كورونا والعنف..يسلطان الضوء على قصور التشريعات الاردنية

 "التعديلات التي تمت على قانون العقوبات الأردني متقدمة ولا حاجة إلى مزيد من التعديل". كان ذلك رد الحكومة الأردنية على مطالبات الشعب والجهات الحقوقية المنادية بضرورة تعديل تشريعاتها وقوانينها للحد من مسلسل "الإفلات من العقاب". 

 

الرد جاء عن لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام، أمجد العضايلة، خلال  استفسار "عمان نت" حول تصاعد ظاهرة العنف، والجريمة مؤخراً، وتحديداً مع انتشار فيروس كورونا في المملكة. 

 

تبرر الحكومة ردها في أن "قانون العقوبات فيه ما يكفي من التشدد والزجر والنهي عن ارتكاب الجنح والجنايات، خصوصاً بعد تعديلاته المشددة عام 2017"، وفقاً للعضايلة.  

 

ومع تفشي "كورونا" وتفعيل الأردن لقوانين الدفاع، تصاعدت حالات العنف القائمة على النوع الاجتماعي، إذ طالت نساءً ورجالاً ومغتربين ولاجئين، في حين ضاعفت الجائحة خطورة الوضع بالنسبة للنساء والفتيات، في ظل قصور التشريعات الناظمة لحقوقهن، وانشغال الحكومة في محاربة الفيروس. 

 

مسلسل الجرائم لم يتوقف على صرخات أحلام (40 ربيعاً)، والتي 

قتلت مؤخراً على يد أبيها غربي العاصمة عمان، ليمتد إلى قتل 3 شقيقات 

على يد شقيقهم في محافظة البلقاء مساء أول أيام عيد الأضحى.

 

قصة أحلام لا تختلف كثيراً عن حال أردنيات يعشن منذ سنوات بعيدة في أقفاص الهوان والتعنيف والضرب. تلك الأقفاص أبطالها أزواجاً وأشقاء وآباء وأبناء وجدوا في عالم الجريمة مسرحاً لهم دون رادعٍ أو عقاب. 

 

ومن سكون الليل وصمته جاءت صرخات المعذبين في الأرض، لتوقظ المطالبات بأهمية حماية الأردنيات من التعنيف والقتل وتغليظ العقوبات بحق مرتكبيها، وعدم طي قضاياهم خلف جدران الصمت، ما يضمن لهن العيش بكرامة واستقرار، بعيداً عن مرارة العنف.

 

وبالعودة للعضايلة، وفي رده على ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال فترة الحظر من أن إدارة حماية الأسرة "لا تعمل ولا تستقبل الشكاوى"، أوضح أنها "إشاعات مغلوطة"، مؤكداً في هذا السياق أن إدارات ومؤسسات الدولة عملت خلال الأزمة على تأمين الحماية الاجتماعية لمحتاجيها. 

 

ظلام جديد يكشف صمت المعنفين! 

 

على اعتبار أن حادثة القتيلة أحلام والجرائم الأخرى أدخلتنا في ظلام جديد، يبعث إلى القلق الإنساني حول مصير تلك الفئات المهمشة والمعنفة، التي تطلع بدورها إلى جواب وحل وخلاص، فقد كشفت، أيضاً، عن حالة الصمت التي يعيشونها. 

 

وهو ما تؤكده جمعية معهد تضامن النساء الأردني، على أن ثقافة الصمت التي تسيطر على العديد من النساء يعرضهن الى المزيد من أعمال العنف المرتكب من أقرب الأشخاص إليهن وتماديهم في ارتكابه. 

 

وتعود هذه الثقافة؛ بحسب تضامن، لأسباب متعددة منها: اعتقادهن بأن مصير مجهول قد يواجهنه في حال قيامهن بتقديم شكوى للجهات المختصة، وضعف معرفتهن القانونية و / أو الخطوات الواجب إتباعها عند تعرضهن للعنف خاصة إذا نتج عنه إصابات وجروح جسدية قد تعرض حياتهن للخطر، بالإضافة الى الأضرار النفسية والمعنوية.

 

الاستشاري النفسي والتربوي والأسري، د. موسى المطارنة، يجدد في حديثه لـ"عمان نت" أن العنف- كظاهرة اجتماعية- يجب القضاء عليها بأشكال مختلفة؛ من خلال التوعية بإلقاء المحاضرات وبث النصائح والإرشادات عبر وسائل الإعلام. 

 

وبحسبه، لا بد من وجود دراسات تقوم على أسس صحيحة تتعامل مع حالات العنف الموجودة، وفهم الأسباب والمسببات، لكي نصل إلى مجتمع محصن من الاختراق. 

