في يوم الفقر العالمي ..حكاية جوع من الأغوار الجنوبية
في خيمة لا تتعدى مساحتها سوى بضعة أمتار قليلة، في منطقة الأغوار الجنوبية (غور الصافي) التابعة لمحافظة الكرك، تسكن عائلة الأربعيني أبو محمد منذ 17 عاما، وسط ظروف معيشية قاسية لا يمكن حتى تخيل وطأتها، من شدة ما تعانيه هذه الأسرة من ضنك الحال والفقر المدقع.
يحاول أبو محمد وهو "أسم وهمي" المزارع بالمياومة، والمعيل الوحيد لهذه الأسرة، رعاية أبنائه الثمانية والذي يبلغ أكبرهم 15 عاما، وأصغرهم شهرين، إضافة إلى والدته التي اضطرت إلى العيش معهم بعد مرورها في ظروف اقتصادية صعبة.
يتقاضى أبو محمد أجر يتراوح ما بين ستة دنانير إلى سبعة يوميا، بينما تنخفض إلى ما دون ذلك خلال فصل الصيف بسبب تدني الإنتاج الزراعي وقلة العمل.
يعمل معظم سكان منطقة الأغوار الجنوبية التي تبعد عن العاصمة عمان بحدود 30 كم في القطاع الزراعي بالمياومة بنسبة 60% منهم نظرا لطبيعتها الريفية، حيث تبلغ نسب الفقر فيها 60 %، ونسب البطالة 30 %، وفق تقديرات دائرة الإحصاءات العامة.
ونظرا لجغرافية المكان ومناطقها المرتفعة، تتميز بمناخ ماطر وبارد في فصل الشتاء خاصة في ساعات الليل، الأمر الذي يشكل معاناة حقيقية للفقراء الذين يعيشون في مساكن متهالكة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة .
"لا أحب الشتاء وأتمنى أن يمر سريعا، فإنني لا أتحمل رجفات أبنائي من شدة البرد ليلا، خاصة مع تعرض خيمتنا للدلف خلال هطول الأمطار، تشكو أم محمد خلال زيارة "عمان نت" في جولة مع " تكية أم علي " لتفقد العائلات المعوزة لها.
وتتابع في الحديث عن زوجها الذي كان منهمكا في عمله في هذه الأثناء "اضطررنا إلى العيش في هذه الخيمة رغم صعوبتها، فلا يقوى زوجي على دفع تكاليف استئجار منزل ودفع فواتير المياه والكهرباء بسبب الغلاء المعيشي، كما أن زوجي يعاني من آلام في معدته، ما يمنعه من الذهاب إلى عمله والبقاء في الفراش.
ينام جميع أفراد الأسرة العشرة على فراشٍ مهتريء، في الوقت الذي لا يملك فيه أبناؤها ملابس دافئة، أو بطانيات صوفية كافية تقيهم لسعات البرد القارس، حيث يشترك كل 4 أشخاص في غطاء واحد لتدفئة أجسادهم، قد حصلوا عليه من المعونات الاغاثية التي تقدمها تكية ام علي، تقول الزوجة.
كما تعاني هذه العائلة من عدم توفر التيار الكهربائي في خيمتهم، وليس بمقدورها شراء مادة الكاز ليشعلوا المدفأة، ما يضطرهم إلى استخدام الحطب وسيلةً وحيدة للتدفئة.
وفي أحد جوانب الخيمة "السكن"، استغلت أم محمد خيمة صغيرة جعلت منها ما يمكن أن يسمى "مطبخا"، بأدواته البالية التي تغسلها بمياه الري الزراعي، إضافة إلى استخدام هذه المياه للشرب وغسل الثياب والاستحمام.
أما في الجانب الآخر من الخيمة، يوجد خيمة مصنوعة من القماش وأكياس النايلون، تستخدمها العائلة مكانا لقضاء الحاجة، الأمر الذي يعرض أفرادها لمشاكل صحية خطيرة كانتشار الأمراض والعدوى والتهابات في الكلى لعدم توفر المياه النظيفة وتلوث المياه.
وأمام هذه الخيمة، ترى أبناء هذه الأسرة يتراكضون ويتقاذفون كرة القدم التي صنعوها من بقايا ملابسهم المهترئة، أو يحاولون تركيب بعض قطع "الليجو" التي قد يكونوا وجدوها مصادفة، إذ لا يتوفر لهم في هذه المنطقة مكان يمكنهم قضاء أوقات اللهو فيه.
