في شوارع الضفة الجديدة
قالوا: دولة فلسطينية مستقلة متواصلة الجغرافيا... قلت أروني أين ؟!
قالوا في الضفة الغربية ..!!
قلت : هيا بنا نقوم بجولة في ربوع الدولة القادمة أو القائمة للتأكد أنها هناك ...!
هذا الحوار الافتراضي ورد بخاطري وأنا أشاهد التحول المرعب غير المسبوق وبالغ الخطورة على أرض الواقع ، فلا زلت أذكر أنه عندما قال الصديق العزيز خليل التوفكجي مسؤول الخرائط في بيت الشرق وخبير الاستيطان أن ما يجرى على أرض الواقع هو غير الواقع، فالدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها ستكون دولة الأنفاق!!! حيث يصبح النفق تحت الأرض هو الذي يربط بين أوصال الوطن الممزق، أما فوق الأرض فهو للمستوطن والجيش !! عندما قال التوفجكي هذا الكلام اتهمه الأصدقاء بالمبالغة ( كعادته) وبالسوداوية والتشاؤوم..!! فكان رده هادئا متوزانا: إذا لم تصدقونى فتجولوا في الضفة ...!!
فتصادف أن كنت في رفقه الصديق جمال غوشه مدير مسرح الحكواتي والذي قرر اكتشاف بعض شوارع الضفة الغربية أثناء نقله بعض الفنانات الفرنسيات المشاركات في العمل الفنى الضخم " ليل الليالى" من مطار اللد إلى مدينة نابلس مباشرة !! فاختار الطريق التي اعتقد للوهلة الاولى أنها الأقصر، وبدأ رحلته من منطقة مستوطنة موديعين التي يقع قسم منها داخل الخطر الأخضر والقسم الأكبر في الضفة الغربية واتجه غربا نحو قرى رام الله الغربية، فمنذ أن خرجنا من المطار وحتى مشارف نابلس لم نر أي لافتة عليها اسم قرية أو بلدة أو حتى مدينة عربية واحدة ، هذا لا يعنى أن الطرق كانت خالية من اللوحات الإرشادية بل على العكس من ذلك كانت مليئة باللافتات ولكنها تحمل أسماء غريبة عجيبة، جميع هذه الأسماء هي لمستوطنات أكبر واحده منها لا تصل إلى حجم حي من أحياء مدينة نابلس، ولكن هذه المستوطنات احتلت لافتات واسعة كأنها مدن كبيرة بينما القرى العربية المنتشرة بكثافة في تلك المنطقة لم تحظ بأي تعريف وكانها غير موجودهة في عقلية الإسرائيلي، فهي هناك ديكور .
لا أريد أن أصف لكم كم كان التعرف على الطريق بالغ الصعوبة، بسبب هذه التسميات الغربية ، ولولا أن صديقنا العزيز جمال غوشه يملك بعض المعلومات الجغرافية لفقدنا البوصلة حيث ربط بين مستوطنة حلاميش والشارع المؤدى إلى نابلس فسرنا باتجاه المستوطنة ومنها إلى شارع بيرزيت ومنه إلى مفرق وادي الحرامية والذي تحول إلى نصب تذكاري للجنود الإسرائيلين الذي قتلوا هناك وتم تغير معالمة بصورة كاملة... شعرت بأننى بأرض لا أعرفها ، بمناطق لا علاقة لي بها فالأسماء يهودية وتوراتية ، في نفس اللحظة شعرت أيضا كم أن الفلسطينين مقصرين بحق أنفسهم وبحق الوطن، فلماذا لا توجد أية لافتة تحمل أسماء القرى والبلدات التي تشرف على هذا الشارع من أجل إثبات الحق، وتذكير لكل مستوطن يمر من هنا بأنه محتل وليس أصيلا وأنه عاجلا أم آجلا سيرحل وهذه دورة التاريخ والجغرافية..!!
لماذا لم يقم الغيورون في تلك القرى على هذا العمل رغم أن تلك القرى معزولة عن الشارع..!! فالفلسطينين لا يحق لهم استخدم الشوارع الرئيسية التي يستخدمها المستوطنون وبدل ذلك قام الجيش بفتح طرق أخرى وفي بعض المناطق تم فتح الأنفاق لتربط بين القرى والمدن وبين المدن بعضها ببعض وخاصة شمال الضفة الغربية قلقيلية جنين طولكرم وغيرها، ألا يسمى هذا فصلا عنصريا !!!..
المهم أنه بعد مضي ساعتين في الشوارع الغريبة وصلنا إلى نابلس لنكتشف أن لها وتيرة خاصة بها ونمطا مختلفا عن النمط في رام الله الخليل ، فالواقع المرير القاسي يؤكد أن كل مدينة فلسطينية هي كيان مستقل وليست جزء من كيان واحد والفضل يعود إلى الجدار والحواجز والعقلية التي تكونت إثر ذلك ، وبعد ذلك يقول لنا الدولة الفلسطينية !! كيف ؟!!
وحديثنا مستمر