كيف خلقت السياسات الاقتصادية الأردنية جيشا من الفقراء؟

يقضي المعلم أحمد (41 عاما) ما يقارب 16 ساعة عمل يقسمها بين المدرسة ومحل تجاري يعمل فيه محاسبا بدوام مسائي في مدينة إربد (شمالا)، كمحاولة منه لرفع دخله الشهري لمواجهة متطلبات الحياة، بعد أن أكلت الضرائب والأسعار المرتفعة الرواتب في الأردن خلال السنوات العشرين الأخيرة.



أحمد، الذي يتقاضى ما يقارب (600 دولار) شهريا، دخل في دوامة الفقر، كحال موظفي قطاعات أخرى؛ بسبب سياسات اقتصادية حكومية استندت على الضرائب لتحصيل إيرادات لخزينة الدولة، وتسببت بتآكل الطبقة الوسطى، واتساع جيوب الفقر، وضعف القوة الشرائية للمواطن الأردني.



وأظهرت ورقة بحثية لمنتدى الاستراتيجيات الأردني، الأربعاء، أن الأردن من أكثر دول العالم اعتمادا على ضريبة المبيعات، حيث تساهم هذه الضريبة بما يقارب 68 بالمئة من إجمالي الإيرادات الضريبية في الأردن.



"وسعت الفقر"



ويعتقد محللون سياسيون واقتصاديون أن برامج التصحيح الاقتصادي، التي ربطت الأردن بصندوق النقد الدولي خلال السنوات الأخيرة، فاقمت مشاكل الأردنيين الاقتصادية، وتسببت بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتآكل المداخيل، إلى جانب تراجع نمو الاقتصاد الأردني، وارتفاع الدين، وهروب الاستثمار.



المحلل السياسي والاقتصادي، فهمي الكتوت، يقول لـ"عربي21" إن "ما نسبته 75% من الضرائب تستمدها الحكومة الأردنية من الكادحين ومشترياتهم، في وقت تآكلت فيه الأجور نتيجة فرض الضريبة على الغذاء والدواء، ما أوصل المواطنين إلى مستويات الفقر".



وحسب الكتوت، "تشير أرقام صندوق المعونة الوطنية إلى أن حد الفقر للفرد في الأردن 100 دينار شهريا، بمعنى أن أسرة مكونة من 7 أشخاص معدل الفقر لديها شهريا 700 دينار، في وقت أشارت إحصائية سابقة إلى أن معدل الفقر للفرد في 2010 كان 67 دينارا".



يُحمل الكتوت المسؤولية في تدهور الوضع الاقتصادي للمواطن الأردني لتطبيق المملكة لوصفات صندوق النقد الدولي، التي تشترط رفع الضرائب والأسعار كي تتمكن السلطات من الاقتراض.



مسلسل رفع الدعم عن سلع أساسية بدأ بوتيرة متسارعة منذ 2017، عندما قامت الحكومة الأردنية بتطبيق خطتها الاقتصادية لتوفير حوالي 600 مليون دولار، شملت رفع الدعم عن المحروقات التي لحقتها سلسلة طويلة خلال الأعوام الماضية من فرض للضرائب والرسوم، استجابة لشروط صندوق النقد الدولي.



 

"المعلمون مثالا"



المعلمون من الفئات التي تضررت من السياسات الحكومية الاقتصادية، ويقدر عددهم بـ140 ألفا، يطالبون بعلاوة 50% على رواتبهم، لمواجهة الأعباء الاقتصادية. وحسب الناطق باسم نقابة المعلمين، نور الدين نديم، "أصبح المعلم يدخل إلى الصف الدراسي وهو مثقل بالهموم المعيشية، حيث إن العديد من المعلمين يضطرون للعمل بعد انتهاء الدوام كي يوفروا لعائلاتهم الحياة الكريمة"، كما يقول لـ"عربي21".



الوزير الأسبق صبري ربيحات يصف الحالة الاقتصادية في الأردن بـ"عدم نمو اقتصادي، وثبات الدخل لكافة الفئات، ما سيدفع الجميع لطرح تساؤلات بعضها حول اعتبار النظام والحكومات مسؤولة عن التدهور الاقتصادي، والبعض الآخر على هيئة مطالبات فعلية لحقوقهم، إما على أرضية أن ليس هنالك عدالة في عملية توزيع الموارد، أو على اعتبار أن هنالك فرصا ضائعة كان يجب استغلالها في حال كان هنالك حكومات رشيدة تمارس دورها في دفع الاقتصاد وتحسينه".



يعتبر ربيحات أن "إضراب المعلمين هو بداية الصحوة، ومن المتوقع أن تلحق بها فئات أخرى، ولا تتوقف مطالب المعلمين برفع الأجور، بل تشير أيضا إلى ضرورة مراجعة شاملة للسياسات المتعاقبة التي تبنتها الدولة في الجوانب السياسية والاقتصادية، التي لم تفضِ إلى تحقيق الرفاه والسعادة التي يحلم بها المواطن الأردني".



ويرى ربيحات أن "حركة المعلمين تشكل صحوة للقطاع الأكبر من الناس، وأدخلت هذه الصحوة النظام في تحدّ مع المجتمع الذي يسأل ولا يجد إجابات، ما يعمق هذه الأسئلة لدى الناس، وربما تتحول إلى حالة مراجعة فكرية واتهامات".



وارتفعت نسبة الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) في الأردن، لتصل إلى 15.7%، وقدرت إحصائيات حكومية في 2019 أن عدد الفقراء في الأردن بلغ مليون و100 ألف مواطن، كما ارتفعت مديونية الأفراد في الأردن لدى البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية من 10.4 مليار دينار عام 2017 إلى 10.8 مليار دينار في نهاية عام 2018.



"لا تنظروا بسوداوية"



الحكومة الأردنية، على لسان رئيسها عمر الرزاز، أعلنت في أيلول/ ديسمبر الحالي أن الأشهر المتبقية من 2019 ستكون "حافلة بقرارات تعزز الاعتماد على الذات". مقرا أن "التحديات الاقتصادية خلال السنوات الـ10 الأخيرة أنهكت القطاع الخاص، وأضعفت القوة الشرائية للموظف العام". منتقدا "من ينظر إلى الوضع في الأردن بسوداوية دون النظر إلى الإيجابيات".





مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض، يرى في إضراب معلمي الأردن "مؤشرا على تفاوت اجتماعي كبير، ووجود ضغوط اقتصادية كبيرة على الفئات ذات الدخل المتواضع".



يقول عوض لـ"عربي21" إن "هناك العشرات من القطاعات التي تعاني كالمعلمين، لكن عدم انضوائها تحت نقابة حرمها من التحرك، وعلى العقلاء في الأردن التقاط مؤشر حراك المعلمين، من أجل إعادة النظر في مجمل السياسات الاقتصادية التي زادت عدد الفقراء، حيث تشير الأرقام إلى أن ثلثي رواتب الأردنيين أقل من 500 دينار".



شرائح ونقابات أخرى مرشحة للسير على خطى المعلمين، إذ يشعر الأردنيون بعدم العدالة الاجتماعية، وأن الحكومات المتعاقبة تقوم بإفراغ جيوبهم من خلال الرسوم والضرائب، وتعمل على تدمير قطاعات كالزراعة والصناعة، مع تدنّ لمستوى الخدمات، واستشراء الفساد، وتكدس الثروة بيد قلة قليلة.

أضف تعليقك