طرد غذائي ينتهي بأقل من أسبوعين
تعد هذه العائلة من أصل 20 ألف عائلة تستفيد من الخدمات الإغاثية التي تقدمها تكية أم علي، من خلال تقديم طرود غذائية شهرية، إلا أن هذا الطرد كما تقول أم محمد، لا يسد حاجة أبنائها من الغذاء، حيث سرعان ما ينتهي خلال أقل من أسبوعين، أما ما تبقى من الشهر فيؤمنون طعامهم من أصحاب المزارع من خلال حصولهم على بعض الخضار لعمل قلاية بندورة، ومجدرة وعدس، بعد أن تكون قد أعدت الخبز على الصاج.
تهدف برامج تكية أم علي إلى مكافحة الجوع والفقر الغذائي في المملكة، من خلال إيصال الطرود الغذائية شهريا على مدار العام لهذه الأسر، ويحتوي كل طرد غذائي على مواد غذائية تفي باحتياجات الأسرة الغذائية على مدار الشهر.
وتعتمد التكية الأسر المستفيدة ضمن شروط معتمدة عالميا، منها أن يكون صافي دخل الفرد في الأسرة 14 دينار أو أقل شهريا، ويتم حسابها من خلال خصم المصاريف الأساسية من الدخل حيث أن المبلغ المتبقي هو للطعام، وأن لا يكون لدى الأسرة أي نوع من الأملاك وأن لا يكون أحد أفراد الأسرة فوق عمر 18 عام.
وبحسب تقديرات التكية فإن 53% من الأسر المستفيدة من برامجها لا تمتلك وسيلة تدفئة لتحميها من البرد في فصل الشتاء، و48% من هذه الأسر لا تملك بطانيات وأغطية تمنحها الدفء، و92 لا يستطيعون شراء المواد اللازمة للتدفئة من كاز وحطب وأقمشة وغيرها، بينما 41 من الأسر يستطيعون شراء مادة الكاز لمرة واحدة فقط خلال الشهر، و39 % من الأسر يستطيع شراء مادة الكاز مرتين في الشهر على الأقل.
كما أن ما نسبته 46% من الأسر تشترك بالجلوس في غرفة واحدة مع 5 إلى 7 أشخاص للحصول على الدفى في فصل الشتاء، فضلا عن أن 50% من الأسر يواجهون مشكلة تسريب المياه في منازلهم خلال فصل الشتاء، و87% منهم يواجهون مشكلة الرطوبة مما يؤثر بشكل سلبي على صحة أفراد الاسرة.
١٣ عاما الأردن يخلو من دراسة للفقر
بعد أزمة كورونا، مر الأردن والعالم ككل بظروف اقتصادية استثنائية ساهمت، بتفاقم مشكلة الفقر في المملكة نظرا لما خلفته تداعيات كورونا، المتمثلة بتردي الأوضاع الاقتصادية، وتسريح أعداد كبيرة من العمال، بالإضافة إلى تضخم أسعار السلع نظرا للحرب الروسية الأوكرانية، ورفع الحكومة لأسعار المحروقات لعدة مرات خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي زاد من أعباء المواطنين نظرا للغلاء المعيشي، الذي أدخل الكثيرين في دائرة الفقر نظرا لعدم القدرة على توفير احتياجاتهم الأساسية ومتطلبات الحياة.
الأمر الذي دفع الحكومة الإعلان عن إجرائها لدراسة تحدد خط الفقر في الأردن، خاصة وأن اخرها كان في عام 2010، حيث سيتم خلال العام الحالي الإعلان عن نتائج الدراسة الجديدة وفق ما أعلنت عنه مديرية الإحصاءات السكانية والمسوح في دائرة الإحصاءات العامة مؤخرا.
أستاذ علم الاجتماع مدير مركز الثريا للدراسات الدكتور محمد الجريبيع يشير إلى أن مواصلة نسب ارتفاع الفقر والبطالة وتفاقمها يثير القلق، في وقت لا زالت الحكومة تعمل على إجراء دراسة لمؤشرات الفقر.
