لا يجوز مقايضة الاستيطان بالبناء في مناطق ج

الرابط المختصر

عندما تم تقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج"، كان الموضوع مؤقتا، ومن المفترض أن لا يتجاوز خمس سنوات، وهي الفترة الانتقالية. ولكن بعد مرور 28 سنة على اتفاق المبادئ الإسرائيلي الفلسطيني (أوسلو)، من الضروري عدم التعاطي مع هذا التقسيم المشين للدولة الفلسطينية المستقبلية. وحسب تلك التقسيمات، يكون للجانب الفلسطيني سيادة إدارية وأمنية في مناطق أ، وللاحتلال الأمر نفسه في مناطق ج التي تشكل 60% من مناطق الضفة الغربية، في حين مناطق ب تابعة إداريا للجانب الفلسطيني وأمنيا تابعة للاحتلال.

اتخذ المجلسان، الوطني والمركزي، الفلسطينيان، قرارا واضحا بعدم الاستمرار في التعاطي مع هذه الاتفاقية المؤقتة، والتي انتهت عمليا عندما اخترقت إسرائيل مناطق أ، المخصصة إداريا وأمنية لقوات الأمن الفلسطينية، وقامت باعتقالات وهدم منازل، بل واعتدت على مؤسسات وسرقت حواسيبها، وغيرها، كما حدث أخيرا مع مؤسسة تدافع عن الطفل الفلسطيني.

قد يقول بعضهم إن من الصعب إلغاء كل بنود اتفاق أوسلو. ولكن ما المانع من اختراق جزئي للاتفاق بالحجم والتأثير الذي يقوم به الاحتلال، الأمر الذي سيشكل رادعاً ولو بسيطاً للمحتل. فلماذا تلتزم قوى الأمن بانتظار الموافقة من الجانب الإسرائيلي في كل مرة، تحتاج فيها الانتقال إلى مناطق ب أو ج في حالات الطوارئ. في حين تُعلم إسرائيل، في اللحظات الأخيرة قبل اقتحام مناطق، الأمن الفلسطيني، كي يبتعد عن تلك المناطق التي ستجري فيها الاعتقالات. لماذا لا تقوم قوى الأمن الفلسطيني بالأمر نفسه، عندما يكون هناك طارئ في تلك المناطق. فما يحدث أحيانا في منطقة كفر عقب ومناطق H2 في الخليل أو غيرها لا يتحمل انتظار ساعاتٍ للحصول على الموافقة الإسرائيلية. وينطبق الأمر نفسه، بصورة أهم، على ما يحدث حاليا من محاولات إسرائيلية لتمرير صفقة بناء 2200 وحدة سكنية، من خلال "سماح" إسرائيل لبناء 800 وحدة سكنية في مناطق ج... فكرة المساواة بين الاستيطان غير الشرعي والبناء الفلسطيني في مناطق فلسطينية أمر مشين، ويجب أن لا يمرّ مرور الكرام.

لقد وافقت الفصائل الفلسطينية على مبدأ الكفاح الشعبي غير العنيف، وهذا ممتاز، ولكن ترجمته على أرض الواقع لم تتم، والقيادات لا تزال جالسة في مكاتبها المرفهة والمكيفة، والمناضلون يعملون ليل نهار، كما في بلدة بيتا وغيرها، في حين يجني القادة النجاحات، من دون تحريك ساكن، ومن دون توفير كل ما في وسعهم لدعم الكفاح الشعبي الذي يجب أن لا تكون فكرته محصورة بمهاجمة أماكن التوسع الاستيطاني، ولكن يجب أن تشمل مبادراتٍ إيجابية، مثل البناء في مناطق ج، ومن دون انتظار موافقة الاحتلال. وعمليات البناء الواسعة، وفي الوقت نفسه، بشرط الدعم والضمان الرسمي والشعبي لتعويض من يتضرّر، ستكسر من محاولات إسرائيل مساواة استيطانها غير الشرعي بحق الشعب الفلسطيني في البناء في أي مكان، بما في ذلك مناطق ج.

تخيّلوا لو وفّرت الحكومة الفلسطينية، وبدون إنذار، طابو مشروطا لمناطق ج، لآلاف الشباب العاطلين عن العمل، على أن يتحوّل إلى طابو كامل، في حال بقاء المستفيدين في أرضهم مدة محدّدة، سنتين مثلا. وفي الوقت نفسه، توفير الحكومة والفصائل ورجال الأعمال والمجتمع المدني ما يحتاجه الشباب للاستفادة من مشاريع مقترحة من الشباب في تلك المناطق، فإذا المحتل يقوم ببناء غير شرعي في أراضينا، لماذا نحن نمتنع عن البناء والزراعة وغيرها من المشاريع في أراضينا؟ بدل أن نكتفي بالتصريح للإعلام بأننا نعارض الاستيطان، ويقوم الرئيس بالشكوى في الأمم المتحدة... الموقف الرسمي لمعارضة الاستيطان يجب أن يوازيه موقف فصائلي وشعبي للبناء والزراعة والمشاريع السياحية وغيرها في مناطق ج. وعلى شركات المياه التبرّع بخزانات الماء، والتجار بمولدات كهرباء. وعلى شركات الاتصال توفير الإنترنت المجاني. ذلك كله ممكن الآن. وبذلك نثبت مقولة محمود درويش إن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" ونكسر المحاولة المشينة بمساواة الاستيطان غير الشرعي بحق الشعب ببناء في فلسطين.