عمال القدس: عنوان للفقر والاحتلال
"لا تسجل حديثي، لا أريد أن يبث".
أبو صلاح عامل مقدسي يقف يومياً أمام مقهى "أبو نايف" قرب باب العمود في حي المصرارة كل صباح.
ينتظر أبو صلاح لقمة العيش عبر تجار يطلبونه للمساعدة في العمل، ذلك كي يحمل ما تيسر له من بضائعهم، ويأخذ أجره لأجل إعالة عائلته المكونة من خمسة أولاد أكبرهم يتعلم في إحدى الجامعات الفلسطينية، أما الباقي يتعلمون في مدارس تكلفه من المال الكثير، والمشكلة تكمن عند أبو صلاح بـ"التضييق اليومي عليه وعلى المقدسيين والذي تمارسه سلطات الاحتلال يومياً، وإخضاعنا لتحقيقات مهينة..".
الهدف من الإجراءات اليومية التي ينفذها الاحتلال كما يلخصها أبو صلاح "لأجل ترك بيوتنا وأعمالنا ونرحل من هذه المدينة المباركة، وتفرض السلطات الإسرائيلية ضريبة علينا سنوياً تجبرنا على دفع ما فوقنا وتحتنا من الأموال، والذي لا يستطع دفعها يخلون بيته ويصادرون الأثاث أو البيت بالكامل بسهولة ودون محاسبة من أحد".
هذه الضريبة تسمى أرنونا "بالعرف" الإسرائيلي، وتجبر سكان القدس على دفعها سنوياً، كل حسب مساحة بيته وعقاره، والغاية منها "ترحيلنا قصرا"، لكن العمل المضني والاستدانة من بعضهم البعض..هو حال المقدسيين، وهذا لأجل عدم إعطاء الاحتلال الذريعة لتهويد المدينة.
لا يسع عمال القدس إلا أن يقفوا صامدين ينتظرون رحمة القدر أو يستسلموا، وهو ما يجده أبو صلاح بالعار، "نعم بالعار هذه أرض مقدسة يريدوننا أن نستسلم، ونحن صامدون أمام تهويدهم لنا ولأرضنا".
ينتظر أبو صلاح لأيام عديدة دون عمل، ولعبة الحظ تلعب دورا في لقمة العيش، وواحدة من المشكلات بدأت منذ أن جلبت دولة الاحتلال الروس والأثيوبيين وقيامهم بأعمال حلت مكان العرب، "يبحثون عن الأجور الرخيصة وهؤلاء العمال يقبلون بأي أجر لأنهم جاءوا إلى البلاد صدفة، وهم ليسوا يهودا إنما فقراء من بلادهم تصهينوا لأجل أن تصرف عليهم إسرائيل ويعيشوا مجاناً".
"الحالة تعبانه" يختصر أبو صلاح حديثه، "نحن الفقراء وحدنا نقاوم الواقع الأليم بالقدس نماحك التيار هل تريد أن تسجل هذا الكلام، هل تريد أن تسجله، فالكلام لن ينتهي أبداً، وبرأيي أنه لا يقدم أو يؤخر لدى من يقرأ، فالواقع المعاش يحتاج إلى تنظيم زيارة للاطلاع على أحوالنا، لا أن يكتب عنا !".
أبو صلاح كغيره من المقدسيين الذين يقاومون صنوف الاحتلال ويؤمنون بالوقوف يومياً انتظارا للعمل على أن يخرج من مدينته، والمهم "أن لا أعطي المحتل فرصة تهويد القدس".
هنا، في مقهى أبو نايف تجمع حولنا العمال كل واحد منهم يشكو حاله، هذا يقول "أتعرض للمضايقات من الجنود إما يعتقلوني لساعات أو يصادرون ما بحوزتي من الأموال"، أما آخر "حينما يعلمون أن آتي من البيرة يحتجزوني ليوم كامل، ويشتموني بألفاظ يندى لها جبين البشرية"، وآخر "صادروا سيارتي ألبيك آب بكل سهولة ودون اهتمام أحد والمشكلة لا يوجد جهة نلجأ لها" وآخر "إن قطعت الشارع بقدمك تخالف، إن كنت تحمل أوراقك الثبوتية يصادروها منك وتستلمها بعد يوميا أو ثلاثة من مراكز بعيدة عنك تزيد من أعباءك المادية الكثير"، والأخير "ماذا نقول أكثر من سب ديننا وعرضنا وأرضنا ويبصقون علينا وإن تقاومه تعُتقل لأيام. هذا هو حالنا".
وإن حاولت الاستماع أكثر سيتحدثون أكثر. والمآسي والمشكلات لديهم غيض من فيض، فالممارسات التي تدعمها إسرائيل بحق هؤلاء العمال، هي سياسة ينتهجها الجنود بأمر منها بحق عمال القدس وعمال الضفة القادمين للعمل فيها، يعيشون حربا طاحنة لأجل الحياة في القدس لكن "لا بأس سنقف صامدين لأجل القدس، ألا تستحق منا كل هذه المعاناة ! إنها القدس مهد الديانات".
إستمع الآن