لصوص النصوص وملاذاتهم الآمنة

 

قوة أو ضعف منظومة حماية الملكية الفكرية تعد مقياساً معيارياً لتحضر الأمم وارتقائها ومدى احترامها للإبداع والابتكار والبحث العلمي والنهوض بالحياة الثقافية والفكرية لأفرادها ومؤشراً على سمو قيمة التميّز ورفض أي شكل من أشكال الانتحال والسرقة التي تعد في عرف هذه الأمم أشد خطراً على المجتمع من سرقة الأموال سواءً كانت منقولة أو غير منقولة.

 أما في أمم «مشّي حالك»، فليس مستباحاً أكثر من الإبداع الفكري والبحث العلمي، إذ هو مشاع و«مولد صاحبه غايب» حتى وإن كان «حيّ يُسرَق»، فعلى مصراعيه مفتوح الباب أمام لصوص النصوص لينسخوا ويقصوا ويلصقوا وينسبوا لأنفسهم زوراً وبهتانا، فيبيعوا ويتربّحوا ويترقّوا في مؤسسات أكاديمية قادتها «بالدف ضاربين»، فليس أقل من أن تكون شيمة من دونهم «الغنى والرقص».

 أثناء قيامي بالبحث في المواقع الألكترونية التي نشرت بعض مؤلفاتي ومن بينها مؤلف لي يتناول مبادئ وأحكام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتحليل مقارنةً بأحكام الشريعة الإسلامية، حيث كنت قد ألفته عام 2008 في صورة ورقة عمل قدمتها في مؤتمرات إقليمية ودولية، ثم قمت بتوثيقها ونشرها ضمن مصنّف كبير وضعته يحمل عنوان: “اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، متطلبات التنفيذ والرصد الفعال” منشور في “سلسلة الدراسات الاجتماعية الصادرة عن المكتب الفني لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربي عام 2011”، حيث جاء الفصل الثاني من هذا المصنّف الكبير متضمناً هذه الورقة بعنوانها ومضامينها، لأتفاجأ بعثوري على «دراسة» تحمل عنوان الفصل نفسه منشورةً في إحدى مجلات «الأزقة» التي قامت بتحكيمها ونشرها منسوبةً لشخص يشغل الآن منصباً أكاديمياً قيادياً في إحدى الجامعات، فقمت من فوري بتحميل «الدراسة» وبدأت أقارنها بمؤلفي، لأجد أن السارق لم يكتفي بانتحال الفكرة والخطوط العريضة فحسب بل قام بالنقل الحرفي من مؤلفي ليغدو البحث المنحول المنسوب له نسخة طبق الأصل من مصنّفي -في فصله الثاني- بنسبة تتجاوز 95%، ولم يجد هذا اللص غضاضةً في أن ينتحل بالكليّة التراكيب اللغوية والعبارات المجازية والأدوات التعبيرية خاصّتي التي تعتبر جزءً أصيلاً من هوية المؤلف والكاتب.

 مجلة «الأزقة» التي نشرت البحث المسروق لم تجب على مخاطبتي لها وإعلامها عن السرقة ومسؤوليتها القانونية والأدبية عن ذلك ونيتي ملاحقتها قضائيا؛ إلا بعبارة واحدة هي: “استلم وسوف نتابع الموضوع”. وبمعزل عن المسار الجزائي والإداري والتأديبي والادعاء بالحق الشخصي الذي سوف أباشره خلال الأيام القادمة ضد السارق وجامعته التي منحته الترقية بناءً على بحثي وأبحاث غيري التي قد يكون انتحلها هي الأخرى، وضد مجلة «الأزقة» والجامعة التي تتبعها، فإن ما يدمي القلب حقاً ليس دناءة وصغار لصوص النصوص فهم أهل لذلك، وإنما فوضى البحث العلمي الذي نعيشه ويستوي في مضماره المبدعون «بتنابلة السلطان»، والمجتهدون «بصعاليك ملاذات الأبحاث المنحولة الآمنة».

 قانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة كان رؤوفاً بلصوص النصوص، فقرر معاقبتهم “بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تتجاوز سنة والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين”، الأمر الذي يعكس نظرةً متهاونةً إزاء الملكية الفكرية وقدسيتها ووجوب حمايتها تعزيزاً وتدعيماً للابتكار والبحث والإبداع، مع ملاحظة أن الخطورة الجنائية في السرقات الأدبية والعلمية والفنية أكبر بكثير من نظيرتها في جرائم سرقة الأموال بمعناها الواسع، إذ بينما يقوم الجاني في الأخيرة بأخذ المسروقات خلسةً ومحاولة إخفائها، يسارع المجرم في الجريمة الأولى إلى نشر ما سرقه من عمل بحثي أو فني أو علمي وتوزيعه ليحقق غايته من السرقة بالحصول على مكاسب مادية ومعنوية غير مستحقة، لذلك حقّ أن تكون عقوبة سارق الأفكار والإنتاج الذهني أشد لأن فعله أنكى وأفظع.

 يبدو أن كل شيء قد تغير في مجتمعنا حتى السرقة والغش والنصب، فرحم الله أياماً كان اللصوص فيها يبذلون جهداً لإخفاء جرائمهم وتزويقها وتجميلها وتبريرها إن ظهرت، وكان في عرفهم لا يجوز سرقة الصديق ولا ابن الجيران أو الحارة أو الحي، كما لم يكن من «أخلاقهم» اقتحام بيتاً مأهولاً أصحابه فيه نياماً أو قياماً أو قعوداً أو على جنوبهم.. وكسر بابه أو القفز من شرفاته. «إيهٍ يا لصوص الرغيف والغسيل والكراكيب المساكين الطيبين» ولّى زمانكم ليحل زمان لصوص النصوص المتبجحين المجاهرين بجرمهم المفاخرين بعارهم، سارقي جهد غيرهم آكلي بالسحت خيرهم، المترقون بلا رقي، الموسدون الأمور وهم ليسوا بأهلها».

أضف تعليقك