غياب العمل الجماعي وتفوّق الفردي

غياب العمل الجماعي وتفوّق الفردي
الرابط المختصر

أظهرت المسوحات ظاهرةً خطيرةً في ما يتعلق بفوز العرب في دورات الألعاب الأولمبية. باستثناء الميدالية البرونزية التي فاز بها المنتخب السعودي للفروسية في عروض القفز، في أولمبياد لندن عام 2012، فإن المئة ميدالية تقريباً التي فازت بها دول عربية لم تشمل أي منها عملاً رياضياً جماعياً واحداً.

ومن أشهر الرياضيين العرب الفائزين بالميداليات الفردية كان العدّاء الجزائري توفيق مخلوفي، الفائز بالميدالية الذهبية في سباق 1500 متر عام 2012، وذهبية السورية غادة شعاع في السباعية في دورة الألعاب الأولمبية في ولاية أطلنطا الأميركية لعام 1996، كما فاز المغربي هشام الكروج بميداليتين ذهبيتين في سباقي 1500 و5000 متر في أولمبياد أثينا 2004. وكذلك لم يستطع منتخب عربي أن يتجاوز الدور الثاني في بطولات كأس العالم لكرة القدم.

الحصول على ميداليات فردية يتطلب الكثير من الجهد والتفاني والإبداع، لكن فوز فريق رياضي يتطلب المزيد من التعاون والتضحية ونكران الذات.

فشلنا في العمل الجماعي الناجح لا يقتصر على الرياضة فحسب، حيث نتفوق في المشاريع الاقتصادية العائلية إلا أن إنتاجنا يكون ضعيفاً في عالم الأعمال الجماعية. المشاريع العائلية تحصد أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في العالم العربي وفقاً للنشرة الإماراتية 24/7.  بعض شركاتنا الناجحة تبلي بلاء حسناً بسبب وجود شخص معين على رأسها أو عائلة مسيطرة عليها.

الفشل يطال التجارة البينية العربية، إذ تفضل بلداننا التعامل مع دول غير عربية، وفي كثير من الأحيان رصد الصحفيون الاقتصاديون سلعاً مصنعة عربياً يتم شراؤها من خلال طرف ثالث من تجار أوروبيين.

في الانتقال إلى قوانين الانتخاب، فإننا نجد نفوراً لدى النقابات المهنية والاتحادات الطلابية من فكرة التمثيل النسبي، وتغليب الفائز ولو بنسبة 51% من الأصوات على مقاعد النقابة أو الاتحاد كاملةً. طلاب جامعاتنا غير قادرين على حل الخلافات من خلال الحوار والنقاش، ويلجأون إلى استخدام العنف في حرم الكلية لحل أكثر المشكلات سخافة.

الحال ليست أفضل في السياسة، فكلما جرت انتخابات عامة تم تأييد النظام الفردي بدلاً من الحزبي مما يقوي النظام القبلي. يصوّت الناس وفق نظام الإنتخاب الصوت الواحد. وحين تسمح القوانين الانتخابية بنظام الأحزاب والقوائم، يكون هناك عدد لا يحصى من القوائم مما يجعل عملية فوز مجموعة صغيرة وفعالة من الأحزاب أمراً شبه مستحيل. ونتيجة لذلك، فشلت الحكومات البرلمانية (مثل العراق وليبيا) إلى حد كبير في العالم العربي، بينما الأنظمة الملكية (مثل الأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية) مستقرة وناجحة نسبياً.

بعد صدور نتائج الانتخابات البريطانية الأخيرة، الأسبوع الماضي، استقال ثلاثة من رؤساء الأحزاب غير الناجحة وأفسحوا المجال لأفراد ذوي أفكار جديدة ليحاولوا تقديم ما هو أفضل في الانتخابات المقبلة. وفي المقابل يتمنى قادة أحزابنا الموت على أن يستقيلوا أو يعطوا فرصة للقادة من الشباب.

وينطبق الأمر بالطبع على عدد من القادة العرب؛ عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للجزائر منذ عام 1999، وقد أُعيد انتخابه على الرغم من أنه لم يعد قادراً على أداء اليمين الدستورية، أما الزعيم اليمني علي عبد الله صالح عاد بعد تقديمه الاستقالة واستخدم القادة العسكريين الموالين له في محاولة قلب النظام. وكذلك محمود عباس الذي يرأس السلطة الفلسطينية منذ أكثر من عشرة سنوات، والملوك هم بالطبع قادة مدى الحياة.

أنعم الله علينا بوصفنا أمة عربية بلغة واحدة وثقافة اجتماعية متماسكة هما موضع حسد تجمعات إقليمية أخرى، وشهدت معظم الدول العربية استقلالاً خلال الوقت نفسه تقريباً، وهناك حس قومي قوي ظهرت بوضوح في "الربيع العربي"، ونشاهد كلنا المحطات الفضائية ذاتها التي ساعدت في توحيد الاختلافات في اللهجة العامية، وفي خلق لهجة بيضاء جديدة يفهمها الجميع.

إذا كان لدينا اللغة والثقافة عامل موحد لنا، فلماذا نكون ضعيفين للغاية في العمل المشترك؟ ما الذي يمكن عمله لاستبدال هذه الفردية بروح الفريق الواحد الأكثر فعالية؟

لا يوجد حل سحري! نحن بحاجة للعمل على جميع المستويات لتأكيد أهمية العمل الجماعي، وعلينا أن نحتفل بنجاحه أكثر من الإنجاز الفردي، وأن نخلق ثقافة تدعمه وتشجعه. الجهد المطلوب من المستويات كافةً من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس لإحداث تغيير مجتمعي كامل، إن كنا نرغب فعلاً في بناء مجتمعات سليمة تقوم على التفكير التكاملي والتعاون بدلاً من نظام مبني على التنافسية الفردية فقط.

  • داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.