كيف غيرت الإذاعة حياة نساء أعرفهن
ا أكف عن الابتسام برضى عندما أسمع صوت صحفيات إذاعيات يقدمن رسالة موجزة عن مناطقهن النائية عبر الأثير، مشوار طويل قطعته تلك الفتيات اللواتي أعرف عن قرب ماذا تحملن ليرفعن صوتهن ويعرفن على أنفسهن بأنهن مراسلة الإذاعة من قرية، مخيم، أو بادية في الأردن.
لم يكن سهلا التخلص من رجفة الصوت الخائف عندما بدأت شوق 23 عاما من صحراء جنوب الأردن، بالتحدث عبر الراديو، للحديث عن التحديات التي تواجه النساء هناك للحصول على فرصة عمل، اليوم تحلل شوق ذاتها الأسباب التي تحول دون مشاركة المرأة سياسيا في الجنوب المنسي اقتصاديا وسياسا، فكيف بنسائه!.
على مدار عشرة أعوام ساهمت "مع فريق" بتدريب وتمكين على ما يزيد 200 إمرأة في مختلف أقاليم المملكة، ودخلت بيوتهن وتعرفت على عائلاتهن، وأعرف تماما كيف هي غرف معيشتهن، وكيف تبدو مطابخ منازلهن اللواتي يقمن بإعداد تقارير إذاعية على طاولتها بالتوازي مع إعدادهن وجبات الطعام لأطفالهن وعائلاتهن.
أعرف تماما ما هي المعاناة التي تمر بها فتاة في قرية نائية حتى تقنع أسرتها بأنها شغوفة بالعمل الإذاعي ولا تطلب إن تظهر" صورتها كما في التلفاز وحتى لو تطلب الأمر أن تتخلى عن اسمها، و تعمل باسم مستعار وبلا وجه مقابل أن تحظى بفرصة أن يكون سفير حلمها هو صوتها فقط عبر الأثير.
كانت واضحة لهجة الفخر الذي خاطبني فيها والد إحدى الفتيات التي تقطن مخيم للاجئين في مدينة الزرقاء 20 كيلو مترا شمال شرق العاصمة عمان، عند حضوره تخريج ابنته من إحدى دورات الإعلام الإذاعي :"الدنيا ما تسعني لما أسمع صوت بنتي عالراديو أو اشوف اسمها عالانترنت" هو نفس الوالد الغاضب بحضور الأخ الغيور والأم الحائرة الذي جلست معهم قبل ثلاث سنوات من هذا الحديث لإقناعهم بأن "ابنتهم تستحق هذه الفرصة التي تتوق لها ولن تندمو على ذلك وإقناعهم بطرد الخوف ورفض الثقافة التقليدية السائدة وإعطاء ابنتهم ما ترغب به وما تحلم به" وهذا ما كان.
اردنيا مضى أثنان وسبعون عاما على سماع صوت أول بث إذاعي تحديدا عام 1948 حينها كان يخرج من رام الله وتحت أسم إذاعة القدس، سميت بإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية لاحقا بعد توحيد الضفتين ، و بقي صوت ضفتي نهر الأردن واحدا حتى عام 1956، رسميا خرج صوت بث الإذاعة الأردنية من العاصمة عمان عام 1959.
اليوم هناك اثنان وأربعون إذاعة محلية أردنية ، تشغل النساء مناصب قيادية فيها كمديرات تنفيذيات لاربع إذاعات فقط " إذاعة جامعية، وأخرى مجتمعية، وواحدة تابعة لإحدى البلديات، ورابعة تابعة لقطاع تجاري خاص ".
وعبر تلك السنوات حتى اليوم استطاعت الإذاعة تغيير الكثيير، وصنعت محتوى رصين ومتابع وصدرته، وصنعت نجوم عرب وساهمت بانتشارهم وانتشارهن، لكنها اليوم تحارب كما غيرها من الإذاعات على مستوى العالم بأن تبقى براقة وجاذبة أمام تغول الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي الذي تسرق شاشاته الزرقاء المتابعين والمتابعات في سن الشباب ، لكنني مقتنعة أن أمام الراديو الكثير ليفعله لمساعدة الكثيرين والكثيرات في العالم، فما هي الوسيلة الإعلامية الأكثر غنى وحميمة من الأثير؟.
أستطيع القول بأنني شاهدة عيان على قصص حية لنساء تم إنقاذ حياتهن حرفيا، إما بسبب محتوى تم بثه عبر الأثير، أو بسبب عملهن في هذا القطاع الذي غير مسار حياتهن من ضحايا إلى بطلات ومنقذات لنساء أخريات في مجتماعتهن، ومنحتهن الإذاعة صوتا عاليا و نقيا وخاليا من شوائب التهميش والمنع والعنف، وأصبح واضحا لهن ولمجتمعاتهن أن "الهوى غلاب فعلا".