 

وحمل مطارنة، وزارة التنمية الاجتماعية، مسؤولية مواجهة العنف الحاصل ضد النساء خاصة والمجتمع بشكل عام، وأن لا تكتفي بنشر البيانات والإحصاءات فقط، وإنما عليها أن تتحمل مسؤولياتها أيضاً، متسائلاً في هذا السياق "لماذا هي غائبة عن ما يحدث في المجتمع؟". 

 

كورونا وعنف.. والشيء بالشيء يذكر 

 

معاناة الأردنيين مع ظهور فيروس كورونا المستجد والقيود التي حلت عليهم  بسببه، لا تقل عن معاناة النساء وحاجتهن إلى قوانين تحميهن، حيث لا خيار أمامهن سوى الاستغاثة وطلب حقهن في الحياة والحماية من الدولة والمؤسسات المعنية.

 

إذن "الشيء بالشيء يذكر"، كما يقال، فبورصة المطالبات الشعبية والحقوقية بضرورة انحياز الحكومة الجاد لملف العنف ضد الأردنيات، بالتزامن مع انحيازها لملف كورونا، لم تتوقف خلال الفترة الماضية. 

 

ومنذ بداية العام 2020 وقعت 9 جرائم قتل أسرية بحق النساء، 4 جرائم بذريعة الدفاع عن "الشرف"، و6 جرائم بداعي الانحلال الأخلاقي، بحسب 

التقرير الإحصائي الجنائي، الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية. 

 

وخلال فترة الحظر الشامل التي رافقت انتشار فيروس كورونا في المملكة، 

فقد تصدر العنف الجسدي حالات الإساءة الواقعة على النساء والأطفال بواقع 883 حالة، تلاها العنف النفسي 256 أما الإساءة الجنسية فبلغ عدد الحالات 117 حالة منها 44 حالة واقعة على بالغات و73 واقعة على أطفال، وفقاً لتقرير حديث صادر عن إدارة حماية الأسرة.

 

وأعادت جرائم القتل إلى الواجهة مجدداً المطالب بإعادة النظر في التشريعات والقوانين المتعلقة بارتكاب جرائم تنطوي تحت عنوان أو تعريف "جرائم الشرف"، وتحديداً المادة (340) من القانون الأردني وخاصة في البند الأول والثاني. 

 

وجاء في البند الأول من المادة: "تخفيض العقوبة عندما يقتل الرجل أو يهاجم زوجته أو أيا من أقاربه الإناث بسبب مزاعم الزنا أو إذا وجدهن في "فراش غير مشروع فقتلها في الحال"، أما البند الثاني فيقول "يستفاد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت في زوجها بفعل فاضح، في حين يشترط أن تكون هذه الحالة في مسكن الزوجية". 

 

تقصير حكومي يقافم المشكلة!

 

على الحكومة الأردنية أن تتبنى خططاً حقيقة بوجه أزمة العنف المجتمعي، وتحديداً في زمن فيروس كورونا الذي كشف بدوره عن ضعف النظام الأسري وقصور أنظمة الحماية الاجتماعية في المملكة. 

 

يتفق مع هذا الطرح، القانوني هاني الأعرج، الذي يؤكد أن العنف تصاعد خلال الفترة الماضية بشكل كبير، ما يعني أن الحكومة مطالبة بتعديل تشريعاتها وقوانينها استجابة لخطورة المشكلة، مبينا أن الضرب (الإيذاء) بصفة عامة يعاقب عليه القانون الأردني، وقد ينتقل من كونه جنحة إلى جناية في بعض الأحيان.

 

وتنص المادة (333) من قانون العقوبات إلى أن "كل من يقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مده تزيد على 20 يوماً عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات".

 

وتحت عدسة تفحصية، يحمل خبراء، الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ضرورة التركيز على ملف العنف ضد النساء والأطفال معاً، من خلال وضع خطط قابلة للتنفيذ وتعديل التشريعات والقوانين، وضمان المساءلة القانونية لكل من يرتكب جريمة يقصد بها عنف وإيذاء. 

 

ووفق الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، في مادته الأولى، فقد جاء تعريف العنف ضد المرأة بأنه: "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

 

وتشير التقديرات الأممية، إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء وفتيات تتعرض للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتهن، فيما صنفت الأمم المتحدة العنف ضد المرأة بـ"السرطان"، بخلاف العديد من الأمراض التي قد تنجم عنه وتفوق في خطورتها الأمراض الأخرى الأكثر إيلامًا.

 

ورغم إقرار عدد من الدول العربية قوانين مكافحة العنف الأسري، فإن هناك دولًا لا تزال تحتفظ بقوانين تسمح للمعتدين بالإفلات من العقاب.

 

أضف تعليقك