كيف أثرت الإجراءات الحكومية خلال الجائحة على منظومة الحماية الاجتماعية؟
أظهرت دراسة أن التدابير الصحية والمجتمعية والقرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة في إطار جهودها لمحاربة جائحة كورونا، أثرت سلباً على منظومة الحماية الاجتماعية في الأردن وخصوصاً على سوق العمل.
الدراسة الصادرة عن مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، في شباط الماضي، بعنوان "سياسة الحماية الاجتماعية في الأردن بين الإطار النظري والتطبيق العملي"، أشارت إلى أن برامج الحماية وآليات الدعم والإجراءات التي اتخذتها الحكومة خلال الجائحة كأوامر الدفاع، جاءت لصالح أصحاب العمل على حساب العاملين.
وبيّنت الدراسة أن هذه الإجراءات هدفت بشكل أساسي لدعم الأعمال دون أن تراجع أثرها على واقع الحماية الاجتماعية وحقوق العمال، إذ سمحت لأرباب العمل في القطاعات الأكثر تضررا بإيقاف العمل وإنهاء خدمات العاملين لديها.
وبحسب الدراسة، فإن أمر الدفاع الأول عطل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي، إذ جرى تعليق تأمين الشيخوخة، وتُركت حرية الاختيار للمنشآت في حال رغبت في الاستمرار بدفع هذه الاشتراكات، وكذلك سُمح للأفراد بالاشتراك اختياريا إذا رغبوا بذلك.
ثم جاء أمر الدفاع رقم (4) الذي أُنشىء بموجبه صندوق "همة وطن" لدعم جهود القطاع الصحي في مجابهة فيروس كورونا المستجد، ودعم برامج الحماية الاجتماعية للفئات المحتاجة في ظل هذه الأزمة.
كما فعّلت الحكومة، وفق الدراسة، دور الضمان الاجتماعي من خلال إصدار أوامر الدفاع المتخصصة التي أطلقت من خلالها برامج الحماية الاجتماعية للعاملين المؤمن عليهم.
وأظهرت بيانات المؤسسة أن عدد المستفيدين من برامج "تضامن" التي استحدثت بموجب أمر الدفاع رقم (9) وهدفت إلى تأمين العاملين في القطاعات الأكثر تضرراً بالجائحة بجزء من رواتبهم والمحافظة على استقرارهم الوظيفي، قارب نحو 106 آلاف مستفيد يعملون في نحو 11 ألف منشأة.
كما استفاد من برامج "مساند" التي استحدثت بموجب أمر الدفاع نفسه رقم (9) نحو 363 ألف مستفيد، وهي برامج تشمل منح المتعطلين عن العمل بدل تعطل، وصرف سلفة على حساب الدفعة الواحدة بحد أقصى 450 ديناراً، وأيضاً إتاحة المجال أمام المؤمن عليهم لصرف جزء من رصيدهم الادخاري وبحد أقصى 450 ديناراً أيضاً.
وأتاح أمرا الدفاع رقم (14) و(15) لشريحة واسعة من العاملين في القطاعين العام والخاص الاستفادة من برنامج تمكين اقتصادي (2) من خلال الحصول على سلفة على حساب الدفعة الواحدة بحد أقصى 200 دينار لتعويضهم عن جانب من الانخفاض الذي حصل في أجورهم.
كذلك، استحدث برنامج "استدامة" الذي يخصص للعامل في المنشآت غير المصرح لها بالعمل 50 بالمئة من أجره المعتمد لدى المؤسسة بحد أدنى 220 دينار شهرياً وبحد أعلى 500 دينار يتحملها البرنامج بشكل كامل.
وفي القطاعات الأكثر تضررا يخصص للعاملين فيها 75 بالمئة من أجورهم المعتمدة لدى المؤسسة، يتحمل البرنامج 50 بالمئة منها وبما لا يزيد عن 500 دينار شهرياً، ويتحمل صاحب العمل الـ50 بالمئة المتبقية على أن لا يقل الأجر الشهري الذي يُصرف للعامل عن 220 دينار شهرياً، وفي حال قلّت نسبة الـ75 بالمئة عن 220 دينار يتحمل البرنامج الفرق.
وأكدت الدراسة أن هذه الإجراءات جاءت "بدون دراسة كافية، وغير ملبية لطموحات العمال وأصحاب العمل خصوصا من أصحاب المنشآت الصغرى، ولم يتم التشاور بالحد المطلوب مع أصحاب العمل والعمال ونقاباتهم بشأنها".
كما لم تعرّف الحكومة آلية تحديد القطاعات الأكثر تضررا، وساهمت في تعرية العاملين من حقوقهم التقاعدية حين جرى إيقاف تأمين الشيخوخة، بالرغم من قرار رفع الحد الأدنى للأجور لعام 2021، إذ رُبط هذا الرفع بوقف تأمين الشيخوخة، ما أثر بشكل كبير على العاملين وبخاصة من الذين في سنوات عملهم الأخيرة، وفق الدراسة.
ولاحظت الدراسة أن الحكومة تخلت عن مسؤوليتها لدعم العاملين، واعتمدت كليا على أموال الضمان الاجتماعي لدعم أصحاب العمل، الأمر الذي اعتبر تعديا وتجاوزا غير مقبول على أموال المؤمنين.
وبالرغم من جميع البرامج التي جرى إطلاقها، بقي الجزء الأعظم من عمال المياومة خارج أي تغطيات اجتماعية رغم إنشاء صندوق لدعم هذه الفئة، إلا أن هذا الدعم، وفق الدراسة، أخذ شكل المعونات الإنسانية، وبالتالي كان محدودا في الكم والأثر، إذ قدم الصندوق مساعدات نقدية لأرباب الأسر فقط واستثنيت فئات واسعة من النساء والشباب من الاستفادة من هذا الصندوق.
ولفتت الدراسة إلى أن الدعم المقدم لعمال المياومة وأسرهم كان أقل من المأمول، إذ قُدمت مبالغ أقل من خط الفقر المعتمد في الأردن لدعم هذه الأسر، الأمر الذي لم يدعم في واقعه هذه الأسر ولم يلب الاحتياجات الأساسية لها.
واعتمدت الدراسة في منهجيتها على مراجعة عدد من الدراسات وإجراء المقابلات المركزة مع مستفيدين وخبراء بشأن الحماية الاجتماعية من القطاعين الخاص والعام والمجتمع المدني في عدة محافظات.