ويوضح الجريبيع أن من أحد أسباب الفقر هي الفجوة الكبيرة في توزيع الثروات بشكل غير عادل، بالاضافة إلى عدم المساواة في مستويات الأجور.
تقديرات الحكومة لنسب الفقر في الأردن في عام 2021، وصلت إلى 24% "مرحليا"، في ارتفاع بلغ حوالي 6% بسبب تداعيات فيروس كورونا، فيما أشار البنك الدولي في تقرير له الى أن معدل الفقر ربما يرتفع حوالي 11 نقطة مئوية بالنسبة للأردنيين، بعد أن كان 15.7 % ما قبل الجائحة ليصل إلى حوالي 27%.
هذه الأرقام يصفها الجريبيع بالمخيفة، مرجحا إخفاء الحكومة لدراسات معدلات الفقر تعود لأسباب سياسية، معتقدا بأن نسب الفقر أعلى بكثير مما يتم الإعلان عنه، موضحا أن الأوضاع العامة تشير إلى انتشار الفقر دون حاجتنا لإعداد دراسات.
كيف وصلنا إلى هنا؟
كيف وصلنا إلى هنا؟ هي ورقة بحثية تناقش الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الأردن بين إصلاحات صندوق النقد والأداء الحكومي، أعدها الباحث ليث فخري العجلوني.
يبين العجلوني في الورقة التي نشرتها عمان نت أن الأردن شهد في العشر سنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للأردنيين، حيث بلغت نسبة الفقر نحو 24% في آب 2021 بحسب تقديرات لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، كما شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 22.8% في نهاية الربع الأول من العام 2022 بعد أن كانت قد وصلت إلى حاجز الـ25% في نهاية الربع الأول من العام 2021 بحسب ارقام دائرة الاحصاءات العامة.
كذلك، فإن مؤشرات الصحة العامة في الأردن تدل على تراجع الوضع الصحي للأردنيين. مثلاً، يعاني نحو 51% من الأردنيين فوق سن الخمسين من مرض السكري، كما يعاني ثلث أطفال الأردن من فقر الدم، بالاضافة إلى معاناة 43% من النساء ضمن الفئة العمرية 15-49 من فقر الدم، بحسب مسح السكان والصحة الأسرية 2017-2018. وبالتالي، فإن الأردن يعاني من وضع اقتصادي واجتماعي صعب يتطلب زيادة حجم وكفاءة الإنفاق على الخدمات العامة للارتقاء بمستواها.
ويقول في ذات الورقة، عادة ما يفسر المحللون والمراقبون للوضع الاجتماعي والاقتصادي في الأردن هذا التراجع إما بضعف السياسات الحكومية أو بسياسات صندوق النقد الدولي. ولكن، فإن اعزاء التراجع الحاصل لأي منهما على حدة يعد تسطيحاً لواقع الأمور، بالإضافة إلى عدم دقة ذلك علمياً.
حيث يعد التراجع الحاصل مزيجاً بين العديد من العوامل التاريخية والسياسية وأخرى مرتبطة بالإدارة الحكومية والسياسة المالية إصلاحات صندوق النقد المرتبطة بها، بالإضافة لضعف شبكة الحماية الاجتماعية.
وتعد العوامل السياسية مثل الإدارة الريعية للاقتصاد، والعلاقة الريعية التي حاولت الحكومات المختلفة ادارة المواطنين من خلالها كبديل عن بناء حياة ديمقراطية من أهم العوامل في إضعاف قدرة الدولة على ادارة مواردها بشكل كفؤ.
كما كان للجانب السياسي من إدارة الدولة لعلاقتها مع المواطنين دوراً رئيسياً في إضعاف القدرة المالية للدولة على الأمد الطويل، حيث كان التراخي الحكومي في فرض وتحصيل الضرائب والتقليل من حجم الاقتصاد غير الرسمي، بالإضافة إلى التوسع بالإعفاءات الضريبية سمة عامة للعقد الاجتماعي الريعي السائد في ذلك الحين.
ونتيجة لكل ما سبق، وما نتج عنه من ضيق للسعة المالية للدولة، اضطرت الحكومات المتعاقبة للجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على المساعدات المالية والتقنية التي تمكنها من إنجاز برامج الإصلاح المالي و الهيكلي المطلوبة لتجاوز العجوزات المتراكمة في موازنة الدولة وتحسين السعة المالية للدولة.