للعنف بدائل أكثر نجاعة على المدى البعيد

شكل العنف لمدى بعيد العلاج الوحيد للتربية ولحل المشاكل وحتى النضال السياسي. وقد كٌتبت الامثال وانتقلت ضرورة استخدام العنف عبر الأجيال دون أي بحث جاد عن البدائل. ففي المنزل والمدرسة والمجتمع كان ولا يزال العنف هو الأداة السهلة والمباشرة لمعالجة المشاكل.

 

لا شك ان العنف يوفر علاجاً أنيا وسريع لمعظم الأمور ولكنه ليس علاجاً ناجعاً ولا توجد له أي فائدة على المدى البعيد. بل العكس هو الصحيح. العنف يترك آثارا طويلة الأمد ويزرع الغضب والحد ويشجع على الانتقام وفي النهاية يعمق دائرة العنف والعنف المضاد. يقول القائد الهندي المناهض للاستعمار مهاتما غاندي ان "العين بالعين والسن بالسن يترك العالم أعمى وبدون أسنان."

 

ومع سرعة وسهولة نتائج العنف إلا أن بدائل العنف ليست سهلة وتتطلب وقت أطول ولكنها على المدى البعيد أكثر نجاعة وأفضل للمعمورة.

 

يقول خبراء التربية أن البديل الأفضل للعنف المنزلي هو مبدأ المقايضة. قد تكون نتيجة أخطاء الطفل أو الأخ او شريك الحياة بحاجة الى معالجة ولكن العلاج يكمن في البحث عن حلول غير عنيفة. فبدل الضرب مثلا يمكن للوالدين حجب أمر يرغبه الطفل مثل الحلوة أو زيارة صديق او التمتع بمشاهدة التلفاز وغيرها من الأمور التي يمكن مقايضة الطفل عليها. ومن الأفضل أن يكون الأمر معروفا مسبقاً قبل تطبيق هذا العقاب او اقتراح مقايضة معينة.

 

وفي المدرسة كلنا أصبح الآن يعرف مدى تأثير العنف والتنمر على الأطفال في سنوات الدراسة الأولى. ولكن علاج الطفل المتنمر على زميله او المتعثر في دراسته او المشاغب في الصف لا يتم بالضرب بل بالبحث الأكثر عمقاً عن سبب الإشكال والتعاون بين المعلم وإدارة المدرسة والأهل.

 

وفي المجتمع فإن العنف الذي أصبح في كثير من الحالات ينتج عنه إصابات خطيرة واعاقات وموت فان الحلول المجتمعية أيضا بحاجة الى تطوير. بالفزعات العشائرية أصبحت مرض مجتمعي وعلاج غير عادل غالباً ما يفيد القوي ويجب استئصاله. وكذلك الأمر فيما يخص العنف الشرطي والتعذيب وارتفاع عدد السجناء على خلفية أعمال العنف.

 

تحتاج المجتمعات البحث العميق عن أسباب العنف المجتمعي والعمل على معالجته بصورة عميقة بعيداً عن فكرة تغليظ العقوبات الجنائية والزيادة الخطيرة لعدد السجناء على خلفية جنايات مما يكلف الدولة والمجتمع الكثير مادياً ونفسياً.

 

يقول الخبراء إن العنف المجتمعي غالبا مصدره العنف المنزلي والتنمر المدرسي. كما تشكل البطالة وغياب الحلول المجتمعية والاقتصادية مصدراً كبيرة من الحقد المتفشي في المجتمعات. كل هذه الامور ينتج عنها أعمال عنيفة تترك خلفها الضحايا وتعمق من الازمات بدلا من أن تقللها.

 

وينطبق الأمر نفسه في الساحة العالمية فكثيرا ما نسمع عن المقاومة المسلحة ونرى أن المقاومين أحياناً يبحثون عن الأهداف السهلة والأماكن غير المحصنة بحثا عن نتائج سريعة مما يعمق الأزمات بدلا من استخدام أساليب كفاحية غير عنيفة. وقد وفر التاريخ عشرات الأمثلة لقادة مشهورين اختاروا نضال اللاعنف لمقاومة المستعمر المحتل والمغتصب. فهناك مثل غاندي الذي قرر مع شعبه مقاطعة لبس الأثواب المنتجة من المستعمر البريطاني والسود في أمريكا الذين فضلوا المشي للعمل بدل من ركوب الحافلات التي تفرض أن يجلس الأسود في الخلف وهناك السجناء الفلسطينيين الذين ناضلوا من خلال إضرابات عن الطعام لتحقيق حريتهم وغيرها من الأمثل عن أساليب كفاحية غير عنيفة أسفرت عن نتائج مذهلة.

 

من المؤكد أن إيجاد بدائل للعنف ليست بالأمر السهل ولا توفر بالضرورة نتائج سريعة وتتطلب عملا جاداً ومضني. ولكنها اقل كلفة على المدى البعيد ولا تترك اثار سلبية او حقد وكراهية تنخر في المجتمعات وتوفر قاعدة سهلة لتدوير العنف وتعميق سلبياته.

 

 

يتطلب من أي شخص يستخدم العنف لحل نزاع ما التوقف والتفكير على الآثار طويلة المدى والبحث الجاد عن بدائل لمعالجة الأمر الذي كان يعتقد أنه لا يمكن حله إلا بالعنف. الحلول متوفرة ولكن هل هناك إرادة وصبر ومثابرة والقدرة على انتظار النتائج المرغوبة؟

 

هذه الرسالة مقدمة من منظمة بلان انترناشونال الأردن وبتمويل من المنحة اليابانية لتعزيز البيئة الوقائية للمراهقات الأكثر ضعفاً والمعرضة للخطر ، و تمكين الفتيات والمساواة بين الجنسين.

 

أضف تعليقك