مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في العدالة والتنمية الاقتصادية
أوصت ورقة موقف جديدة صادرة عن المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بضرورة رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن إلى 345 دينارا شهريا على مرحلتين، مؤكدة أن هذه الخطوة ليست فقط ضرورة لتحسين مستوى معيشة العاملين، ولكنها أيضا استثمار في استقرار البلاد الاقتصادي والاجتماعي على المدى البعيد.
وأشارت الورقة إلى أن الحد الأدنى الحالي البالغ 260 دينارا، الذي لم يتم تعديله منذ عام 2021، والمُخطط زيادته الى 280 فقط سيُبقي قطاعات واسعة من العاملين عاجزين عن تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرهم، خصوصا مع الارتفاع المستمر في معدلات التضخم.
ويُعد رفع الحد الأدنى للأجور بمستويات جيدة خطوةً مدروسة لتعزيز الحماية الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي دون أن يشكل أي ضرر جوهري على أصحاب العمل.
وأوضحت الورقة أن الحد الأدنى للأجور في الأردن، مقارنة بالمتوسط الوطني للأجور البالغ 627 دينارًا، يشكل فقط 41% من متوسط الأجور، في حين توصي منظمة العمل الدولية والممارسات الفضلى عالميا بألا تقل النسبة عن 55%.
وبينت الورقة أن الحد الأدنى الحالي بعيد كل البعد عن تغطية الاحتياجات الأساسية للعاملين وأسرهم، وبخاصة في ظل معدل الإعالة المرتفع في الأردن، حيث يعيل كل شخص عامل ثلاثة أفراد على الأقل، مؤكدةً أن رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستويات عادلة يضمن تحسين الظروف المعيشية للعديد من الأسر، ويقلل من معدلات الفقر المرتفعة في الأردن.
وإن أحد أبرز المبررات التي تسوقها الورقة لرفع الحد الأدنى للأجور هو دوره في تحفيز الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز القوة الشرائية للعاملين وزيادة الطلب المحلي.
إذ تؤكد التجارب العالمية أن رفع الأجور يدفع عجلة الاقتصاد للأمام عن طريق تحسين الطلب الاستهلاكي المحلي، وهو ما يسهم بدوره في تعزيز معدلات النمو الاقتصادي ودعم استدامة الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد في مبيعاتها على السوق المحلي.
وفي هذا السياق، توضح الورقة إلى أنه لا يوجد دليل علمي يشير إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور يؤدي إلى خسارة كبيرة للوظائف أو إفلاس المنشآت الصغيرة، حيث يعتمد أصحاب الأعمال على قوة عاملة منتجة ومدربة للحفاظ على مستويات الإنتاج والقدرة التنافسية، ما يجعل الاستغناء عن الموظفين نتيجة لزيادة الأجور خطوة غير منطقية.
واستعرضت الورقة منهجيات علمية دقيقة لتحديد الحد الأدنى للأجور، بما يضمن تحقيق التوازن بين مصالح العمال وأصحاب العمل، ومن بين هذه المنهجيات، استخدام خط الفقر المطلق كمعيار، والذي يشير إلى ضرورة رفع الحد الأدنى إلى 480 دينارا شهريا لتلبية الاحتياجات الأساسية.
كما توصي منظمة العمل الدولية بتحديد الحد الأدنى بنسبة لا تقل عن 55% من متوسط الأجور، وهو ما يعادل 345 دينارًا في الحالة الأردنية.
وبينت الورقة أن العديد من الدول تعتمد على معدلات التضخم لتعديل الحد الأدنى للأجور سنويا، لأن ذلك يضمن الحفاظ على القوة الشرائية للعاملين.
وأكدت أن هذه المنهجيات تجمع بين الدقة والمرونة، بما يجعلها قابلة للتطبيق دون أن تسبب صدمات اقتصادية للمُشغّلين.
وشددت الورقة على أهمية رفع الحد الأدنى للأجور بشكل ملموس لتعزيز المشاركة الاقتصادية للشباب والنساء، الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان ولكنهم يعانون من معدلات بطالة مرتفعة. حيث أوضحت الدراسات أن الأجور المنخفضة تشكل حاجزا رئيسيا أمام دخول هذه الفئات إلى سوق العمل، إذ لا تغطي الأجور الحالية تكاليف النقل أو الرعاية الأسرية بالنسبة للنساء، ما يثنيهن عن العمل. ونبّهت الورقة أن تحسين الحد الأدنى للأجور سيحفز مشاركة الشباب بشكل أوسع، مما يسهم في تقليل معدلات البطالة وزيادة الإنتاجية الوطنية.
ومن زاوية الحماية الاجتماعية، أكدت الورقة أن الحد الأدنى للأجور يُشكل قاعدة أساسية لدعم أنظمة الضمان الاجتماعي واستدامتها.
وأوضحت الورقة أن رفع الأجور يعني زيادة مساهمات العاملين في أنظمة الضمان، مما يضمن تقديم خدمات أفضل للعاملين والمتقاعدين على حد سواء.
كما يسهم في الحد من ظاهرة "العاملين الفقراء"، وهم الأفراد الذين لا تكفي أجورهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، ما يقلل من الاعتماد على الدعم الحكومي ويخفف من الضغوط على موازنات الرعاية الاجتماعية.
وأخيرا، حذرت الورقة من أن الأجور المنخفضة لا تؤثر سلبا فقط على الأفراد والعائلات، ولكنها تشكل عائقا أمام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وأكدت أن تحسين الأجور يعزز الشعور بالعدالة والإنصاف بين المواطنين، ويقلل من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، ويؤدي إلى مجتمعات أكثر استقرارا ومرونة في مواجهة الأزمات. كما أكدت أن رفع الحد الأدنى للأجور ليس مجرد مطلب عمالي، بل هو ضرورة وطنية لضمان مستقبل أكثر عدالة واستدامة للجميع.