريرها " إلى الرئيس محمود عباس شخصيا" ليلفت نظر المسؤولين إلى ضرورة مساعدته في ترميمه، وقال مجاهد لـ"هُنا القدس"،" المحل بات خرابة، مهدد بالانهيار بفعل حفريات الاحتلال من سوق نسيبة والممتدة حتى المسجد الأقصى، وهاهو منذ (40 عاما) صامد يواجه محاولات تهويده والسيطرة عليه".
وأضاف، "على الرغم من حساسية موقع الحي، إلا أن المسؤولين يتجاهلون نداءاتنا المتكررة، وأؤكد لهم أن تجاهلهم سيضيعه"، مشيرًا إلى أن هدف سكان الحي ليس المال، وإن كان بحاجة إليه لباعوا منازلهم ومحالهم للمستوطنين الذين عرضوا عليهم أموالا باهظة.
ومن آخر الزقاق، ترى أم أشرف الدعاس مقبلة بوجهها المبتسم رغم مرض السرطان الذي يفتك بجسدها الهزيل، قالت الدعاس لـ"هُنا القدس" ،" في الثمانينات احتل المستوطنون منزلي في حي الواد بالبلدة القديمة، وانتقلت إلى هذا الحي إلا أنني مهددة بالطرد في أي وقت"، مضيفة،" منزلي آيل للسقوط والحمام بحاجة لإصلاح إلا أن بلدية الاحتلال تمنعني من ذلك وهددتني بطردي من المنزل كما طردت خضر الطويل وعائلة أبو رجب اللذان كانا يسكنان في الحي منذ عام (1936)".
الشاب حمادة ستيرو بين لـ"هُنا القدس" أن المستوطنين يقيمون حفلات موسيقية مزعجة بشكل مستمر كما أنهم يشربون الخمر ويفقدون الوعي ويطلقون الأصوات العالية والمزعجة، مشيرًا إلى أنهم يتعمدون الجلوس والاستلقاء في أزقة الحي لعرقلة المارين ولافتعال المشاكل مع المقدسين.
من جانبه، قال نبيل الزعتري لـ"هُنا القدس"، "سنبقى شوكة في عيونهم ولن نسمح لهم أن يأخذوا المزيد من ممتلكاتنا وبيوتنا"، وأكد الزعتري أن الحي لا يتلقى أي مساعدات من المسؤولين الفلسطينيين على الرغم أنه يسمعهم دومًا يطالبون بالدعم المالي لتثبيت صمود المقدسين والحفاظ على المسجد الأقصى، متسائلًا،" أين تذهب الأموال والتبرعات؟".
وبيّن الزعتري أن منزله آيل للسقوط، وكان قدم لمؤسسة مقدسية لمساعدته في ترميمه، إلا أن الترميم كان سطحيًا ولم يعالج مشاكله، "أكلمت إصلاح المنزل على حسابي الخاص ودفعت أكثر من (10 آلاف شيقل)".
حي الهكاري بعدما كان من أكثر أحياء البلدة القديمة حيوية ونشاطًا بات أكثرهم فقرا وضعفًا وتهميشا من قبل المسؤولين الفلسطينيين الذين يتعمدون دعم ما هو بالواجهة على عكس الاحتلال الذي يصب جل اهتماماته على هذا الحي وغيره من الأحياء القريبة باعتبارها قلب البلدة القديمة وأساسها، ويتسائل المقدسيون إلى ماذا سيقودنا إهمال المسؤولين في القدس؟!
المصدر: شبكة هنا القدس للإعلام المجتمعي